منطلقات إصلاح مدونة الأسرة.. قراءة في رؤية العدل والإحسان

Cover Image for منطلقات إصلاح مدونة الأسرة.. قراءة في رؤية العدل والإحسان
نشر بتاريخ

تجدّد النقاش حول ضرورة إصلاح مدونة الأسرة بالمغرب لدواعي دولية ووطنية تحكّمت في سياق هذه الضرورة 1. ومساهمة منها إلى جانب باقي المساهمات للدفع نحو إصلاح حقيقي شامل، يكون منطلقه إصلاح أحوال الأسرة، أصدرت جماعة العدل والإحسان وثيقة مهمة بتاريخ الأربعاء 29 نونبر 2023م عنونتها بعنوان: “مدونة الأسرة: منطلقات مؤسِّسة ”أبرزت من خلالها رؤيتها لهذا الإصلاح من خلال بسط منطلقاته، وتعداد شروط نجاح تعديل مدونة الأسرة 2.

وقد جاءت هذه الوثيقة لتفصيل ما أجمله بيان مجلس إرشاد الجماعة الذي صدر بتاريخ 04 أكتوبر 2023 3 الذي أكدت فيه الجماعة أنها “مع إصلاح وطني توافقي لمدونة الأسرة، غير متناقض مع الثوابت الدينية في شرعنا الإسلامي الحنيف، ويدار بشكل ديمقراطي ويخضع لنقاش مجتمعي وعمومي شفاف ومسؤول”.

وسنحاول في هذه الورقة استعراض أهم المنطلقات المؤسِّسة لرؤية العدل والإحسان لإصلاح وتعديل مدونة الأسرة بالمغرب؛ من خلال مقدمات لنجاح نقاش جدي ومثمر يفضي إلى إصلاح فعّال، واعتمادا على ثلاثة منطلقات أساسية لهذا الإصلاح.

مقدمات في النقاش حول إصلاح مدونة الأسرة

1. عقبات أمام النقاش السليم

إن التركيبة الحالية لمجتمعاتنا وتعدد المنطلقات والرؤى حول جملة من القضايا الوطنية والإقليمية والدولية، تجعل أي نقاش مجتمعي يعيش تقاطبا وتباينا في المنظور والآفاق والتصورات، وتعترضه عدة عقبات تحول دون الوصول إلى نقط التلاقي والتفاهم، والبقاء في دائرة المُختلف فيه والجدال العقيم غير المجدي.

ومن أهم العقبات التي تعترض نقاش تعديل مدونة الأسرة بالمغرب حسب وثيقة الجماعة:

· عقبة المرجعية: على اعتبار أن المرجعية هي خلفية ثابتة توجه الأفكار والمواقف والقرارات، وبحكم الاختلاف في مرجعية الفاعلين المتدخلين في ورش إصلاح مدونة الأسرة؛ تظهر هذه المرجعية عقبة أساسية في تقدم الحوار إن لم يكن هناك نقاش هادئ حولها.

· عقبة اللغة والمفاهيم: إذ تُعدُّ اللغة والمفاهيم بمثابة آليات للبيان والتبيين والإقناع، وغياب الحد الأدنى من التوافق حول المفاهيم خاصة في مواضيع الأسرة والحقوق والحريات سيُحوِّل النقاش إلى معارك كلامية مستعرة بمفاهيم متناقضة.

2. آليات التجاوز

إن تجاوز هاتين العقبتين يتطلب حسب تصور العدل والإحسان إعمال أربع آليات أساسية لتدبير الاختلاف مع الآخر:

· الآلية الأولى: بذل مجهود لفهم دوافع الآخر المُختلَف معه، والخلفيات المتحكمة في نسقه الفكري.

· الآلية الثانية: عدم الانزلاق في دروب الألفاظ والتوحل في مستنقع الخلط بين معرفة الوحي ومعرفة البشر.

· الآلية الثالثة: التمسك بالمرجعية الإسلامية ولغة القرآن باعتبارهما منطلقا من شأنه أن يكسبنا وضوح الرؤية وثبات الخطى وسلامة التقدير.

· الآلية الرابعة: الإيمان بأن الاختلاف هو آية من آيات الله في الكون. والانفتاح على الآخر خاصة من أصحاب الفكر المادي والتدافع معه فكريا يمكننا من جهة من سد نواقصه الروحية، ونتدارك من جهة أخرى نواقصنا المادية التي أجهز عليها الاستبداد لقرون.

