واقعة الإسراء والمعراج ونهوض الأمة من كبوتها

Cover Image for واقعة الإسراء والمعراج ونهوض الأمة من كبوتها
نشر بتاريخ

ما أشبه اليوم بالبارحة

اشتدت وطأة حصار المشركين من قريش على الحبيب المصطفى ﷺ وعلى المسلمين، أبدانهم هزلت ووهنت، ومواجهتهم للظلم عظمت، وحماية أبي طالب للنبي الكريم بموته غابت، وحاضنته الوفية أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها إلى الآخرة قد انتقلت، وأمانة الدعوة والتبليغ تنادي يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ (1) قُمۡ فَأَنذِرۡ (2) (سورة المدثر).

كذلك اشتدت وطأة الحصار المعاصر على الأمة الإسلامية من قبل حكام يحصون أنفاس الأحرار الصادقين، ويقمعون دعاة التغيير الجادين، بل وتمادى الكيان الصهيوني الغاشم في غطرسته ونازيته على المستضعفين من أصحاب الأرض والحق من أهلنا في غزة وفلسطين منذ النصف الأول من عام 2006م، وما تخلل ذلك من اعتداءات وحشية على القطاع سنة 2008 و2012 و2014 والحرب الشرسة 2023م وما أدّت إليه من تدمير وخراب وتعطيل للمصالح الضرورية للمواطنة والمواطن الفلسطينيين.

ولقد وثقت وسائل السمعي البصري ما يندى له جبين الإنسانية ويبقى وصمة عار في  تاريخها؛ أن يتم عزل جزء من بين البشر لينعتوا بأنهم ليسوا بشرا ولتبرر كافة أنواع القتل والتخريب في صفوف الأطفال والنساء والرجال.

أما حكام العرب والمسلمين فلا حياة لمن تنادي وما أنت بمسمع من في القبور، ما بين متواطئ مكشوف، وخائن مستتر، ومنتظر أين تميل الكفة الغالبة إلّا من رحم الله من بقايا مروءة وفتوة من أصوات الشعوب والأحرار في هذا العالم؛ الذي يكيل بمكيالين، ويلعب على حبلين، وما الله بغافل عما يعلمون.

مرمى بصر الداعية الرسالي على بقاء الدعوة واستمرارها رغم الأذى

ففي شوال سنة عشر من النبوة خرج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف؛ سارها ماشيًا على قدميه جيئة وذهابًا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة تأملهم برحمته المعهودة، ورأفته الممدودة، ورأى ما هم فيه من ضلال وتيه، وغفلة عن المآل والمصير، يدعوهم إلى هدي الإسلام، ونور الإيمان، لكن لم يجد منهم إلا الجفاء والصدود…

انتهى المسير بالمبعوث رحمةً للعالمين إلى الطائف، وكله أملٌ أن يجد منهم سندا، ورجاءٌ أن يكون منهم للحق مددا، فعمِد إلى ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وجلس إليهم ودعاهم إلى الله جل وعلا، لكن كانت أجوبتهم كالصاعقة المفاجئة على قلب محب منقذ رؤوف رحيم.

تعَهَّد أولهم أن يَمْرُط (يمزق) ثوب الكعبة إن كان الله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم.

وقال الآخر‏:‏ أما وَجَدَ الله أحدًا غيرك.

وخاطبه الثالث‏:‏ والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولا لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك‏.‏

أقام رسول الله ﷺ بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه…

تلك، لعمري، همَّة الداعية أنَّى كان، رجاؤُه، لا حدود له، أن ينقذ الله به قوما ضالِّين من النار، لكن لسان مقالهم الجارح يردد: أُخرج من أرضنا! وأغروا به سفهاءَهَم وعبيدهم، يسُبونه ويصِيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له سِمَاطَيْن ‏(أي صفين‏) وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السَّفه، ورجموا عراقيبه (أواخر قدميه الشريفتين)، حتى اختضب نعلاه بالدماء‏.‏ وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه إلى أن أصابته شِجَاج (جراح) في رأسه.

