مضمون أدب الخيال العلمي ومِحك القيم

Cover Image for مضمون أدب الخيال العلمي ومِحك القيم
نشر بتاريخ

عنـدما نتحدث عـن مضمون أدب الخيال العلمي الموجه للأطفال ونستحضر الجانب النفسي والتربوي وبناء الشخصية فإننـا نجـد أنفسنا أمام أسئلة عـلى درجة كبيـرة مـن الأهمية، أهـمهـا كالتالي:

– ما حدود الخيال في أدب الأطفال؟

– ما المدى المسموح به للخيال في التحليق؟

– هـل نسمـح بتقـديـم قصص الجـن والعفاريـت والجنيات والحوريات والغيلان والعمالقة والأقـزام لجميع المراحل العمرية للأطفال أم لعمر محدد؟

– إلى أي مدى يمكن أن نتـقبل التفسيرات الخيالية للحقائق العلمية؟

ويطرح سؤال المضمون نفسه أكثر في أدب الخيال العلمي الموجه للأطفال، حيث الخروجُ عن الواقـع المحدود بأبعاده المعروفة، والتحليق بالطفل في عوالم غريبة وأساطيـر جديدة مثـيـرة بكتابة علمية ساحـرة، والسفـر به في السفـن الفضائية إلى القـمـر وإلى بلاد ما وراء الحقـيـقـة، والالتقاء بمخلوقات غريبة وراء الجاذبية الأرضية، وربما محاربة مخلوقـات الكواكب أخـرى.

فإذا كان ما يميـز مضمـون أدب الخيال العلمي هـو بعـده عـن الأساطيـر الخرافية القديمة، وتناسقه مع النظريات العلمية كما هي أو على شكل مختلف، فإنه لـم يخـرج مـن دائرة الخوارق والأساطير الخرافية بشكل نهائي، وإنما تناوله لها حاول جاهدا أن يكون مبنيا على العلم كما هو أو العلم الافتراضي، أي العلم كما يراه الكاتب لا كما وصلت إليه التجارب والتطبيقات الميدانية. فشخصيـة “هـاري بـوتـيـن” شخصية خارقة تعـتـمـد عـلى قـدرات ذات طبيعة سحـرية لمواجهـة الشر، و”السوبيـرمان” و”باتمـان” نمـوذجان للشخصيات التي يزخـر بها هذا الأدب والتي تعتمد على القدرات الخارقة لهزم المنافسين. و”مصاص الدماء” والوحوش العملاقة كلهـا تجسيد جديد، في عصر العلم، للغول المرعب في العصور القديمة.

وعادة ما ترتفـع نسبة الخيال في مضامين أدب الأطفـال إلى درجة أننـا نَحْذر مـن الانزلاق إلى الوهم والتوهم وإغراقهم بالأحلام ذات الأدوار السلبية التي تستهدف تقويض المبادئ والقيم والسيـاسة. ولكننا لا نستطيع تعطيل توظيفه في الأدب سواء الموجه للصغار أو الموجه للكبار. وقد عرف الإنتاج الأدبي الكثيرين ممـن يذودون عـن الخيال ويرون أنه ليس بالضرورة سلبيا. فهـذا الدكتور رزان محمود إبراهيـم القائل: (بل إن حرمان الطفـل مـن هـذا الخيال يُعـد خسارة كبيرة لثقافـته الأدبية وحرمانا كبيرا من مادة هامة قد ترسم صورة لمستقبل الإنسان وتلعب دورا هاما في مصيره) 1 .

ويرى الدكتور شاكـر عبد الحميـد أن (بعض هذه الأعمال كثيـرا ما فرضت عليه الرقابة، وصودرت تحت مسميات عـدة، مثـل أنهـا تنافي الذوق السائـد وتهـدد الأخـلاق وتزدري قـيـم المجتمع، وتهدد استقراره) 2 .

أما سمـر روحي الفيصل فيـرى أننا إذا تشبّثنا بحـرية تحليـق خيـال الطفـل عـلى أنه هـدف أدبي ذو دور تربوي، فإنه مـن البديهي ألا نحجـر عـلى حرية خيال الأديب، فنُحدِّد له مدىً يقف تحليق خياله عنده. فنحن بذلك نُقيِّـد خياله، ونمنع عنه الحرية التي يُحلّـق بأجنحتها فـوق الواقـع ليُقدّم واقعاً تخييلياً جديداً 3 .

وإذْ لا نستطيـع إلغـاء الخيال كله ولا قبوله كله، فإن مقياس توظيفه يجب أن يكون مرتبطا بمدى بنائه لشخصية الطفل، لتكون قادرة على فهم الماضي، واستيعاب الحاضر، والتأثير في المستقبل، وتنشئته تنشئة تربوية تستحضر القيم المجتمعية، وتحترم متطلبات مراحله العمرية. فلا يجنح إلى إرعابه وتخويفه، فيخلق منه، بفعل التكرار شخصية جبانة. ولا يجنح إلى معاني مغلوطة ترسَخ فـي ذهـنه، فـيصعـب تصحيحهـا فـيـما بعـد، خصوصا وأن الأطفـال في مرحلة اكتساب المعارف. ونظرا لكون الطفـولة مرحلة تكويـن لشخصيـة الإنسـان يُصَدق فيهـا الأطفـال كـلما يقـدم لهـم، فـإن الخيـال إذا ابـتعـد أكثر عـن الحـقـائق والتصورات البناءة قـد يصبح ضـره أكبـر مـن نفعه. وعلى هـذا نقيـس كل ما يقدم للأطفال من قصص الجن والعفاريت والحوريات، أو قصص الرجل الخارق والكواكب والعالم الافتراضي.

