يوم الطالبة وليلتها

Cover Image for يوم الطالبة وليلتها
نشر بتاريخ

عزيزتي الطالبة أنت دائما بحاجة إلى التجديد، ولعل من أهم مظاهره حرصك على القراءة وطلب العلم في كل ما يخص دينك وعقيدتك كما تطلبين علوم الدنيا وأشد، فالطالبة الذكية هي من تستطيع حيازة فضلي الدنيا والآخرة، سعيا لإسعاد نفسها ومن حولها، بل وطموحا إلى تغيير العالم نحو الأفضل بما تحوز من علم ومعرفة.

والعلم/la science بتعريفه المختصر؛ هو ذلك الفرع من الدراسة المؤسسة على معرفة منظمة بدقة، والمنسقة، المتولدة عن الملاحظة والدراسة والتجربة  التي تروم تحديد طبيعة وأسس وأصول الشيء محل الدراسة.

والمعرفة/la connaissance هي مجموع المعتقدات والمعاني والمفاهيم والأحكام الفكرية التي تتكون لدى الإنسان من خلال محاولاته المتكررة لفهم الأشياء المحيطة به.

قال الله تعالى في فضل العلم:  خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) (سورة الرحمان)، وقال تعالى أيضا: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (11) (سورة المجادلة).

وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالم أو متعلم” (أخرجه الترمذي عن أبي هريرة).

وقال أبو الأسود الدؤلي: “ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك” (1).

وقال سيدنا علي رضي الله عنه:

ما الفخــــر إلا لأهل العلم إنهم ** على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه ** والجاهـلون لأهل العـلم أعداء

فـفـز بعلم تعش حيـا به أبــدا ** الناس موتى وأهل العلم أحياء

ومن المعلوم أن كل طالبة ترسم طريقا عند ولوجها لإحدى الجامعات أو المؤسسات العليا، فتبتعد عن عالمها الصغير وتختلط بمحيط يكون مختلفا من حيث السلوك والوعي والفكر والتطور، والحقيقة التي يجب أن تنتبه إليها الطالبة هي التركيز على تكوين شخصيتها تكوينا إسلاميا حقيقيا، فتسعى لتقوية الإيمان بالله تعالى في نفسها، وتستعد لمجابهة عالم عجاج ثجاج، مليء بالفتن والملهيات والطيش.

واحرصي عزيزتي الطالبة على التزود بالعمل الصالح والقيم الرفيعة والأخلاق الحميدة، وتحقيق الأهداف وطلب العلم الذي يرفع قيمتك، وعليك بحمل أمانة الاستخلاف، ولنا في الباب أمثلة كثيرة للاقتداء نسوق منها مثال محمد الفاتح؛ الذي تلقى تربية إسلامية في مقتبل عمره، وأصبح مؤهلا لقيادة جيوش المسلمين وهو في سن السابعة عشر، حيث تكونت معالم شخصيته في وقت مبكر، فأصبح القائد المحارب العادل الثاقب النظر، إنه مثال يحتذى في الضبط والتفكير والتخطيط والذكاء والقيادة الحكيمة، واستشعر مسؤوليته التي خلق لأجلها في هذه الدنيا، وعلم أن الإنسان لم يخلق ليتمتع كما تتمتع الدواب.. بل ليكدح في الأرض بالحق حتى يلقى الله سبحانه وتعالى.

يوم الطالبة وليلتها عنوان استوحيته من برنامج وضعه الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، أسماه “يوم المؤمن وليلته”، الالتزام به ينقل المرء من زمن العادة إلى زمن العبادة، يوضح الطريق لطالب الآخرة والدنيا، إن أخذت به الطالبة نظمت وقتها ونالت بغيتها. ألخصه كما يلي:

أولا- تبدأ الطالبة بالوتر النبوي، وهو سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه: “أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لست بتاركهن: أن لا أنام إلا على وتر..” (2)، وإن كان معتادا صلاة الليل فالتأخير أفضل. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “أوتر الرسول صلى الله عليه وسلم أول الليل وأوسطه وآخره وانتهى وتره إلى السحر” (متفق عليه).

وأنشد ابن المبارك:

إذَا مَا الَّليلُ أظلَمَ كَابَدُوه ** فيسفرُ عنهمُ وهمُ ركوعُ

أطَارَ الخَوفُ نومَهُم فَقَامُوا ** وَأهلُ الأمنِ فِي الدُنَيا هُجُوعُ

ثانيا- جلسة الشروق للتلاوة والذكر والتعلم، وتكون بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، فلا يفوتك عزيزتي الطالبة هاته السويعة الذهبية وهي وقت البركة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة” (3).

ثالثا- صلاة الضحى، صلاة الأوابين.

رابعا- السنن والرواتب، وهي النوافل.

خامسا- الورد اليومي، وهي قراءة حزبان أو أكثر يوميا.

سادسا- الإكثار من الكلمة الطيبة؛ (لا إله إلا الله)، فهي كلمة التوحيد، وكلمة الإخلاص والتقوى، وهي الكلمة الطيبة، ودعوة الحق، وهي العروة الوثقى، وأعلى شعب الإيمان، وهي ثمن الجنة.

سابعا- الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، على الأقل 300 مائة مرة في اليوم، ففضلها كثير وخيرها عميم.

ثامنا- الاستغفار والتوبة والدعاء، نجدد توبتنا كل يوم مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلى اللهِ، فإنِّي أَتُوبُ في اليَومِ إلَيْهِ مِئَةَ مَرَّةٍ” (4). مع الإلحاح في الدعاء، إذ هو مخ العبادة ولبها وأصلها، ويفضل أن يكون في وقت السحر، وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات.

تاسعا- طلب العلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أطلبوا العلم ولو في الصين” (أخرجه البيهقي).

وقال الزبير بن أبي بكر: “كتب إلي أبي بالعراق: عليك بالعلم فإنك إن افتقرت كان لك مالا، وإن استغنيت كان لك جمالا” (إحياء علوم الدين للغزالي).

وقال الإمام عبد السلام ياسين: “التحصيل العلمي جهاد في حد ذاته مهما بَدَت الآفاق منسدة” (5). 

وختاما؛ لابد لنا من سويعة نبقيها لأسرنا الإيمانية، نستفيد من مجالس الخير والإيمان مع صحبة تذكرنا بالله وبالحياة الآخرة. ولا ننسى القيام بحق الدعوة، إذ هي مهمة الأنبياء والرسل.


(1) إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي: 1 / 47.

(2) “أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لست بتاركهن: أن لا أنام إلا على وتر، وأن لا أدع ركعتي الضحى فإنها صلاة الأوابين، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر” (صحيح الترغيب والترهيب).

(3) رواه أبو داود في كتاب الصلاة وأخرجه الترمذي.

(4) صحيح مسلم، 2702.

(5) عبد السلام ياسين، رسالة إلى الطالب والطالبة، ط 1995/1، مطبوعات الأفق الدار البيضاء، ص 29.