وظيفة المرأة وسؤال التنمية عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله

Cover Image for وظيفة المرأة وسؤال التنمية عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله
نشر بتاريخ

أصبح من نافلة القول التذكير بأهمية حضور المرأة ومشاركتها في المجتمع؛ حيث باتت هذه المسألة اليوم محل إجماع مختلِف وجهاتِ النظر، على الأقل على مستوى الخطاب، حتى لا نقول على مستوى التصور أو مستوى الممارسة. 

وهذا ما نلاحظه على مستوى شعارات البرامج الإنمائية لمنظمة الأمم المتحدة وهيئاتها الدولية والمحلية التي تؤكد في أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 مثلا، على أنه لا تنمية اجتماعية دون مساواة كاملة بين الجنسين، ودون تفعيل دور المرأة في التغيير.

لكن هنا يحق لنا أن نتساءل عن مدى ترجمة هذه الشعارات والأهداف إلى حصيلة من الإنجازات الملموسة في واقع المرأة المتردي. الحصيلة للأسف لا ترقى  إلى مستوى التطلعات بشهادة تقارير الأمم المتحدة نفسها، التي تشير إلى أنه: “مادام نصف البشرية لا يتمتع بإنجازات التنمية البشرية، فلن يتحقق تعميم هذه التنمية على الجميع” 1.

فلماذا إذن أخفقت برامج التنمية في تحقيق أهدافها للخروج من دركات التخلف والظلم الذي عانت منه المرأة لقرون وما زالت؟

من أجل تحليل هذه الإشكالية، سنتناول في هذه الورقة قضية وظيفة المرأة في علاقتها بالتنمية، وكيف أجابت عنها كتابات الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى. 

إذا رجعنا إلى مكتوبات الإمام عبد السلام ياسين، نجده قد تطرق إلى حقيقة الأسباب والعقبات التي تؤخر تنمية الإنسان عموما والمرأة بشكل خاص، والتي ارتبطت أساسا بتحديات السلطة السياسية والفقه الرسمي الجامد والعوائد الاجتماعية السائدة، وبسط الحلول والبدائل لتجاوزها في نظرية منهاجية تجديدية أصيلة، تمتح من الأصلين الكتاب والسنة وتنفتح على تجارب الحكمة البشرية الرصينة.

وفي هذا السياق نجده يحذر من مخططات التنمية وبرامجها المستوردة من الغرب، باعتبارها آلية تحكم وعامل تغريب، تحاول استغلال قضية المرأة لضرب الخصوصية القيمية للشعوب المسلمة على وجه الخصوص، وفرض عولمة ثقافية تصنع أجيالا منسلخة عن هويتها وأصولها الدينية. ومن ذلك دعوتُها إلى “عولمة المرأة”، وترسيخ “مقاربة النوع الاجتماعي” أو “نظرية الجندر” التي تهدف في حقيقتها إلى هدم قيم الأسرة، وتطبيع التحلل الأخلاقي والشذوذ الجنسي، وإلغاء الأدوار الفطرية للمرأة.  

لهذا السبب ما فتئ الإمام رحمه الله تعالى يؤكد في كل مناسبة على تقوية مؤسسة الأسرة المسلمة باعتبارها برجَ الأمة الاستراتيجي وحصنَها الأخير، ويؤكد على حفظ كرامة المرأة والأم المربية باعتبارها عماد هذه الأسرة 2.

ومن هنا بدأ بمناقشة المبدأ الأممي: “المساواة بين الرجل والمرأة” في علاقته بمقاربة النوع الاجتماعي، معتبرا إياه دعوة إلى المماثلة وتبادل الأدوار، وهو ما ينافي خصوصية الرجل والمرأة على حد سواء؛ هذه الخصوصية التي ترتبط باختلافاتهما الفيزيولوجية والنفسية، وتحدد على أساس ذلك وظائفَ كلٍّ منهما ومسؤولياتِه، وفق مقتضى شرع الله تعالى وسنته في أصل الخلق والوجود.