يا أهل غزة، ويا أهل الإسلام مرمى البصر مستقبلا عن تحرير الإنسان وهدايته مما أوقعته فيه مكتسباته من تناقض وتظالم، فقد انكشف الغطاء واستيقظت الضمائر تريد معرفة الإسلام، سرّ ثبات الناس وتمسّكهم بأرضهم؛ الطفل منهم قبل الراشد، والمرأة منهم قبل الرجل… الأرض أرضنا، إما نحررها بعزة وكرامة أو ندفن فيها بشهادة، تنبت من تربتها من الأجيال من يكونون سادة وقادة.

الاستمداد من الله عز وجل، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما

القدم الشريف تُدمي، والصاحب الوَفيُّ يحمي، ويد الظلم ألجأت سيد العالمين إلى حائط (بستان) لعتبة وشيبة ابني ربيعة فرجعوا عنه، وجلس الحبيب ﷺ إلى ظل حُبْلَة يلملم الجراح، يضرع إلى المولى بالدعاء المشهور: “‏اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِى، وقلة حيلتى، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُنى!؟‏ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِى‏!؟‏ أم إلى عدو ملكته أمري!؟‏ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك‏”‏‏.

إنه قلب سيِّد الدعاة وأسوتِهم، هدايةُ الناس تحتاج إلى قلبٍ كبيرٍ، وصدرٍ رحيم، يدفع بالتي هي أحسن، ويرجو حسن المآل للجميع إلّا من أبى. لا يعرف اليأسُ إلى قلبه سبيلا، ولا يجد المللُ إلى حركته مسلكا، يقينُه لا يتزعزعُ، وصدقه لا ينخرم.

… ويفتح الله قلب النصراني عداس لنور الحق بعد أن سمع الله يذكر قبل الأكل من في الرسول الكريم ﷺ: “إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد” فقال له ﷺ:‏ “‏من أي البلاد أنت‏؟‏ وما دينك‏؟‏ قال‏:‏ أنا نصراني من أهل نِينَوَى‏.‏ فقال رسول الله ﷺ:‏ من قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى”‏‏.‏ قال له‏:‏ وما يدريك ما يونس بن متى‏؟‏ قال رسول الله ﷺ:‏ ‏”‏ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي‏”، فأكبَّ عداسٌ على رأس رسول الله ﷺ ويديه ورجليه يقبلها‏.‏..

ثم رجع رسول الله ﷺ في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيبًا محزونًا كسير القلب، صابرا محتسبا، يرجو للناس الفلاح، ويعاملونه بالقسوة والجفاء، فلما بلغ “قرن المنازل” بعث الله إليه جبريل عليه السلام ومعه ملَك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة‏، سألته عائشة رضي الله عنها ذات يوم: “هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد‏؟‏” قال عليه السلام‏: “‏لقيت من قومكِ ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة… فانطلقت، وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب، (وهو المسمى بقَرْنِ المنازل)، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال‏:‏ إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم‏.‏ فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال‏: ‏”يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ـ أي لفعلت، والأخشبان‏:‏ هما جبلا مكة‏:‏ أبو قُبَيْس والذي يقابله، وهو قُعَيْقِعَان ـ قال النبي ﷺ:‏ بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا‏”‏‏…

لكن المصطفى الرحيم توجه بالدعاء إلى رب السماوات والأرض أن يُخرج من أصلابهم من يوحد الله تعالى ويعبده ولا يعبدُ سِواه، ذلك هو رجاءُ كل داعية قاصد ممتد في الزمان إلى يوم القيامة.

ومن العجيب المُشاهَد من خلال ثبات أهل غزة في محنتهم  عشرات الناس يدخلون في الإسلام بما رأوه من رضا ثلة من الناس مستضعفة رغم الأذى العظيم، ومن ثبات رغم الإرهاب الجسيم، توج ذلك النموذج حسنا وبهاء الأخلاق العالية والمعاملة السامية للأسرى من قبل المجاهدين.

