مسيرة الأربعين في تاريخ العدل والإحسان نظرات وثمرات -7- نداءات وصرخات

Cover Image for مسيرة الأربعين في تاريخ العدل والإحسان نظرات وثمرات -7- نداءات وصرخات
نشر بتاريخ

مسيرة الأربعين في تاريخ العدل والإحسان.. نظرات وثمرات

-7-

نداءات وصرخات

مرت بنا وعلى امتداد الحلقات الستة الماضية جملة من النظرات المتأملات في مسيرة الأربعين سنة من تاريخ جماعة العدل والإحسان. وقفنا فيها عند المسار العام لحياة تنظيم مجتمعي مغربي أثار نقاشا متعدد الزوايا، مختلف المقاربة بصدد هوية الجماعة وأهدافها وغاياتها في نسق الظهور المبارك للصحوة الإسلامية، وبصدد رؤيتها للعديد من القضايا ذات الأبعاد المتنوعة، وكذا رصدنا توجهات الجماعة في معالجة عدد من القضايا ذات البعد السياسي والمجتمعي. وكنا قد وقفنا أيضا عند سيرة الإمام عبد السلام ياسين وجملة التحولات المفصلية التي قادته ليكون رجل الدعوة المربي، ورجل الدولة المعلم، ورجل السياسة المعارض الشديد، ورجل الفكر السديد. وكنا في كل حلقة نستجلى عددا من الثمرات التي نقدمها خلاصات شهية للتحليل.

في هذا الجزء السابع الأخير، نكون قد وصلنا إلى ختام تلكم النظرات والتأملات بثمراتها ومستخلصاتها، لنوجه نداءات هي صرخات إشفاق على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي صرخات ملتاعة لما تعيشه الإنسانية في العالم وهي أسيرة الهوس العالمي الغائب عن معنى الوجود، المغيب لغاية الوجود. ولقد حرصنا أن نسوقها منضدة على لسان الإمام المجدد عبد السلام ياسين لعلها تبلغ آذانا واعية، وقلوبا صاغية، وإرادات متوقدة. وقد اقتضى مقام التخاطب إدخال تغييرات لا تؤثر على المعنى المطلوب، ولم نُحِل على مصادر ومراجع النقول التي سقناها لأنه لسنا هنا بصدد خطاب أكاديمي، بقدر ما نحن بصدد خطاب موجه إلى مخاطبة الفطرة السليمة والعقل الواعي والإرادة المتحررة.

أيها الإنسان:

أيها الإنسان! خاطبك القرآن المكي على مدى ثلاث عشرة سنة خطابا قويا بليغا. قال لك من بين ما قال: يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَى سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً.

وحذرك من الاغترار بالدنيا ونسيان مخلوقيتك. فتح لك بذلك بابا للاطلاع على سر وجودك ومآلك بعد الموت. يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.

وخاطبك أيها الإنسان في سربك الإنساني خطابا جماعيا فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ.

وحذرك أيها الإنسان المنغمس مع بني جنسك في ملهاة الدنيا ناسيا آخرتك: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ. آيات قوية تحرك الإنسان ليستيقظ من غفلته، ولينزح عن السلوك العبثي اللاهي، وعن التظالم والتقاتل بالباطل، وعن العدوان على حقوق الغير.

أَفقْ أيها الإنسان المنكب على مجهرك! أنت لا تخلق أي شيء! فالخلية ونواتها ونظام المورثات ليست من بنات أفكارك ولا من صنع يدك. أيها المتلاعب المسخر المتهور! دماغك، هذا الجهاز العجيب، أنت الذي صنعته ونفخت فيه الروح؟ هل أنت الذي منحته الذكاء والخيال؟

يأيها الإنسان، سل نفسك لم هذه الأرض والسماء، ولم الألم والبغضاء، وفيم الحياة والموت، ولم يضيق صدرك بفوت الفوت؟ إنك خلقت للخلود وإن الإسلام ما هو فقط نظام الحياة اليومية والاقتصادية، وما هو فقط أخلاقية إيمانية ومحبة وأخوة، بل هو بعد الإسلام والإيمان إحسان يقربك من ربك، ويصلك بجنابه إن وقفت ببابه.