وتلعـب المراحـل العمرية دورا حاسما في تحديد مدى الخيال في المضاميـن الأدبية المقدمة للطفل. فمـا يقـدم لأطفال السنة الرابعـة إلى السادسة مـن العمـر يختلـف عما يقـدم لأطفـال السنـة السابعـة إلى التاسعة، ويختلـف عما يقـدم للسـن العاشـر حتى الثاني عشرة. ولا يخفى الارتباط القوي بيـن السن والخصائص النفسية والذهنية. فليس كل ما يتخيله الطفل في سن معين، وهـو يستمتـع بنص أدبي موجهٍ له، هـو بالضرورة ما قصده الأديـب. فجمـوح خيال الأطفـال يختلـف حسب المراحل العمرية، من جهة، ومن جهة أخرى فإن مخزون ذاكرتهم مـن الخبرات تتدخـل بقـوة لتشكـل الأفكار وتتحكم في الخيال كما يرونه هـم، لا كما يـراه الكبـار. وحجـم المخـزون المتـراكـم يختـلـف مـن طـفـل لآخـر حسب العـوامـل الذاتية المتمثلة في السـن والقـدرات النفسـيـة والذهنية والعوامل الخارجية المتمثلة في الفرص والعقبات المتواجدة في البيئة المحيطة بالطفـل.

وليـس هناك حتى الآن، حسـب ما بلغـه علمي، معاييـر دقيقة لمواصفات الخيال في المادة الأدبية الخاصة بكل مرحلة عمرية مـن مراحل الطفولة. إلا أننا نستطيع أن نعتمد على مستوى:

1– اللغة المستعملـة، مـن حيث قاموسُها وطـول الجمـل، ونوعـية بنائها اللغـوي، وإثرائها للخيال.

2– كيفية تسلسل وترابط الأفكار الخيالية والإيحاء في بناء النص الأدبي.

3– المسافة الفاصلة بين الخيال وبين الواقع، بشكل عام.

4– تحقيق المتعة وإثارة البهجة والحيوية.

5– المساهمة التثقيفية بالأفكار التي تغني التجارب والخبرات.

6– المساهمة التربوية في بناء القيم المجتمعية، والشخصية الفاعلة.

وتلعـب العوامـل الخارجية، بما تضع من فـرص وعقبات، دورا بارزا في تنمية أو خبـو الخيال العلمي للأطفال. وأهـم تلك العوامل هي وجود حرية التعبير والوسائط التربوية من لعَب وقصص ومجلات وغيـرها. أما فظاظة الطباع البشرية وسـوء المعاملات وغـياب الوسائـط التربويـة فغـالـبا ما تمثـل عقبات أمام انطـلاق الخيـال نحـو الإبـداع. وهـذه العـوامـل الخارجـيـة لهـا تأثيـر بليـغ في القدرات النفسية والذهنية للطفـل (ويظـل أدب الأطفـال أداة شديـدة التأثيـر في تنمية خيالات الأطفال التي يمكن أن يتعرف من خلالها على حقائق الحياة. وشتان بين طفـل ينشأ في بيئـة متزمتة جامـدة لا تتسـع إلا للحقائق اليومية وحدهـا وبين بيئة رحبة خصيبة يظللهـا الخيال، فينشأ الطفل فيها مستعدا لمواجهة الحقائق بروح واسعة الأفق) 4 .

ونخلص في حديثنا عن المضمون إلى أن:

– الخيال في أدب الأطفال ضروري، وله دوره الحيوي في حياة الطفل.

– يجب ألا يؤدي المزجُ بيـن الخيـال والحقيقة في أدب الأطفال إلى حدوث نـوعٍ مـن البلبلة، أو اضطراب المفاهيم، أو اختلاط الحقيقة بالوهم.

– الخيال العلمي الذي يستند إلى العلم وحقائقه مقبولٌ، ولكن “العلم” الخيالي الذي يستند إلى الأوهام مضر بتربية الأطفال.

– يجب أن تكون كتب وقصص الأطفال خالية من الخيال المخيف والمفزع.


[1] رزان، محمود إبراهيم. ثنائية الواقع والخيال في أدب الطفل، 11/5/2006. ورقة مؤتمر في الجامعة الهاشمية، الأردن، الموقع الإلكتروني لجامعة ألبيترا.\
[2] شاكر، عبد الحميد. المرجع السابق. ص 200.\
[3] الخيال والتّخييل في أدب الأطفال، المرجع الإلكتروني السابق.\
[4] الهيتي، هادي نعمان. أدب الأطفال فلسفته، فنونه، وسائطه، 1982. مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة. ص 90.\