يوم الأرض.. تلك الملحمة الفلسطينية الخالدة

Cover Image for يوم الأرض.. تلك الملحمة الفلسطينية الخالدة
نشر بتاريخ

يتذكر أهل الصدق انتفاضة الأقصى المجيدة ضد الكيان الصهيوني الغاشم، وقلوبهم تهفو إلى النصر والتحرير، تلك الانتفاضة التي تعود ذكراها مجددة لمعاني التضحية والجهاد لإحقاق الحق وإزهاق باطل بني صهيون، مذكرة بالانتفاضة الفلسطينية الوطنية المشهودة الجامعة التي تفجرت في الثلاثين من شهر مارس لسنة 1976، وتبلورت إضرابا شاملا وتظاهرات وتجمعات في مختلف مدن وقرى فلسطين، رافضة لاحتلال الأرض ومصادرتها، فتدفقت الجموع المجيدة لتدق رايات العزة والأنفة والحق، إلى أن يأذن الله، بعد استجماع شروط النصر، لتدك دولة العدو الباطلة.

جاءت ذكرى يوم الأرض لتنطلق ألسن الأحرار بترانيم الغيرة والنصر والعزم على استرجاع الأرض وعودة فلسطينيي الشتات، وينفضح زور وبهتان الساسة والكبراء.

أسطوانات تتكرر وكلمات تجتر والفعل في أرض الواقع مغرق في الخذلان والخزي، أنظمة اختارت الانبطاح ولم تشأ أن تلون صحائفها ببركات العمل على رفع الظلم والذود عن الحمى والغيرة لانتهاك الأرض والعرض.

هزائم تلو الأخرى أبانت عن تفكك الجسم العربي وتحلل أوصاله، وعن صممه الذي يمنع بلوغ أصوات الشعوب الحرة إلى مسامعه.

كلمات جوفاء تلاك وقمم تعقد لا تزيد العدو الغاشم إلا تجبرا وبطشا واستهانة بالحقوق وشرها في تملك المزيد والمزيد من الأرض، مستغلا شعاره الزائف “أرض بدون شعب لشعب بدون أرض”، مدغدغا عواطف الغرب، مستثيرا لعطفه بحكايا المحرقة الهتليرية وضحايا الآلة النازية.

أفكار متجددة في وهم العدو الصهيوني يروج لها في المحافل ويستغل الإعلام الذي يمتلك جزءا ضخما من مؤسساته ومنابره، لكن تقضي متغيرات الواقع والحال وأحوال الشعوب العربية والإسلامية التي أضحت أكثر توقانا إلى الانعتاق والتحرير أن الباطل سيزول وأن الحق سوف يعود إلى أصحابه ولو طال الزمان، سنة الله.

تغيب ألحان حقوق الإنسان والديمقراطية الغربية إذا تعلق الأمر بإسعاد الابن المدلل، وتطفو على سطح الذاكرات حكايا الإذلال الهتليري وحدها لتترجم واقعا إلى دعم يحمي “الأرض الموعودة” ويشق الأرض العربية إلى نصفين ويكون منها منطلقا، لا قدرهم الله، إلى تحقيق المشروع الصهيوني في امتلاك جزء كبير من المشرق العربي لتحقيق “دولة إسرائيل الكبرى”.

اليقين أن دولة الظلم لا تدوم، دولة الأشباح مهددة بالانقراض، تلك الدويلة المصطنعة المكشرة عن أنيابها، يهددها شبح التدمير الذاتي. فهي ليست سوى عصابة من العشائر المتنافرة، كما تهددها ضخامة ترسانتها النووية التي قد تشعل فتيلها نزوة زعيم ذُهاني أو هيجان قادة عسكريين قد يحرضون الحكومة على التحرك” [1].

اندحار أكيد للعدو لن يتأتى حتما إلا بتغيير ما بالنفس واستجماع القوى. هي سنة الله قائمة في التدافع بين الحق والباطل، وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ [سورة الأنفال، الآية 60]؛ مطلب قرآني ملح خاصة في زمن طغى فيه التطور التكنولوجي، وتعددت أشكال وقدرات الترسانات الحربية.

هي الثقة في موعود الله، المتفضل الجبار المنتقم، لا تتردد، واليقين في نصره عقيدة نؤمن بها كما نؤمن بقول الحق سبحانه: فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [سورة محمد، الآية 35]، وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [سورة آل عمران، الآيتان 139 – 140].

هو نصر بعد انهزام وعز بعد ذل، وأيام تتداول، وشهداء يتخذون، وشعب استضعف وقهر، وشوق عارم لتلك البقاع يذكرنا بما أنشده الشافعي رحمه الله تعالى في بلاده غزة:

وإني لمـشـتـاق إلــى أرض غــزة ** وإن خانـنــي بعــد التفــرق كتـماني
سقى الله أرضا لو ظفرت بتربهـا ** كحلت به من شده الشوق أجفاني

أرض فلسطين الحبيبة المقدسة بقداسة الدين الذي تحتضنه وأهل الملة الذين يطؤون ثراها، مهد الرسالات هي ومنطلق الحضارات، مسرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ومنطلق معراجه الكريم، وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين عجل الله بنصرها.


[1] عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، ص 130 – 131.