هذا خلق الله

Cover Image for هذا خلق الله
نشر بتاريخ

بقلم: الدكتور محمد بن مسعود، أستاذ التعليم العالي لمادة الفيزياء

الله سبحانه يتجلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى في كونه الفسيح. مناديا: هذا خلق الله، فأروني ماذا خلق الذين من دونه
###############


حملت الصور الملونة، التي نشرتها وكالة نازا في الولايات المتحدة، لأعمق نقطة في الكون، والتي التقطت بتليسكوب “جميس ويب” المتطور والمستعمل للأشعة تحت الحمراء، حقائق علمية جديدة. وهي بالتأكيد كما هو شأن نتائج البحث العلمي ستؤكد حقائق نسبية، وتضحد احتمالات وافتراضات علمية أخرى. كما أنها ستؤسس لأعمال بحثية جديدة. إنها مسيرة متواصلة للبحث العلمي الكوني، انطلقت مع الانسان ، وتتطور بتطور معرفته عن النواميس والقوانين الكونية.
ولقد أسهمت حضارات سابقة في تأسيس علم الفلك كما باقي العلوم، وأخذ المسلمون زمن قيادتهم للعالم المشعل بمسؤولية، وأسهموا في التأسيس العلمي له، وسلموا المشعل للغرب، في ظل تعاقب الأمم، وهو اليوم في انتقال نحو الشرق مرة أخرى.
لقد أثارت هذه الصور نقاشات، حول نظرية الخلق، وأصل الكون، وحتمية وجود الخالق سبحانه وتعالى، وهي أسئلة وجودية عقدية عند المؤمنين بالوحي والغيب، وأسئلة وجودية فلسفية محيرة عند غيرهم من العقلانيين الملحدين.
إن العلوم الكونية بطبيعتها وظيفية، ومن وظائفها، أقول “من وليس كل”، الاستدلال العقلي القلبي على عظمة الخالق سبحانه وتعالى وقدرته وقوته وعلمه وحكمته وسائر أسمائه الحسنى وصفاته العلى. وهذا الإعمال القلبي لا يتناقض في الإسلام مع الإعمال العقلي ونتائجه البحثية الدقيقة، بل يدعوا إليه ويشجعه، ويعتبره تعبدا تفكريا مؤسسا ومكملا للتفكير العقلي.
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سورة آل عمران، الآية 191.
ثم هي نقاشات مبهرة ومحيرة للعقل المعجب بنفسه وبإنجازاته العلومية “المقدسة”، الذي لا يرى عظمة للخالق سبحانه، الذي لا يؤمن به رفضا. وإنما يكتفي بوصف دقة متناهية وعظمة كبيرة للطبيعة، و إبداع خارق للصدفة، وتعالي كبير لآلية البحث ووسائله ومنهجيته… مسكين هذا العقل الملحد الأعمى المحجوب عن الرؤية الساطعة.
إن الله سبحانه يتجلى بأسمائه وصفاته في كونه ليدل الناس عليه، فيعبدوه بالشعائر التعبدية، كما بعمارة الأرض علما وقوة وعدلا وحرية واحتراما لكرامة الإنسان وحفظا للبيئة… استعدادا للقائه والرجوع إليه بعد الموت. ولكن القلوب مغلفة مغلقةْ آنى لها أن ترى؟!!
يقول لنا الباحث “العقلاني” إن الصور تؤكد نظرية الانفجار العظيم الذي تحولت معه في لحظة ما قبل ما يقرب من 14 مليار سنة ( 13.8 مليار سنة) الطاقة إلى مادة. وأن الكون يتمدد منذ ذلك الحين، وأن الكون يشتغل بنظام دقيق للحركية والتوازن التجاذبي، وأن ثمة تحولات وتفاعلات كيميائية وفيزيائية، وأن ثمة عدد هائل من المجرات وملايير الكواكب والنجوم والسديم والغبار الكوني، وولادة للنجوم وموت لها، وأن ثمة مسافات ضوئية وقوانين وقياسات دقيقة، وأن قدرتنا على الإحاطة الشاملة بالكون لا زالت بعيدة جدا جدا. ويقف العقل المكتشف العلومي الملحد “المتأله” مشدوها عند “المبتدأ العلومي” دون أن يكلف نفسه أن يجيب عن سؤال “الخبر الإيماني”: من أنا ؟ ومن أين جئت ؟ وإلى أين أسير؟ ولماذا أنا هنا؟
“لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم”.