3. وسائل إنضاج النقاش الجدي

ويقتضي تجاوز تلك العقبتين وإعمال تلك الآليات الاسترشاد بجُملة من الوسائل، أو قل شروط نجاح النقاش العمومي حول تعديل قانون بالأهمية بمكان، من قبيل مدونة الأسرة التي تعد حقلا للصراع ينبغي الدفع به ليكون حقلا للتفاعل والتلاقح بين مختلف التصورات والرؤى لإنضاج رؤية تراعي مرجعية الأمة، دون الانغلاق عن مستجدات العصر وإيجابيات مرجعيات حقوق الإنسان.

وقد رسمت وثيقة الجماعة ثلاث صوى يتطلبها نقاش مدونة الأسرة اليوم بالمغرب وهي:

· الوضوح.

· الجرأة.

· المسؤولية.

4. محاذير لتحصين النقاش

وبالمقابل نبّهت وثيقة العدل والإحسان إلى محاذير ينبغي تجاوزها من كل الفاعلين والتي من شأنها أن تفجِّر النقاش قبل بدايته. وهذه المحاذير عدتها الجماعة في ثلاثة وهي:

· الانغلاق.

· التعصب.

· الإقصاء.

وبعد هذه المقدمات الأساسية التي بسطت من خلالها العدل والإحسان بساط الحوار مع الجميع، انتقلت وثيقة الجماعة إلى عرض ثلاثة منطلقات اعتبرتها مؤسِّسة لإصلاح عميق وشامل لمدونة الأسرة بالمغرب.

أولا: المرجعية الإسلامية.. مرجعية محصِّنة

1. أهمية المرجعية الإسلامية في ورش الإصلاح

انطلقت الوثيقة في تأكيد أهمية المرجعية الإسلامية من محددات عامة، ومن مكانة هذه المرجعية من النص الدستوري، لتسائل على ضوء ذلك الجهة المكلفة رسميا بالإصلاح ومدى قدرتها على الاجتهاد في قضية مصيرية للشعب المغربي.

· محددات عامة

اعتبرت وثيقة العدل والإحسان أن المرجعية الإسلامية ليست مجرد مرجعية من المرجعيات المتنافسة في حقل تعديل مدونة الأسرة، وليست مجرد منطلق للتقارب والتفاهم مع الأغيار. بل عدتها الوثيقة حجر الزاوية في نجاح الإصلاح انطلاقا من عدة محددات ومنها أنها تشكل:

– القاسم المشترك بين كل الفاعلين في البلد.

– المنطلق المُؤسِّس لأي إصلاح يستهدف مجتمعا مسلما.

– المسلَّمة التي لا يُتصوَّر نجاح أي نقاش عمومي حول تعديل المدونة خارج دائرتها.

– الثابت الذي تدور حوله كل المتغيرات.

– الحَكَم الذي نلجأ إلى مقاصده عند تعدد الآراء واختلافها.

· الأهمية الدستورية والتشريعية للمرجعية الإسلامية

على اعتبار أن الدستور هو القانون الأسمى في الدولة، والذي يتضمن المبادئ الكبرى وأسس النظام السياسي، فقد عملت وثيقة الجماعة على إبراز مكانة المرجعية الإسلامية في النص الدستوري المغربي انطلاقا من دستور 2011 الذي أكد بشكل واضح وصريح على سمو الشريعة على غيرها من المصادر بما في ذلك الاتفاقيات الدولية من خلال عدة فصول منها أن “الإسلام دين الدولة” 4 و”أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها” 5 مؤكدا على “جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية” 6.

وانطلاقا من هذه المكانة الدستورية للمرجعية الإسلامية فإنها من البديهي أن تعمل منظومة التشريع، والحالة هنا هي تشريعات الأسرة، “التي أحال عليها الشارع الحكيم، على ترقية فهم النصوص، وتحقيق المقاصد المعتبرة، وفتح آفاق التدين المستبصر الواعي، والتبشير بهدايات الرسالة الربانية الخاتمة في بناء الإنسان وعمارة الأرض. كما أن التزام المرجعية الإسلامية يعني السعي لإقامة حكم عادل يستهدي بقيم الوحي وأخلاق الإسلام، ويلتزم بقطعيات الشريعة التي لا تقبل التأويل، ويسعى لتحقيق المقاصد والمصالح المعتبرة في ديننا”.