إنك يا إنسان غرة الزمان ومعقد الحدثان، وقد جاءك الرسول بأخبار ربك أنه يحب من أحبه ويصطفيه، وأخبرك العارفون بالله أولياء الله بتجربتهم الشخصية واكتشافهم لما وراء حسك المغلق وعقلك الذي أنت سجينه. اسمعها واضحة بليغة مؤثرة تبكي شكرا وغبطة بنعمة الإسلام، وبلغها يوم يسطع نورك بأقصى ما تقدر من بلاغ للعالمين رحمة وبشرى: إن الله عز وجل يتقرب إليه العبد بالفرض والنفل حتى يحبه ربه، فإذا أحبه كان له سمعا وبصرا ويدا ورجلا. فذلك هو الإنسان لا تلك الدودة العالمية. وذلك هو المرشح للكمال واللحاق بركب النور مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين. ولا بد لك من صحبة فهي أول المنهاج وآخره، والصحبة دعوتنا للعالم.

أيتها الإنسانية:

 يقول ربنا عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. مثل هذه الآية ترسم للإنسان في كل زمان ومكان المسار الأمثل الذي يخطو به من مخلوقيته ومقهوريته إلى تتويج وجوده باختيار العمل الصالح الذي ينال به الكرامة عند الله في الدار الآخرة. ذكر وأنثى ما اختار أحد جنسه، ولا استشاره أحد متى وأين وكيف يبرز من العدم إلى الوجود. شعوب وقبائل، ألوان ولغات وتاريخ. وجد الإنسان نفسه مظروفا مذهوبا به. وله الاختيار في أن يسخر ما منح من قدرات لفعل الخير، والتعارف مع الأقوام والشعوب، وإسداء المعروف. وشكر نعمة الإيمان بتبليغ الشعوب والقبائل رحمة الإسلام وبشارة أن الإنسان ما خلق عبثا.

نحن معكِ أيتها النفوس الخيرة عندما تنتفضين ضد منفذي الأعمال الوضيعة، التي تحرض عليها قوى العصر أو تثيرها القوى الصغرى المحلية الشيطانية. نحن معكِ، نحن الأوفياء للإسلام، وسنكون معكِ أكثر فأكثر، نحن الأتباعَ المؤمنين إيمان أبينا إبراهيم محطمِ الأصنام الصادعِ بالحق. نمد لكم اليد، أيتها النفوس المتآخية في الإنسانية، مهما كانت اعتقاداتكم ما دامت الرحمة الإنسانية والمحبة لبني البشر تنعش قلوبكم وأعمالكم.

إننا سنبقى دائما على استعداد، وكلنا عزم وثقة في رحمة الله عز وجل، لمد اليد إلى الرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة والاستعداد النبيل. سنبقى كذلك حتى نعقد ميثاق عدم الاعتداء على الإنسان وعلى كرامة الإنسان، ميثاق رفق شامل بالإنسان وبأمن الإنسان، ميثاق رفق فعال ونشيط وباذل. إننا كذلك حتى نقضي على الإقصاء والحقد العنصري واحتقار خلق الله عز وجل والعنف على الإنسان والوسط الحيوي للإنسان. إن مشروع حلف إنساني عالمي يبقى حلما وهذيانا في حال عدم التوازن الفاضح الحالي بين الشمال والجنوب. ويظهر أن القضية المقدسة لحرية الإنسان والحفظ الجميل والنبيل لكرامة الإنسان ستبقى أمرا غريبا عندما يدافع عنها إسلامي متهم مبدئياً بمسؤوليته عن المجزرة التي لا توصف المقترفة في الجزائر. إذا لم تجن يداك فقد جنت يدا أخيك.

