تَاهَ الْفُؤَادُ وَطَاشَ الْحِلْمُ وَالرَّشَدُ
وَانْهَدَّ مِمَّا دَهَانِي الرُّكْنُ وَالْبَلَدُ
فَقْدُ الْحَبِيبِ أَمَاطَ الْجِلْدَ عَنْ جَلَدِي
وَلَيْسَ يَثْبُتُ فِي مَا هَدَّنِي جَلَدُ
وَكَمْ طَوَيْتُ شُوَاظَ الْهَوْلِ فِي كَبِدِي
هُوَ الصَّبُورُ عَلَى الْأَهْوَالِ وَالسَّنَدُ
لَكِنَّ كَرْبيَ فِي حِبِّي بَرَى سَنَدِي
حَتَّى تَرَجَّلَ عَنْ صَهْوَاتِهِ الْكَبِدُ
يَا أَيُّهَا الْقَدَرُ الْقَهَّارُ خُذْ بِيَدِي
وَمَا لِمَحْضِ سَرَابٍ إِنْ قَلَيْتَ يَدُ
قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الدَّهْرَ يَلْطُفُ بِي
أَوْ أَنَّ مَرَّ ثَلاَثٍ لِلنُّهَى وَتَدُ
حَتَّى ارْتَهَنْتُ لِوَجْدٍ لَيْسَ ذَا صِفَةٍ
وَلَيْسَ يُدْرِكُ خَالِي الْبَالِ مَا أَجِدُ
وَقُلْتُ يَلْبَثُ حَوْلاً ثُمَّ يَسْأَمُنِي
لَكِنْ وَجَدْتُ لَهِيبِي مَا لَهُ أَمَدُ
وَكَمْ رَجَوْتُ شِفَاءً قَبْلَ كُلِّ غَدٍ
فَصَارَ يَفْلِتُ مِنِّي فِي الرَّجَاءِ غَدُ
وَمَنْ يَعُدُّ رَزَايَا الْعُمْرِ يَحْسُبُهَا
فَإِنَّ رُزْئِيَ فَرْداً مَا لَهُ عَدَدُ
عَبْدُ السَّلاَمِ مَضَى فِي خُلْدِهِ وَسَلاَ
وَمَا اسْتَفَادَ سُلُوّاً بَعْدَهُ الْخَلَدُ
إِنِّي فَقَدْتُ بِهِ مَا قَامَ مِنْ عَضُدِي
فَلَيْسَ يَنْهَضُ مِنِّي دُونَهُ الْعَضُدُ
كَأَنَّ بَأْسِيَ فِي الْفُقْدَانِ يَرْجَحُ مَا
قَاسَى الْبَرِيَّةُ مِنْ بَأْسٍ وَمَا فَقَدُوا
طَفِقْتُ أُشْهِدُ رُوحِي بَرْزَخاً جَلَلاً
يُطْوَى لَدَيْهِ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَالْوَلَدُ
وَقَفْتُ أَشْهَدُ مِنِّي صُحْبَةً رَسَخَتْ
أَهْدَى إِلَيَّ هُدَاهَا الْوَاهِبُ الصَّمَدُ
فَكَانَ أَعْجَبُ شَيْءٍ أَنَّنِي يَقِظٌ
حَيٌّ أُعَالِجُ مَا أَوْدَى بِهِ الْكَمَدُ
صَاحِي الْفُؤَادِ مَكِينُ الرَّأْيِ مُتَّئِدٌ
ثَبْتُ الْجَنَانِ وَمَنْ فِي الْكَرْبِ يَتَّئِدُ؟
وَمَا الْعَجِيبُ وَيَاسِينُ الْإِمَامُ لَهُ
عِنْدَ الْمُحِبِّينَ رُشْدٌ بَاتَ يَطَّرِدُ؟
وَمَنْ بِهِ اجْتَمَعَ الْبَحْرَانِ حُقَّ لَهُ
أَنْ يَسْتَقِيمَ بِمِنْهَاجٍ لَهُ الْأَوَدُ
فَمَا تَنَاثَرَ فِي الْخَالِينَ حِيزَ لَهُ
حَتَّى يُجَدِّدَ مَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُ
وَالْجَمْعُ بَيْنَ سَنَا الْبَحْرَيْنِ مُذْ فُتِقَا
أَعْيَى مَنِ ابْتَدَرُوا لِلرَّتْقِ وَاجْتَهَدُوا
وَالنَّيِّرَانِ أَصَابَ الْحِبُّ رَتْقَهُمَا
مِنْ بَعْدِ مَا انْفَلَقَا وَانْحَلَّتِ الْعُقَدُ