· أسئلة مقلقة حول الجهة المكلفة بورش الإصلاح

وانطلاقا من المحددات السابقة، ومن المكانة الاعتبارية للمرجعية الإسلامية في الدستور المغربي، وكذا خصوصية مجال الأحوال الشخصية وطبيعة أحكامه المؤطرة ابتداء والخاضعة أساسا للنص الديني، والذي له خصوصيات على مستوى الفهم والتفسير والتأويل والاجتهاد، تساءلت وثيقة الجماعة عن المعايير التي كانت وراء اختيار الجهة التي خُوِّلت لها مهمة فتح ورش الإصلاح بعيدا عن الآراء الشخصية والأهواء الفردية.

ومن جملة الشروط المطلوبة المفقودة في لجنة الإصلاح المكلفة حسب رؤية الجماعة:

– التمكن من العلوم الشرعية بمختلف تخصصاتها.

– الانفتاح على مختلف العلوم الكونية.

– دراية بفقه الواقع وإكراهاته.

– التمكن من أدوات الاجتهاد.

– التحلي بالموضوعية.

– القدرة على الترجيح بين المصالح والمفاسد.

2. محددات المرجعية الإسلامية في بناء إصلاح عميق

إن الانطلاق من المرجعية الإسلامية سيمكننا، بحسب ذات الوثيقة، من “إعادة قراءة النصوص وتمحيص التجارب بما يتماشى مع فقه المرحلة، وبما يحفظ الأصول والقواعد الكلية التي تؤسس للحياة الكريمة، وتضمن سلامة الترجيح والتطبيق، وتؤكد على الصورة السمحة لرسالة الإسلام”.

والمرجعية الإسلامية متفوقة في هذا الصدد على أي مرجعية أخرى بأصلها الرباني، ما يجعلها متميزة عن غيرها بمجموعة من المحددات ومنها:

– أنها ليست قوالب جاهزة للتطبيق بقدر ما هي أسس ومبادئ تحتاج إلى اجتهادات دائمة ومطردة. إضافة إلى مبادئها الأصيلة من قبيل مبدأ الشورى ومحاسنه الكبرى.

– أن المرجعية الإسلامية رؤية تستهدي بتجارب البشرية الراشدة شريطة ألا تتعارض أو تتصادم مع أصول ديننا وقطعياته.

– هي مرجعية ترسم آفاق مشروع النهوض للعدالة الاجتماعية، وتنحاز إلى مبدأ استقلالية القضاء العادل النزيه، والتأسيس لهيبة دولة المؤسسات والحقوق والمواطنة.

– تروم ترجمة قيم الشورى والديموقراطية والحق والعدل والرحمة والإحسان إلى مفاهيم ومناهج وسلوكيات تربوية، ونظم وتشريعات قانونية.

– المرجعية الإسلامية هي دعوة إلى الإسلام الشامل كما أبانت عنه التجربة النبوية والخلافة الراشدة، وليس كما قدمه ويقدمه تاريخ المسلمين الذي عرف انحرافات في نظام الحكم، الأمر الذي كان له الأثر البليغ في انحباس الفقه وحصر باب الاجتهاد.

ثانيا: مساءلة لأطروحة الحداثة في ورش إصلاح مدونة الأسرة

1. نقد الحداثة المتطرفة

يُنَصِّب الاتجاه المتطرف في الحداثة نفسَه حاكمًا على التراث واتَّخذ منه عدوًّا؛ فأصبح يكيل له الاتهامات ويعمل على هدمه ونقضه، ويسعى المدافعون عن هذا الاتجاه إلى صياغة نموذج للفِكر والحياة، يتجاوز الموروث، ويتحرَّر من قيوده، حتى ولو كان هذا الموروث ما يشكل هوية الأمة وأساس وجودها وعنوانها بين الأمم.

ويسقط هذا الاتجاه في عدة مزالق مرجعية ومنهجية عند تعاطيه مع قضايا الأسرة والمرأة.

· مزالق مرجعية

رغم ادعاء هذا الاتجاه للكونية وما فوق المرجعيات، فإنه في الحقيقة إنما يسعى إلى استنساخ التجربة الغربية التي كانت تجربة مظروفة بزمانها ومكانها، وتبيئتها في بيئة مختلفة عن بيئتها الأصلية في كل شيء.