إن الدفاع عن حرية الإنسان وكرامته مشروع المستقبل وقضية مقدسة. وسِّعوا مجال الآمال ومدِّدوا المثال الأعلى على المدى البعيد وعلى مسار واسع، وستُطلون على الأفق الذي رسمه رسل الله، كل واحد لقومه ولزمانه، ورسمه محمد عليه الصلاة والسلام للعالمين وإلى يوم القيامة. الرسالة النبوية رسالة تُرَجَّعُ وتتمدد عبر الزمان والمكان، يتردد صداها عبر الزمن لدعوة الناس وتذكيرهم أنهم إخوة ومخلوقات لله وحده.

أيها الحكام:

إنكم أيها القادة وهذه الأمة من ورائكم تغررون بها لا ترجون لله وقارا ولا تستعدون للقائه إلحادا وبوارا، إنكم على رقابكم طوق العبودية لشهواتكم فهي منبع فشلكم. وإن برقابكم ربقة ثانية أشد مسكا بزمامكم وأشد سلطانا على نفوسكم المريضة، إنها ربقة التبعية للفكر العالمي الناجح في نظركم. هذه هي أمتنا الغثائية تخاف الموت وتحرص على الحياة. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصف غثائيتنا ما أنكر انتسابنا إليه ولا طرحنا من حماه، فلا تخافون الموت الذي يحول بينكم وبين شهواتكم وقصوركم فحسب بل تخشون أكثر من الموت أن تضيع سمعتكم أمام الملإ الجاهلي، فبعضهم يتقرب لآلهة الشرك الإيديولوجي يحاذيهم بتسوله لسلاح لا يعتم أن يفشل في أيدينا الغثائية، وبعضهم يتعبد آلهة الدوابية الحرة، يشعر بمسؤوليته عن الديموقراطية، عن مظاهرها وطقوسها.

يا عباد الله! يا أيها الحكام يا أيها الساسة يا أيها المسؤولون! اتقوا الله وذروا الرجس! توبوا إلى الله قبل أن تعصركم يد الموت وتحملكم إلى حيث تحاسبون أمام الله عز وجل. أما تستحون! أما تخافون أخذ الملك الجبار! إنا ندعوكم إلى الله! هلم التوبة إلى الله! هلم الصلح مع الله! هلم الرجوع إلى حظيرة الإسلام! هلم كفوا عن حرمات الله! هلم لا تحكموا بغير ما أنزل الله! هلم لا تفجروا حيث يراكم الله وتحصي عليكم ملائكة الله!

ما أنتم أول من يريدون أن يطفئوا نور الله بنفخ الاستكبار أو نفث البلاغة والسحر الحلال. والصحوة الإسلامية موجة من الأعماق تمدها قوة الله المد الحاسم نحو مستقبل تشرق فيه من جديد على الإنسانية شمس الإسلام الحق. واعلمـوا أن هذه الأمة مرادة للحياة بعد موت طويل، مرادة للعزة، وإن الإسلاميين يكونون قوة اجتماعية متصاعدة. لا يسعكم إلا أن تفسحوا لها المجال إن كنتم تتمتعون بذرة من تمييز. فلا حول لكم أن تطفئوا نور الله بأفواهكم. وإلا فإنه
الإسلام أو الطوفان؟ إنها حتمية القرى الظالم أهلها، إنها يد الله القوية! وإنما نسجل ونقيم الحجة. والله معنا، وحزب الله إن كنتم تعلمون هم الغالبون. إنه الله ناصر دينه!

أيها العلماء:

سادتنا العلماء، إنكم والله لمظنة الخير، وإنكم ملح هذه الأمة وذخرها. ولو قدرتم سادتنا العلماء أن تطرحوا كبرياءكم وشحكم لذهبت عنكم الغثـائية وداؤها، ولاجتمعتم فاجتمعت الأمة عليكم. إنكم الحلقة الضرورية في غد الإسلام الزاهر بين القيادة المجاهدة والأمة، وإن الأمة لن تسمع إلا لندائكم إن اتحدتم وتطهرتم وتزكيتم.