فَالْعَدْلُ زَيْنُ ذَوِي الْقُسْطَاسِ مَا وَزَنُوا
وَيَرْتَقِي بِهِمُ الْإِحْسَانُ مَا سَجَدُوا
هُمَا عِمَادَانِ فِي عُمْرَانِهِ اطَّرَدَا
كَالرِّجْلِ تَعْقُبُ أُخْرَاهَا وَتَطَّرِدُ
وَكَيْفَ يَنْبُتُ عَدْلٌ وَالْقُلُوبُ هَبَا؟
وَكَيْفَ يُشْرِقُ إِحْسَانٌ وَلاَ عَمَدُ؟
هِيَ السَّمَاءُ تُظِلُّ الْأَرْضَ رَاضِيَةً
لِكَيْ تُقِلَّ سَمَاءً أَرْضُ مَنْ سَعِدُوا
إِنَّ الْمُجَدِّدَ إِنْ وَافَى عَلَى قَدَرٍ
زُفَّتْ إِلَيْهِ مَفَاتِيحُ الْهُدَى الْجُدُدُ
حَتَّى يُبَشِّرَ غَرْقَى فِي الْقُنُوطِ إِذَا
ظَنُّوا الْقُنُوطَ قَضَاءَ اللهِ وَاعْتَقَدُوا
لَمَّا تَطَاوَلَ عُقْمُ الْغَيْمِ لَمْ يَجِدُوا
بُدّاً مِنَ الظَّنِّ أَنَّ الْغَيْبَ لاَ يَلِدُ
إِنِّي شَهِدْتُ عُرَى التَّجْدِيدِ شَاخِصَةً
عِنْدَ الْإِمَامِ وَلاَ يُنْبِي كَمَنْ شَهِدُوا
شَهِدْتُ طَوْدَ جِهَادٍ بِالْيَقِينِ سَمَا
عِنْدَ الشِّدَادِ عَلَى مَوْلاَهُ يَعْتَمِدُ
شَهِدْتُ فَجْرَ يَقِينٍ بِالْجِهَادِ يُضِي
عِنْدَ الْحَوَالِكِ يُسْتَجْلَى بِهِ الْمَدَدُ
قَدْ كَانَ يَرْفُقُ فِي لِينٍ وَيَرْهَبُهُ
مَنْ فِي الْعُلُوِّ عَلَى طُغْيَانِهِمْ مَرَدُوا
وَأَعْبَدُ الْخَلْقِ فِي الرُّهْبَانِ إِنْ نَسَكُوا
وَإِنْ تَقَدَّمَ فِي فُرْسَانِهِمْ أَسَدُ
إِنَّ الْجِهَادَ عَلَى الْإِخْبَاتِ مَوْهِبَةٌ
خُصَّ الرِّجَالُ بِهَا وَاللهُ مُلْتَحَدُ
فَإِنْ سَلِمْتُ وَشَبَّ ﭐلْبِشْرُ فِي كَبِدِي
وَانْزَاحَ فِي وَلَعِي عَنْ مُقْلَتِي الرَّمَدُ
فَإِنَّ مَعْدِنَ رُشْدِي مُرْشِدٌ عَلَمٌ
رُوحٌ يُرَفْرِفُ لاَ سَدٌّ وَلاَ لَحَدُ
وَإِنْ عَرَانِيَ طَيْفٌ لَجَّ فِي حَزَنٍ
وَصِرْتُ مِنْهُ بِحَرِّ الْغَمِّ أُفْتَأَدُ
فَإِنَّ رَوْعَةَ مَحْبُوبِي وَخَفْقَتَهُ
يَفْنَى لِزَوْرَتَهِنَّ اللُّبُّ وَالْجَسَدُ
عَبْدَ السَّلاَمِ نَشِيدَ الْعِزِّ مَعْذِرَةً
مِمَّا هَذَيْتُ فَإِنَّ الْقَلْبَ يَتَّقِدُ
لَكِنَّ لِي أَمَلاً فِي حِفْظِ عَهْدِكُمُ
بَيْنَ الَّذِينَ أَبَرُّوا اللهَ مَا عَهِدُوا
فَأَبْذُلَ النَّفْسَ إِخْلاَداً لِصِدْقِهِمُ
وَأَلْزَمَ الْوَفْدَ فِي خَيْرٍ إِذَا وَفَدُوا
وَلِي رَجَاءُ طَرِيحٍ مُشْفِقٍ وَلِهٍ
إِذَا الْعِبَادُ عَلَى مَوْلاَهُمُ وَرَدُوا
أَنْ يُفْتَدَى زَلَلِي فِي صُحْبَةٍ شَرُفَتْ
وَيَغْسِلَ الذَّنْبَ مِنِّي الثَّلْجُ وَالْبَرَدُ
وَأَنْ تُزَفَّ لِمَصْحُوبِي بِشَارَتُهُ
زَفَّ الرَّبِيعِ إِذَا مَا ازَّيَّنَتْ نُجُدُ