 فتجربة الغرب مع الدين، تقول وثيقة العدل والإحسان حول إصلاح مدونة الأسرة، “خلال العصور الوسطى مخالفة تماما لتجربة الدين في واقع المجتمعات المسلمة، ما يستوجب تجنب إسقاط الأحكام، ومحاولة استنساخ نفس التجربة التاريخية”.

· مزالق منهجية

وإلى جانب هذه المزالق المرجعية، عددت ذات الوثيقة عددا من المزالق المنهجية في تعاطي الاتجاه المتطرف في الحداثة مع التراث، ومنها:

– التراث لا يقاس فقط بمعيار الزمن، بل بقيمة التراث من عدمها. “فربما سبق القديمُ الحديثَ في القِيمة والفكر وبُعد النظر”.

– غياب الموضوعية والحيادية في تناول قضايا التراث خاصة الإسلامية منها، وسيادة الأحكام المسبقة أو الاقتناعات الخاصة.

– الانطلاق من النتائج قبل البحث، وصياغة النهايات قبل البدايات.

2. الانفتاح على إيجابيات الحداثة

كان هذا النقد للاتجاه المتطرف في منظومة الحداثة مقدمة ضرورية في وثيقة العدل والإحسان لبناء وترسيخ قاعدة الانفتاح على كل ما هو مفيد في آفاق الناس ومستجدات العصر، وما سهَّلته الحداثة في حياة الناس، وما أتته به من أشكال وتنظيمات وتشريعات تغني الهوية ولا تقوضها.

ولهذا رأت الوثيقة أن “المجتمعات الإسلامية لا يضرها الانتفاع بمزايا الحداثة التنظيمية والتدبيرية، واهتمامها بالحاضر والمستقبل، وتعظيمها للوقت وقيم التطور والتقدم، مع السعي إلى تجاوز مظاهر العلمنة والعقلانية المتطرفة”.

وعلى هذا الأساس سعت وثيقة الجماعة، في المنطلق الثالث والأخير إلى اقتراح التكامل المتعاون في قضايا الأسرة عوض المساواة الصراعية التي يدعو لها الاتجاه المتطرف في الحداثة.

ثالثا: التكامل المتعاون عوض المساواة الصراعية

1. الجندرية والنظرة الصراعية لعلاقة الرجل والمرأة

تبنّت الأمم المتحدة مفهوم “المساواة الجندرية” منذ معاهدة “سيداو” 7. ويعني هذا المفهوم حسب وثيقة الجماعة “المساواة بين الأنواع الاجتماعية المختلفة في الحقوق والمعاملات، وألا يكون هناك تمايز واختلاف بين الأفراد على أساس الجنس، وبصفة خاصة فيما يتعلق بتوزيع الموارد والعائدات وتوفير الخدمات، والحقوق والواجبات”.

وعلى هذا الأساس جاءت المطالب الحقوقية النسوية بمراجعة مدونة الأسرة تحقيقا لما يسمى بالمساواة الفعلية التي تتجاوز واقع الاختلاف الجنسي وتعتبره مجرد تكريس اجتماعي صنعته الثقافة عبر التاريخ. فقد انتقد مناصرو “المساواة الجندرية” وجود “اللامساواة” بين الجنسين في مدونة الأسرة الحالية. لكن هذه المؤاخذات لا تخفي الغايات المضمرة لهذه الحركة في حقل الأسرة.

· الجندرية ومآخذها الظاهرية على مدونة الأسرة

تنتقد الحركات النسوية مدونة الأسرة في شكلها الحالي، التي تمسُّ حسبها مبدأ المساواة بين الجنسين. ومن أهم النقط التي تعرضت للنقد من قبل هذا التصور:

– عدم المساواة بين الأخ وأخته، وبين الزوجين في الإرث.

– إباحة تعدد الزوجات وتحريم زواج المسلمة من غير المسلم.

– جعل المرأة موضوع نفقة، وإجبارها على العدة.

– عدم إمكانية نقل المرأة نسبها لأبنائها.

وتخلُص هذه الحركات إلى أن “الآليات الفقهية هي التي تحمي تبعيتها وتكرس ضعفها؛ وبالتالي فإن المساواة تقتضي في نظر المدافعين عن الجندرية تجاوز المرجعية الدينية لأنها لا تمتلك آليات تشريعية كفيلة بجعل المرأة والرجل متساويين أمام القانون”.