لذلك، فهو يرى أن  العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم في نظام الإسلام على التكامل في الوظائف والمسؤوليات. وأن مسألة الأفضلية بينهما لا تتحدد إلا على أساس التقوى والكفاءة والعمل الصالح، وفق ما تقرره النصوص الشرعية، في مثل قول الحق سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].

ويعتبر – رحمه الله – هذه المسألة منطلقا أساسيا يحدد مسار التنمية التي يقصدها في فقه المنهاج النبوي، حيث لا يمكن أن توظف الإمكانات الذاتية للمرأة خارج دائرة الوظائف الفطرية والشرعية التي خصها الله عز. وجل، وشرفها بها.

وقد بدأ في استبصاره لحكمة الله تعالى من الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان والترمذي وأبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته. فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته. والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها. والخادم في مال سيده راع، وهو مسؤول عن رعيته». قال: فسمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم. وأحسِب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والرجل في مال أبيه راعٍ ومسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته».

وعلق عليه بقوله: “هل نسخت مسؤوليةُ المرأة في البيت مسؤوليتَها خارجه؟ مسؤوليتُها في البيت سنةٌ قرأناها، ومسؤوليتُها خارجه قرآنٌ نقرأهُ في قوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 72]” 3.

ليخلص إلى أنه لا جدال في ضرورة مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والعلمية والسياسية والاقتصادية، كما كانت الصحابيات يشاركن رضي الله عنهن. لكن تاريخ المرأة مثقل بآثار عصور الانحطاط، وواقعها اليوم مشحون بمؤثرات الحملات التغريبية وفلسفاتها التخريبية. لذلك وقف رحمه الله عند السؤال الجوهري الذي ينظر الجواب الشافي من فقه التجديد في ظل هذا الوضع، وهو كيف تستطيع المرأة أن تقوم “بما يُكَلِّفُها به نداءُ الضرورات الكسبية، وما يدعوها إليه نداءُ سعادتها الأخروية” 4؟

ينطلق الإمام رحمه الله في تحليله لهذه القضية من أن خروج المرأة للكسب خارج البيت جاء نتيجة رد فعل وليس ضمن خطة مجتمعية متكاملة؛ تتحكم فيها عند الفئة المستضعفة الضرورة والاضطرار بسبب إهمال المجتمع للمرأة وظلمه لها، وعند الفئة المغربة الرغبة في تقليد ومجاراة المجتمعات الغربية المصنعة الصاخبة والموضات المنحلة 5. ويحذر تبعا لذلك من النتائج العكسية المتمثلة في تفكك الأسرة، وشغل المرأة عن وظيفتها الفطرية الجليلة 6.

على هذا الإساس، يدعو إلى نصرة المرأة وصون كرامتها وإنصافها من الظلم الذي دفع بها إلى هوس التبرج والاختلاط؛ وذلك بضمان كفايتها المادية ضمن الحقوق المكفولة لها عند مؤسسات الدولة، وعند ذوي الرحم والقربى، وتكليف من خرجت للعمل لضرورة كسبية أو حاجة مجتمعية بوظائف تلائم خصوصيتها الفيزيولوجية والنفسية، وتراعي مسؤوليتها الأساسية في البيت، و لا تتنافى مع الحشمة والأخلاق والعفة والتقوى 7. ومن أمثلة ذلك تغيير النظرة إلى وظيفة المرأة في البيت، برد الاعتبار لـمهمة “ربة بيت” كمهنة قائمة بذاتها، معترف بها في الوثائق الرسمية، مؤدى عنها من طرف الدولة، ومحترمة في وعي المجتمع وسلوكه.

والحمد لله رب العالمين.


[1] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية 2016، مؤسسة لو مارتن، كندا، 2016، ص: 12.
[2] ينظر: ياسين عبد السلام، تنوير المؤمنات، 2/222.
[3] ياسين عبد السلام، تنوير المؤمنات، 2/303.
[4] ياسين عبد السلام، تنوير المؤمنات، 2/102.
[5] ياسين عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، ص: 310.
[6] ياسين عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، ص: 308.
[7] ياسين عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، ص: 311.