يا علماءنا، لا نحملكم وزر أمة قد خلت، غد الإسلام بحاجة لرجال وأنتم هؤلاء الرجال، وسيبرز الصادقون منكم لمسك الزمام. الخواء من حواليكم سائد وأنتم العمار. لا تيأسوا إخوتي من روح الله، واسمحوا، وتسامحوا، واحملوا هذه العبارات المكتوبة محمل الصدق وصفاء الصدر. إن سلوتنا أن نرى من بينكم من يدعون إلى الله يسيرون نحو التجرد عن الفتنة المحيطة بخطى ثابتة، انضموا إليهم، فروا معهم إلى الله، من كان منكم يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت، ففيم التقاعس؟

أنتم يا علماء المسلمين، يا ملح الأرض، أنتم أهل الحق فتكلموا! يا علماءنا يا أصحاب الفضيلة! إن للفضيلة عليكم لحقا، وإنكم طوِّقتم أمانة الإسلام فلِمَ نرى بعضكم يخونها وجمهوركم ساكت؟ ثم نرى بعضكم سابحا في تفاهات المناصب… وها أنتم معاشر السادة الأفاضل آثرتم وثير الفرش ومجالس المترفين على منابركم الفارغة في المساجد إلا من موظفي الوعظ الذين يكادون يكتمون ما يعتلج في صدورهم من مرارة يحولونها صرخات على أهل البدع الصغيرة لما لم يجدوا سبيلا لفضح الضلالات… آثرتم هناءة الوثيرة اليومية الحقيرة وعادات القعود وتركتم الذئاب تعيث فسادا في رعية أخذ الله عليكم العهد أن ترعوها وتخفِضوا لها الجناح.

 يا ورثة الأنبياء… إن لم يدفعكم للكلام خشيتكم الله وغيرتكم على محارمه فلا أقل من أن تكونوا أهل مروءات وترتفعوا بسلوككم ومواقفكم… تحسبون أن واجبكم قد أديتموه إن صِحْتم على الفساد العام صيحة عامة مجلجلة على منابر الوعظ الخاصة التي يطرد منها من لا يمضي تعهدا صامتا أن يتبع مسار التنفيس على الضمائر المعذبة بالصيحات الرسمية.

إنكم فرسان الميدان لو عَقَلتم الدور الذي خص الله به العلماء في المجتمع الإسلامي، إن العلماء بصلاحهم يصلح أمر الأمة، وإن فساد مجتمعاتنا المسكينة ناتج عن تراكم الأمراض الخلقية والسياسية التي كان يعالجها سلفكم الصالح أيها العلماء بطب الإيمان في مجالس القرآن يوم كان العلماء يجالسون الشعب في المسجد يتعهدون كل يوم مشاعره ويقاسمونه همه، أنتم سادتي الأفاضل أهل الحق وقد آن أن تقوموا لله وتصطفوا في وجه الكفر والظلم وترفعوا أصواتكم بكلمة الحق.

إنه مصير الإسلام يا علماءنا تتلاعب به أيد غير متوضئة في عتمة الفتنة، فتكلموا! قوموا لله وعلموا الأمة الإسلامية دينها، خُطوا لها الطريق إلى غد الإسلام، حرروا العقول من هيمنة الثقافة الواردة الغازية، وحرروا الضمائر من أرجاس الخيانة بتحرير الشعب من الفتنة الجاثمة فوقه. حرروا البطون من الجوع، وانزلوا إلى الشعب من علياء مجدكم المزيف تقاسمون المساكين همهم أجيبوا بجهاد فكري، باجتهاد مجدِّد… كونوا مخططي مستقبل هذه الأمة! كونوا فعلة بنائها! كونوا الإرادة الصادقة التي لا تنثنـي!