 وهذه الخلاصة هي التي توحي أن هذا الخطاب الذي يطالب ظاهريا بالمساواة بين الجنسين يخفي غايات مضمرة وراء هذا النقد لبعض قضايا مدونة الأسرة.

· الجندرية وغاياتها المضمرة

إن المساواة المطلقة التي يدافع عنها هذا التيار كمطلب استراتيجي، لا يمكن الوصول إليها إلاّ بتبني قيم الصراع بين الجنسين وزرع العداوات بينهما عوض المودة والرحمة والتكامل.

ومن أهم الغايات التي يسعى هذا الخطاب إلى تحقيقها في هذا الصدد:

– المناداة بعداء الجنسين، وجعل العلاقة مع الرجل مبنية على الصراع والندية.

– رفض الأسرة والزَّواج والأمومة والإنجاب.

– الدفاع عن ملكيَّة المرأة لجسدها وحريتها في التصرف فيه.

– إباحة الإجهاض دون قيد أو شرط.

– إباحة الشُّذوذ الجنسي وبناء الأسرة اللاَّنمطيَّة.

– إلغاء وظيفة الأب في الأسرة من خلال رفض “السُّلطة الأبويَّة”.

وهذه الأهداف جعلت وثيقة العدل والإحسان تصف هذه الحركة بأنها “حركة فكريَّة سياسيَّة اجتماعيَّة متعدِّدة التَّيَّارات، تتَّسم أفكارها بالتَّطرُّف والشُّذوذ”. وبالمقابل قدمت رؤية تكاملية للعلاقة بين الرجل والمرأة انطلاقا من الفطرة الإنسانية السليمة.

2. الفطرة والنظرة التكاملية للأسرة

انتقدت وثيقة العدل والإحسان، التي قدمت فيها رؤيتها في سياق النقاش المجتمعي الدائر حول إصلاح مدونة الأسرة، مفهوم المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة. حيث أكدت أنها مساواة “تجحف بالمرأة نفسها، وتضيع الكثير من حقوقها، حين تشوه خصائص أنوثتها، وتصرفها عن وظائفها الطبيعية، فتختلط عليها الوظائف، وتصبح ملزمة بالإنفاق وتحمل الأعباء التي هي من صميم مسؤوليات الرجل”.

 وبالمقابل رأت الوثيقة أن الإنصاف يقتضي أن “المساواة في التّشريعات تكونُ حيثُ وجدت الصّفات المتطابقة، وهو يقتضي كذلك الاختلاف في هذه التّشريعات حيث اختلفت الصّفات، ويكون التّطابق والاختلاف في التّشريعات متناسبًا مع نسبة التّطابق والاختلاف بين صفات الرّجل والمرأة في كلّ قضيّة من القضايا التفصيليّة”.

وباعتبار الإسلام دين رباني ودين فطرة فقد أكدت الوثيقة أن “ما شهدت الفطرة بالتّساوي فيه بين المسلمين فالتّشريع يفرض فيه التّساوي بينهم، وكلّ ما شهدت الفطرة بتفاوت البشريّة فيه، فالتّشريع بمعزلٍ عن فرضِ أحكامٍ متساويةٍ فيه”. وفي هذه النقطة نبهت الوثيقة إلى البون الشاسع بين رسالة الإسلام السمحة وبين واقع المسلمين خاصة بعد الانكسار التاريخي الذي شهد نقض كثير من عرى الإسلام ومنها مكانة المرأة وحقوقها في المجتمع.

وهكذا تكون العلاقة السليمة بين الرجل والمرأة داخل حقل الأسرة هي التكامل الوظيفي والتعاون في مواطن الاختلاف الفطري، والمساواة في مواطن التطابق والتشابه. وعلى هذا الأساس ينبغي أن تصاغ التشريعات عامة وتشريعات الأسرة خاصة.


[1] للاطلاع على تلك الدواعي وذلك السياق: https://2u.pw/ZRS7hkW
[2] لتحميل الوثيقة بصيغة pdf: https://2u.pw/VTAznIH
[3] للاطلاع على البيان على الرابط: https://2u.pw/JJ9Sy0S
[4] الفصل 3.
[5] تصدير دستور 2011.
[6] نفسه.
[7] اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، وتصفها على أنها وثيقة الحقوق الدولية للنساء. صُدّقت المعاهدة في 3 سبتمبر من عام 1981. وقد صادق عليها عدد كبير من الدول، مع تحفظ لبعض من هذه الدول على بعض مقتضياتها.