لكل صبر ثواب وثواب الصابر الكامل ﷺ الرحلة العظيمة ليلة الإسراء والمعراج

نعم كانت الرحلة العظيمة ليلة الإسراء والمعراج، وكأني بالعناية الرحموتية تقول: يا أيها النبي الكريم، إذا حاصرك قوُمك وأنت تريد لهم الهداية، وقَلاَك أهلُك وأنت تريد لهم النجاة، فتعالى إلى السماوات العلى، لترى من آيات ربك الكبرى، ولتسمو في مقامات القرب العظيمة، فإنَّ هناك عطايا تنتظرك، ولمن تبعك ممن يشتغلون بدعوة الناس للخير مزايا ومطايا.

إنهم الدعاة الفعلة، إذا كَلُّوا لم يملّوا، وإذا حزبتهم الهموم فزعوا إلى الصلاة، حيث المناجاة واستمداد العون من الباري، إنها الهداية الربانية من المولى الكريم وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوٰةِۖ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ اِلَّا عَلَي اَ۬لْخَٰشِعِينَ (سورة البقرة، آية 44).

من سويْداء القلبِ النَّبوي الشريف، وبلسانه الصَّادق تصاعدت صلواتُ المناجاة إلى الربِّ الرحيم في شأن هذه الأمة، تضَرُّعات “أعوذ بنورِ وجهِك الذي أشرقَت له الظُّلمات، وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبَك، أو يحِلَّ علي سَخَطُك”. وتعالت مناجاة: “لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”. فكانت الرحمة الإلهية، والعناية الربانية مجسدة في حادثة الإسراء، ليلة الضيافة الربانية.

ليلة تعلم الوضوء… ليلة زيارة بيت المقدس… ليلة إمامة الأنبياء عليهم السلام في الصلاة… ليلة العروج إلى السماوات العلا… ليلة الهدية الربانية للحبيب المصطفى ﷺ ولأمته.

فيا أيها الدعاة المصلحون! من غزة وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين. ويا أيها الشباب الطاهرون! يا أمل الأمة ومستقبل الناس أجمعين:

إذا تكاثرت عليك الهُموم، وأثقلتْك مهَمَّات الدعوة، وكِدت تستلم لليأْس من استجابة الناس، فتذكر الحبيب ﷺ الذي أوذِيَ فصَبر، وظُلم فصابر، يرجو الرحمة لأمته، ويتحمل الأذى في سبيل الله، فتأتيك البشارة والفرَجُ، إذ ما كان للمولى أن يكِل عباده الصَّادقين لأنفسهم، بل يرعاهم ويؤويهم، ويزيدهم من فضله. أَلَيْسَ اَ۬للَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالذِينَ مِن دُونِهِۦۖ وَمَنْ يُّضْلِلِ اِ۬للَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنْ هَادٖۖ وَمَنْ يَّهْدِ اِ۬للَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّضِلٍّۖ اَلَيْسَ اَ۬للَّهُ بِعَزِيزٖ ذِے اِ۪نتِقَامٖۖ (الزمر آية 35).

فسبحانه الكريم، يسري بعبده المحبوب إلى السماوات العلى، ويُهديه الهَدية العظمى الصلاة… الصلاة عماد الدين.

“إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرُهم، فقال آخرهم: خُذوا خيرَهم، فكانت تلك اللَّيلةُ، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى … فلم يكلِّموه حتى احتملوه فوضَعُوه عند بئر زمزم، فتولاَّه منهم جبريل، فشَقَّ جبريل ما بين نحْره إلى لبَّته حتى فرغ من صدْره وجوْفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفَه، ثم أتي بطَسْت من ذهب فيه توْر من ذهب، محشُوا إيماناً وحكمةً، فحشا به صدرَه ولغَاديده (يعني عروق حلقه)، ثم أطبقه. ثم عرَج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد. قالوا: وقد بُعث إليه؟ قال: نعَم. قالوا: مرحباً به وأهلا به، يستبشِر به أهلُ السماء لا يعلم أهلُ السَّماء بما يريد الله به في الأرض حتى يُعلِمهم.