لكي يقول العالم المبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمته، ولكي يبذر بذرته في النفوس، ويغرس غرسته في الأجيال، يلزمه أن يصمد في وجه التيارات المعاكسة، وأن يغشى مجالس الناس، ومحافل السياسة، وأسواق الإعلام، ومناشط التعليم، ومرافق الحياة الاجتماعية، ومناطق نفوذ الفيلسوف الملحد، ومقاصف اللاهي الغافل، يغشى، ويصمد، ويصبر، ويخالط الناس ويصبر على أذاهم.

هذا هو الخط الذي ينفتح أمامكم – يا علماءنا المسلمين ـ لتسيروا صعدا إلى السعادة الأبدية عند الله، إن اقتحمتم العقبة إليه، وآثرتم ما عنده، وبذلتم فيه أنفسكم ونفيسكم حتى يصبح أمر الله ما يشغلكم، بل شغلكم الوحيد، فلهذا تدعون وبهذا يكون لكم وزن عند الله والناس.

أيها الفضلاء:

نحبّ أن نُسمِع أنْفسنا ومَنْ حولنا مِمّن يَسمع أنه مُنعطَف تاريخيٌّ في حياة الأمة، وأنّ التغيير على لساننا ليس مُجرَّد تعاقب على السلطة تعاقبا ديمقراطيا، ولا خلوداً في السطلة خلوداً ثوريا، ولاَ استعمالاً للسلطةِ مَحْضِ السلطة، ولا إقصاءً لأيٍّ كان من كفاءات الأمة ورجال الأمة ونساء الأمة.

إن الأمةَ أيها الإخوة الفضلاء على رأس مُنعَطفٍ تاريخي. وأنتم جزءٌ لا يتجزأ من الأمة. والقفز على حضوركم وكأنكم عدمٌ وهمٌ لا يساوِرُ عقولنا. فلا مناص من التعامل بيننا. فلا يبقى، إن لم يستجبْ بَعْضكم للكلمة السواء، والتوبة العامة، والميثاق الإسلامي، إلا أن تُعيرونا آذانكم وبعض وقتكم تنتزعونهُ من المهام السياسية المتزاحمة.

إن لم يستجب بعضكم للكلمة السواء ويُشاركْ في بناء ما هدمته الفتنة، فلا أقلّ مِن أن يكونَ ذكيّاً ليقِفَ في الشارع العام موقفا مُشْرِفاً يخوّلُه مشاهدة موكبِ التاريخ مارّا بسَكينةٍ واثقة بالله عز وجل.أو يكونَ بصيرا بشؤون آخرته، مِمّن يستمعون القول فيتبعون أحسنَه. أحسنُ القوْل ما دلَّك على مصيرك إلى الله، وعلى أقومِ السبُل لتعبدَ الله، وتجاهدَ في سبيل الله جهاداً هو سنَامُ الإسلام، وسنامُ الجهاد هو إبرامُ ما نقض مِن عُرا الإسلام.

حملة رسالة نحن يا إخواننا في البشرية ودعاة، تتمزق قلوبنا حسرة على العباد، لا كما تظنوننا منافسين سياسيين متزمتين مضمرين العداوة المبدئية والعنف ونية التدمير للعالم، وأنتم أيها الفضلاء! يا من تشاطروننا حسرتنا على بلدنا الواقف على شفا جرف هار بينما كانت ولا تزال تطفح وجوه بطانة السوء بالبِشر وهي تحرق البخور على نصب الأوثان المقدسة! لا يمكن أن تعبر الكلمات اللينة عن الذهول الذي يصيب من يتأمل الواقع، ولا أن يعبر الصمت المطبق عن الإحصائيات الكارثية التي تضع المغرب في مؤخرة الركب. لا تستطيع الكلماتُ اللينة، ولا الجمل المدجِّنة، ولا التعابير الباردة. يحسِب الفضلاء الديمقراطيون الأذكياء أننا من الغباء بحيث نعُد التّصديَ للحكم في الظروف الحالية للأمة نزهة مُريحة أو غنْماً يتسابق إليه الإسلاميون السُّذج. الأحوال كارثية بشهادة من نصبوا للكوارث الأثافي وأوقدوا النار وطبخوا العلقم.

