نعمة الولد

Cover Image for نعمة الولد
نشر بتاريخ

تكرم الله جل وعلا على عباده بنعم لا حصر لها ولا عد وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، ومن بين هذه النعم الوفيرة والعطايا الكثيرة نعمة الولد، والتي هي بلا شك من أجل وأعظم النعم بعد نعمة الإسلام والإيمان، والتي لايدرك قيمتها وقدرها إلا من حرمها، لهذا فقد علمنا الله عز وجل الفرح بها والاستبشار بقدومها وأمرنا بضرورة تقديرها والحفاظ عليها وحسن رعايتها.

الفطرة الإنسانية في حب الولد

اقتضت فطرة الله عز وجل في خلقه أن يودع في قلوب عباده عاطفة جياشة وشعورا نفسيا قويا نحو الأولاد، وجبلتهم على محبتهم والرأفة بهم وحسن رعايتهم وبذل الغالي والنفيس من أجلهم.

“من المعلوم بداهة أن قلب الأبوين مفطور على محبة الولد ومتأصل بالمشاعر النفسية والعواطف الأبوية لحمايته والرحمة به والشفقة عليه والاهتمام بأمره، ولولا ذلك لانقرض النوع الإنساني من الأرض ولما صبر الأبوان على رعاية أولادهما ولما قاما بكفالتهم وتربيتهم والسهر على أمرهم والنظر في مصالحهم” (الدكتور عبد الله علوان).

ولله در الشاعر حين قال:

ولولا بنيات كزغب القطا ** حططن من بعض إلى بعض
لكان لي مضطرب واسع ** في الأرض ذات الطول والعرض
وإنما أولادنا بيننا ** أكبادنا تمشي على الأرض
لو هب الريح على بعضهم ** لامتنعت عيني عن الغمض

الولد هبة الله وخلقه

يقول الحق سبحانه في محكم تنزيله: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى 49-50].
الولد هبة ربانية ومدد إلهي يمد الله به من يشاء من عباده، وهكذا صور لنا الحق سبحانه هذه النعمة العظيمة في قوله عز وجل: ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَٰكُم بِأَمْوَٰلٍۢ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا [الإسراء 6].
لقد جعل الله عز وجل الولد زينة الحياة بل قرة العين وثمرة الفؤاد، حيث قال الله تعالى: وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍۢ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان، 74].

الولد أمانة ومسؤولية

إذا كان الولد هبة الله وخلقه ونعمة عظيمة تستوجب الشكر، فإنه أيضا عمل الإنسان ومسؤوليته وأمانة عظيمة ملقاة على عاتقه.

يقول الإمام المجدد رحمه الله وهو يستخلص العبر والرسائل من الحديث الشريف: “إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” (رواه مسلم).

“أول علم نستفيده من هذا الحديث الكريم هو أن الولد من عمل الإنسان، الولد خلق الله وعمل الإنسان .. إذا استقر لدينا والحديث دليل قاطع أن الذرية -صالحة أو فاسدة- هي من عمل الإنسان، لا ينفي كونها خلقا لله كونها عملا للإنسان، فقد توجه أمامنا عظم مسؤولية الإنسان عن ذريته تصلح إن أصلحها، وتفسد إن أساء تنشئتها. فيترتب على هذا المنطق المستنير بنور الوحي ونور التوجيه النبوي المسؤولية البشرية عن صلاح الأجيال وفسادها” [1].
إن هذه المسؤولية والأمانة العظيمة تقتضي أول ما تقتضي الحفاظ التام عليها، والحرص على فطرتها الصافية النقية بالتربية الحسنة والتنشئة الإيمانية والاهتمام والعناية الضرورية حتى يكون هذا العمل/الولد صالحا يسعى لخدمة دينه وأمته.


[1] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 2، ط 2018/1، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، ص 193.