معايير حقوق الإنسان في ضوء طوفان الأقصى وحاجة البشرية إلى ميثاق إنساني جديد

Cover Image for معايير حقوق الإنسان في ضوء طوفان الأقصى وحاجة البشرية إلى ميثاق إنساني جديد
نشر بتاريخ

كشفت ملحمة طوفان الأقصى عن ازدواجية معايير حقوق الإنسان التي يتغنى بها المنتظم الدولي المحكوم من الغرب، الذي يتفرج اليوم على جرائم الحرب بكل أصنافها التي حددها القانون الدولي الإنساني، وأخطرها جريمة الإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة في مشاهد مرعبة من القتل الجماعي للأطفال والنساء وتدمير ممنهج للحياة البشرية، ولعمري إنها أبشع صور الهمجية والإرهاب والتخريب بأفتك الأسلحة الأمريكية الصنع عرفها تاريخنا المعاصر.

لقد أبانت مواقف المنتظم الدولي عن نفاق مبدئي للعالم الغربي الذي يصنف الإنسان إلى نوعين، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “فالنفاق ليس تطبيقا فعليا إجرائيا فقط، بل هو مبدئي لا يخفي من نياته شيئا. العالم في تلك النيات كان -ولا يزال- عالمين اثنين: أحدهما مستقل الأوطان، سيد عليها وعلى الناس، والآخر: مسود، غير مستقل، تحت الوصاية، ومحدود السيادة. والإنسان إنسانان، والحقوق صنفان” 1.

هذا التناقض الصارخ الذي يعيشه العالم الغربي، دفع بالشعوب المتحررة من الخوف التواقة إلى غد الإنسانية والكرامة والحرية إلى الانتفاضة ضد همجية الصهيونية العالمية بكل تجلياتها، فبحت الأصوات المنددة بالعدوان على غزة المطالبة بعالم تسوده قيم التعاون والتعارف والسلام والأمن الذي عجزت الأمم المتحدة وآلياتها عن تحقيقه. وفي هذا السياق برزت العديد من المنظمات الحقوقية والوجوه والشخصيات الدولية بضميرها الإنساني ومروءتها تطالب بضرورة التحرك الجماعي للضغط على المنتظم الدولي، يقول الإمام رحمه الله عن هذه الجمعيات: “الجمعيات الحرة المدافعة عن حقوق الإنسان حقا وصدقا. هذه الجمعيات غير الحكومية هي صوت الضمير الغربي الغاطس في جبروته، وهي المحاور المنتظر للإسلام، عسى تكون لمروءتها أذن تسمع يوما نداء الإسلام إلى حقوق الإنسان كاملة غير منقوصة، أرضية سماوية، تمنع تعذيب الإنسان في الدنيا وتعريضه لعذاب الآخرة” 2.

ولذلك لابد أن نظل مع هؤلاء الأحرار في تواصل دائم، نمد إليهم يد التعاون والتشبيك والحوار والتواصل من أجل تشكيل قوة دفع على المستوى الدولي إلى حين إقرار ميثاق إنساني عادل بديل عن الميثاق الأممي الحالي الذي يكرس التفاوت والازدواجية واللامساواة بين الدول، يقول الإمام رحمه الله: “نحن معكِ أيتها النفوس الخيرة عندما تنتفضين ضد منفذي الأعمال الوضيعة التي تحرض عليها قوى العصر أو تثيرها القوى الصغرى المحلية الشيطانية. نحن معكِ، نحن الأوفياء للإسلام، وسنكون معكِ أكثر فأكثر، نحن الأتباعَ المؤمنين إيمان أبينا إبراهيم محطمِ الأصنام الصادعِ بالحق. نمد لكم اليد، أيتها النفوس المتآخية في الإنسانية، مهما كانت اعتقاداتكم ما دامت الرحمة الإنسانية والمحبة لبني البشر تنعش قلوبكم وأعمالكم. إننا وسنبقى دائما على استعداد، وكلنا عزم وثقة في رحمة الله عز وجل، لمد اليد إلى الرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة والاستعداد النبيل. سنبقى كذلك حتى نعقد ميثاق عدم الاعتداء على الإنسان وعلى كرامة الإنسان، ميثاق رفق شامل بالإنسان وبأمن الإنسان، ميثاق رفق فعال ونشيط وباذل. إننا كذلك حتى نقضي على الإقصاء والحقد العنصري واحتقار خلق الله عز وجل والعنف على الإنسان والوسط الحيوي للإنسان” 3.

إن الإنسانية اليوم المخطوفة من الاستكبار العالمي، المرهونة في مستقبلها وحياتها وإنسانيتها وكرامتها وآدميتها، في حاجة ماسة إلى صناعة تفكير مستقبلي يحررها من هيمنة القوى العظمى المسيطرة على العالم، الممتلكة لحق نقض قرارات الأمم المتحدة، الموجهة لسياسات العالم نحو الهاوية والدمار وخراب البشرية. “إننا لا نرضى بهيمنة الدول العظمى على العالم، ولا باستعباد الإنسان وهضم كرامته وحقوقه الآدمية، ولا بطحن جسم الإنسان ووقته بين عجلات الإنتاج والاستهلاك، ولا بتشويه نفس الإنسان وحياته الفكرية والعاطفية بالثقافة المنحلة المخدرة العنيفة. يجب أن نصنع فكرا مستقبليا يلقي على آفاق هذا القرن الخامس عشر، قرن الإسلام بإذن الله، ومن بعده، نور القرآن ونور الهدي النبوي. يلقي على حياة البشر نورا به يميزون ما ينفع في الدنيا والآخرة، وما يضر في الدنيا والآخرة“ 4.


[1] عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ط 2018/4، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، ص: 224.
[2] المصدر نفسه، ص: 212.
[3] عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، ط2023/3، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، إستانبول، ص: 15.
[4] عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ط 2022/5، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، إستانبول، ص: 43.