لا مناص للمخلصين من أبناء الأمة وبناتها أن يصيروا إلى تفاهم لمعالجة ما يرثه الأبناء والبنات بعد الطوفان من حطام كارثي. فهلموا يا إخواننا المسلمين الفضلاء الديمقراطيين إلى لقاء يكون لنا فيه تعاون على منع التظالم، وحماية الضعيف، وقول كلمة الحق زاجرة ناهية آمرة. وهلموا إلى الكلمة السواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله. وهلموا إلى كسر الأغلال التي يرسف فيها الشعب، وهلموا يا مسلمين إلى ميثاق صياغة ميثاق، ومناقشة ميثاق، على عين الشعب وتحت سمعه وبصره، والله عز وجل رقيب والأمة شاهدة لتستنير الطريق، ويعرف الحق، وتختار الأمة، وينفضح الدخيل.

أيها الشباب، أيها الشعب:

عجبا أيها الإخوة، عجبا أيها المؤمنون والمؤمنات، أيها المسلمون والمسلمات، لمن تمزَّقت أوصال دينه ولا يبحث كيف يجمعها! عجبا لمن شُتِّتتْ بطائنُ إسلامه، ولا يبحث عن طريق ليجمعها! عجبا لمن يدعوه الله عز وجل إلى الجنة، وتدعوه نفسه إلى الهلاك!

عجبا لمن يتباطأ عن التوبة، والله رب العزة سبحانه يبسُط يدَه بالليل ليتوب مُسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل! يا أخي، يا أختي، يا من يسمعنا نتحدث عن العدل والإحسان ونتحدث عن الفتنة، لا يفْتِنَنَّك الكلام عن تاريخٍ مضى، وحاضرٍ مؤلم، ومستقبل هو في طي الغيب، عن نفسك ومصيرها بعد الموت! الفتنة! الفتنة! ماذا فعلت الفتنة أيها الإخوة بالأحباب الأولين؟

أيها الأحبة، أيها الإخوة الكرام، أيها المؤمنون، أيها المسلمون، أيها الناس أجمعون: إن من يدخل غمار الظهور على الساحة وغمار السياسة والتأثير في الرأي العام، يقوم إليه من كل جهة معارضون ومعاندون، حاقدون منتقدون، قامعون منتظرون. ورهان كل هؤلاء الأمةُ الصامتة التي لا تكاد تسمع عن الإسلام وعن الصحوة الإسلامية إلا ما يُشوِّه سمعتها. فإن للأغنياء الأقوياء أجهزةً للقمع وأبواقًا لتشويه السمعة.من يدخل معركة المزاحمة لإبلاغ كلمته وإعلانها يتعرض لكيد المتربصين وافتراء المفترين، وتلفيق الملفقين، لا سيما إذا قال كلمته وثبت عليها زمانا دون أن يتنازل أو يداهن ودون أن يهون. وهذا دأب جماعة العدل والإحسان.

أيها الأخ الوارد علينا نحن جماعة «العدل والإحسان»، والله يقول في كتابه العزيز إن الله يأمر بالعدل والإحسان، فلا ترضى جماعة العدل والإحسان بهدف اجتماعي سياسي دون العدل على شريعة الله، ولا ترضى بغاية تتطلع إليها همم المؤمنين والمؤمنات دون الإحسان. الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، الإحسان أن تحسن إلى الناس، الإحسان أن يحسُن عملك، الإحسان أن تُجيدَ وتفيد.