ثم انطلق القلبُ الطاهر في معارج السماء إلى الهَدِّية الكبرى له ولأمته ﷺ ووجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه، ورد عليه آدم فقال: مرحبا وأهلا بابني، نِعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: “ما هذان النهران يا جبريل؟” قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر فقال: “ما هذا يا جبريل؟” قال: هذا الكوثر الذي خبأ لكَ ربُّك.

ثم عرج إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبا وأهلا وسهلا… كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، وفي السابعة بتفضيل كلام الله. فقال موسى: “رب لم أظن أن يرفع علي أحد …”.

إمامة الحبيب المصطفى ﷺ الأنبياء شرف عظيم وإمامة أمته الناس تكليف جسيم

ثم علا به فوق ذلك، بما لا يعلمه إلا الله، عز وجل، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إليه فيما يوحي خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة. ثم هبط به حتى بلغ موسى فاحتبَسه موسى فقال:  يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟” قال: “عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة”، قال: “إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم”  فالتفت النبي ﷺ إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أنْ نعَم، إن شئت. فعلا به إلى الجبار تعالى، فقال وهو في مكانه: “يا رب، خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا” فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبَسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات. ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: “يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعُفوا فتركوه، فأمتُك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك: “كلُ ذلك يلتفت النبي ﷺ إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: “يا رب، إن أمتي ضعفاءُ أجسادُهم وقلوبُهم وأسماعُهم وأبدانُهم فخفِّف عنا” فقال الجبَّار: “يا محمد، قال: “لبَّيك وسعديك”، قال: إنه لا يبَدَّل القولُ لدي، كما فرضْت عليك في أمِّ الكتاب: “كل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك”، فرجع إلى موسى فقال: “كيف فعلت؟” فقال: “خففَ عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها” قال: موسى: “قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتَركوه، فارجع إلى ربِّك فليخفف عنك أيضا”، قال الرسول ﷺ: “يا موسى قد، والله، استحييت من ربِّي مما أختلف إليه” قال: “فاهبط باسم الله”، فاستيقظَ وهو في المسجِد الحرام”.

ما حياة المومن إلا صلاة بعد صلاة، وبينهما سعي وصلاح، سعي في الأرض لعمارتها، وبين الناس لهدايتهم، حتى إذا نادى المنادي: “حي على الصلاة، حي على الفلاح” عرجتَ من واقعك المحيط بك إلى حضرة القرب من المولى، وأنت تستحضر  ما تعرض له رسول الله ﷺ من أذى، ثم استضَافه الكريم في حضرته، ثم تعود كما عاد ﷺ، قويا أمينا داعيا سراجاً منيرا.

تتجددُ فيك الحياةُ الإيمانية، وتسمو بك الخصالُ النبوية، خصالُ: “صلوا كما رأيتموني أصلي” لتعود تمشي في الناس بنُور من الصَّبر واليقين، فإذا صلاتُك منبع للخيرات، ومزرعةُ للفضائل، ومرقاةٌ في مدارج الإيمان، ومعارجِ الإحسان، تنهلُ من طُهورها وتلاوتها، وقيامِها وقُعودها، وركوعها وسجودها، صفاءً ونقاءً، ويقيناً وإقداماً، وقوةً وعزماً.

تتجدد فيك الحياة الإيمانيةُ وأنت على وعي عميقٍ، وإدراك وثيقٍ، أن إعادة إبرام عروة الصلاةِ مدخلٌ أساسٌ لإبرام عُرى الإسلام من جديد:

“لَتُنتَقَضَنَّ عُرى الإسلامِ عُروةً عُروةً، فكُلَّما انتَقَضَت عُروةٌ تَشَبَّث النَّاسُ بالتي تليها، فأَوَّلُهنَّ نَقضًا الحُكمُ، وآخِرُهنَّ الصَّلاةُ” (رواه أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير، وابن حبان في صحيحه رحمهم الله تعالى).

وإن بناء الدين من جديد إنما يبدأ بإعادة ما انفرط منه وأوله الصلاة.. فلتكن هذه البداية للرجوع إلى الصلاة معراج الصادقين.