أيها الأخ الوارد علينا: هات ما عندك من عزم وصبر، اصبر معنا أولا في قيام الليل، وفي صيام النهار، شمر لتحفظ القرآن الكريم، اذكر الله آناء الليل وأطراف النهار… أيها الأخ الكريم، مطلبنا جميعا الله تعالى، نريد الله تعالى، يأتي أقوام يقولون: ألم نقل هؤلاء صوفية، وسبحان الله كيف عتت وتجبرت الحملات التسطيحية الحرفية التبديعية التكفيرية حتى أصبح من يقول أريد الله، أحب الله، أتشوق إلى الله، أعز المصطفى، أحب محمدا، أحب آل البيت، متهما بأنه زائغ العقيدة، فاسد الوجهة، منحرف العقيدة إلى آخر ما تعلمونه من السباب الذي نكون له عرضة.

إنما نحن فرع من هذه الشجرة الطيبة المباركة الزكية، شجرة الإسلام التي أخذت دوحتها الشريفة تُزهر وتُثمر في كل بقاع الأرض. مساهمتنا أهلَ العدل والإحسان في تبليغ كلمة الإسلام تبدأ من العبد وهو يسمع نداء ربه عز وجل يخاطب الإنسان، كلَّ الإنسان، كافرا كان أو مسلما، من أي دين كان، ملحدا أو دهريا، أو لا أدريا. الله عز وجل يخاطب الإنسان أيّاً كان. من هنا يبدأ تفكيرنا ومن هنا يبدأ عملنا ومن هنا تبدأ حركتنا. لابد أن تكون حركتي على الأرض منضبطة منظمة، فلا جدوى للحركات الفوضوية، ولا جدوى للعمل الفردي ولا جدوى للعمل الذي يتردد بين السَّلب والإيجاب كلما ظهرت له فكرة تبعها، وكلما تحول في خلق الله وفي عالم الله حدثٌ تحولَ معه. لا بد من خطة ثابتة، لا بد لنا من منهاج.

يا أبناء العدل والإحسان:

هذه وصية الإمام المرشد لكم:

إن العدل قرين الإحسان في كتاب ربنا وفي اسم جماعتنا، فلا يُلهنا الجهاد المتواصل لإقامة دولة العدل في أمتنا عن الجهاد الحثيث لِبلوغ مراتب الإحسان. الإحسان أن تعبد الله كأنك تراهُ، ولا مدخل لك في هذا يا أخي ولا مدخل لك يا أختي في هذا المضمار إلا بصحبة تفتح أمامكَ وأمامكِ المغالق وتحدو بركبك إلى عالم النور والرقائق. والرجاء من الملك الوهاب أن تكون الصُّحبة والجماعة متلازمين في جماعة العدل والإحسان تلازم العدل والإحسان في كتاب الله عز وجل وفي شعارنا. لا تطغ جذبة سابح في الأنوار على شريعة قول الله عز وجل: (واتمروا بينكم بمعروف). لذا أوصي بالصحبة والجماعة، بالصحبة في الجماعة. أوصي بالصحبة والجماعة، بالصحبة في الجماعة. أوصي بالصحبة والجماعة، بالصحبة في الجماعة.

أوصي بذكر الله في الملاء والخلاء. وأوصي بالصدق مع الصادقين صبرا ومصابرة وحملا وتحملا. فما الكينونة الصابرة مع الصادقين بالأمر الهين. طاش ما عاش من زعم أنه صادق ثم عثَر أول ما برز أمامه نتوء من نتوءات العقبة. عقبة أمر الله عز وجل عباده أن يقتحموها. فأوصي بما أوصى الله عز وجل به الإنسان من اقتحام العقبة. وإلا فالسهول الواطئة مرتَعٌ لغيرنا. كونوا ذوي همة يا إخواني ويا أخواتي.

وأوصي بالبذل والصدقة والحرص الدقيق على أداء الزكاة وتصريف الزكاة وتوظيف الزكاة في مستحقات الزكاة. وأوصي بطلب العلم، العلم الضامنَ من سَعادَة الآخرةِ كل فرد فرد، وأوصي بطلب العلوم الكونية الضامنة قوة الأمة، تبنيها قبل السواعد القوية والأموال الرشيدة عقول منّظِّمةٌ صانعة مخترعة. وأوصي بالعمل الصالح، انطلاقا من صلاح المؤمن والمؤمنة في عبادتهما وتقربهما إلى الله عز وجل زلفى بالفرض والنفل، وتوجها بالجُهد العامل البعيد النظر الصابر على مشاق الطريق لجمع شتات الأمة وبناء وحدتها لَبِنة لبنةً، حتى يرتفع صرح الخلافة على منهاج النبوة، التي بِهَا وَعَدَنا من لا ينطق عن الهوى، مبشرا بغَد الإسلام الذي لا ريب فيه، كما هي الساعة والبعث والنشر والحشر والجنة والنار حقائق لا ريب فيها.

وأوصي بالسمت الجميل في خُلق المؤمن والمؤمنة ومظهرهما ومخبرهما. نتميز شامة بين الناس عن ضوضاء الناس وتشعث أخلاق الناس وأفكار الناس، وحديث الناس وإعلام الناس ولهو الناس وعبث الناس. وأوصي بالتؤدة رائدا حكيما، وبالاقتصاد توجها سليما، وبالجهاد في سبيل الله جهاد القوي الذي لا يعنُف، الرفيق الذي لا يضعُف. وأوصي بالتؤدة والاقتصاد والجهاد في عالم يمور بأصناف البلاء الإلهي، بلاءٍ يمحص الله عز وجل به الأمة أفرادا ًوجماعة. ويُحق الله الحق متى شاء كيف شاء، وينصر الله من شاء وكيف شاء متى شاء.

خاتمة:

ما كان ما مضى من فقرات طوال جالت بالقارئ الكريم في مسار تاريخ وفكر ومواقف وتوجهات جماعة العدل والإحسان مجرد شقشقات لسان ذرب يرجو البيان الواهم والبلاغ الحالم، أو مجرد خطابات قاعدة في كهوف الأماني المعسولة تعد وتستجدي، وتمني ولا تجدي. إنما كان كل الذي كتب من صفحات ودبج من مقالات، عرضا واعيا لسيرة رجل بذل جهد العقل والجسم لبناء عمل إسلامي راشد، ومسار تيار مجتمعي أصيل المحتد والمنشأ، ومسيرة فكر مجدد مجتهد، وتاريخ مواقف صامدة في وجه الطغيان السياسي والعبث المجتمعي.

ولم يكن خطابنا الواعي هذا ليخرج عن غاية عرض المشروع المجتمعي لجماعة العدل والإحسان الذي تقدمه وتشتغل به، تربية للإنسان على الترقي في مدراج الدين الكامل، وبناء للعمران على قواعد الأخوة الجامعة. ولم يكن هذا العرض ليتجنب في حسبانه التوجه الصادق لأصناف من المخاطبين ليأخذوا من وقتهم في خضم زحمة الهوس الدنيوي برهة أو فترة للتأمل فيما تدعو إليه جماعة العدل والإحسان بميزان الإنصاف بعيدا عن الحسابات السياسوية، أو الخلفيات الحزبية، أو التخوفات على النصيب من كعكعات المنح والأعطيات، أو توجسات الاستقطبات والاحترابات. فقط برهة للتأمل! فقط فترة للإنصات والاستماع! وإن الأمل في الله الملك الهادي واسع، والرجاء في الله الرحمن الرحيم كبير أن يفتح مغاليق القلوب لدعوة الخير، وكلام الحق، فهو الهادي إلى الصواب، والموفق إلى السداد. و إنما عليك البلاغ، والله بصير بالعباد.