مسؤولية المصاب بداء السكري في التكفل بمرضه

Cover Image for مسؤولية المصاب بداء السكري في التكفل بمرضه
نشر بتاريخ

يعتبر مرض السكري من أشهر الأمراض المزمنة وأكثرها انتشارا في العالم. فقد أظهرت إحصائيات الجمعية العالمية لمرض السكري أن عدد المصابين بهذا المرض يفوق 422 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن يصبح السكري سابع أسباب الوفاة الرئيسية في العالم بحلول عام 2030. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 80% من الوفيات تحدث في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل.

من المعروف أن لهذا الداء آثار سلبية صحيا واجتماعيا واقتصاديا. لكن المؤمن مصاب وجسمه أمانة ربانية والمحافظة عليها عبادة وشكر للمعطي الشافي. ومن مظاهر عبادة من يؤمن بالله وقدره واليوم الآخر أن يحافظ على جسده سواء كان معافى (بتجنب الأسباب المؤدية إلى المرض)، أو كان مبتلى (باتخاذ الأسباب واتباع الوسائل التي تحفظه من المضاعفات الناتجة عن اللامبالاة)، وذاك طبقا لهدي حبيبنا عليه الصلاة والسلام الذي قال: “تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داءً إلا ووضع له شفاءً إلا داء واحد: الهرم” (حديث صحيح رواه الأربعة). على المريض بداء السكري أن يرى مرضه ابتلاء من خالقه ليمحص صدقه ويختبر مدى صبره ورضاه، قال الله عز وجل:ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (سورة البقرة. آية 155)، ومن علامات الصبر والرضى الأخذ بالأسباب، أهمها أن يعرف المريض مدى مسؤوليته في التكفل بمرضه عله يتعايش معه في بيته مع أسرته، وفي عمله مع إخوانه وأخواته. فما هي يا ترى مسؤولية المصاب بداء السكري وفيما تتمثل؟

1. أن يتعرف على مرضه

داء السكري مرض يتميز بارتفاع سكر الدم. ويرجع ذلك إلى عجز الجسم المصاب إما عن إنتاج الأنسولين (داء السكري المستوجب للأنسولين) أو عجزه عن استعمال الأنسولين (داء السكري غير المستوجب للأنسولين أو سكري الكبار). والأنسولين هرمون يحول السكر إلى طاقة ويتحكم في نسبة السكر في الدم. ومن العلامات الأولية لداء السكري العطش الشديد مع الشرب الكثير، والتبول الكثير، والإعياء غير المبرر، والتعفنات المتكررة.

هذه الأعراض تستدعي زيارة الطبيب الذي سيقوم بالفحوصات والتحاليل المخبرية اللازمة.

وقد لا يصاحب وجود هذا الداء أية علامة ظاهرة.

2. أن يلم بمضاعفات هذا المرض المزمن ويقدر خطورتها

عسى أن يتحفز للالتزام بالمراقبة والعلاج. ومضاعفات داء السكري كثيرة وخطيرة نذكر أهمها:

المضاعفات الحادة:

تنتج عن الارتفاع أو الانخفاض الحاد والشديد في نسبة السكر في الدم، ويكون السبب إما عدم التوازن بين الدواء والغذاء، أو الإصابة بمرض حاد آخر (نزلة برد، تعفن…). وتتجلى هذه المضاعفات في:

– الانخفاض الحاد لنسبة السكر في الدم الذي قد يؤدي إلى غيبوبة مما قد يؤثر على خلايا الدماغ.

– الارتفاع اللاكينوني (Cétose) الحاد في الدم الذي يرافقه ارتفاع مواز للحموضة.

– المضاعفات السكرية وهي أيضا مضاعفات تؤدي في الحالات القصوى إلى الغيبوبة.

• المضاعفات المزمنة:

تتطور هذه المضاعفات ببطء، وهي تعبر عن تراكم الأخطاء العلاجية. ففي كل مرة يتقاعس فيها المريض ويحيد عن النظام الغذائي والعلاجي تؤدي الشرايين الثمن:

– إصابة شرايين شبكة العين: مما يسبب انخفاضا في البصر يصعب علاجه أو تصحيحه بالنظارات.

– إصابة شرايين الكلي: ينتج عنه في الحالات القصوى قصور كلوي مزمن يستدعي اللجوء إلى التصفية (Dialyse)، لذا يَنصح بالمراقبة المستمرة لكمية البروتينات في البول.

– ضعف الدورة الدموية الطرفية: حيث تصبح الأطراف معرضة للإصابة بالقروح والتعفنات المزمنة، وتشكل القدمان المنطقة الأكثر تعرضا لهذا النوع من المضاعفات، حيث أثبتت الدراسات العلمية أن عدد البكتيريا الموجودة بين أصابع القدمين يفوق أي مكان آخر من جلد الإنسان، وقد نبهنا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في الحديث الشريف: “أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع” (أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَة). فالتخليل بين الأصابع يساعد على إزالة البكتيريا العالقة بين الأصابع، ويقلل من نسبة المضاعفات التي قد تحدث عند إهمال نظافة القدمين (قرحة، غرغرينا، تشوهات…). ويَنصح بتجفيف ما بين الأصابع تجنبا لتعفن الماء الذي يظل عالقا هناك.

– ارتفاع ضغط الدم: يسببه تصلب الشرايين، وهو يضعف القلب ويزيد من خطر احتمال إصابة العين والكلى والأعصاب.

– السكري والضعف الجنسي: يتضافر كل من ضعف الدورة الدموية والاعتلال العصبي والاضطرابات النفسية والهرمونية فتَؤدي إلى الضعف الجنسي (فقدان القدرة على الانتصاب عند الرجل، والبرود الجنسي عند المرأة).

– السكري والاعتلال العصبي: تتأثر الأعصاب التي تنقل الإحساس إلى الدماغ وتبلغ الأوامر إلى العضلات والجلد، فيختل عملها وتظهر آثار الإصابة على:

• القدمين: فتارة يحس المريض بآلام غير مبررة وتارة أَخرى يفقد كل إحساس بقدميه مما قد يعرضه للحروق والجروح. لذا يَنصح بالتفقد المستمر للقدمين خاصة ما بين الأصابع وباطن القدم بالاستعانة بالمرآة إذا اقتضى الأمر.

• الجهاز الهضمي: يظهر الاختلال على شكل إسهال شديد أو إمساك شديد أو فقدان الشهية أو شعور بالغثيان.

• الجهاز البولي: تتجمع كمية كبيرة من البول في المثانة دون أن يحس المريض بحاجة إلى التبول، مما يسبب تعفنات بكتيرية للجهاز البولي.

• القلب والشرايين: تفقد الشرايين ليونتها وتجاوبها مع أوضاع الجسم، حيث يضطرب القلب وينتاب المريض شعور بالدوران عند الوقوف بسرعة نتيجة للانخفاض المفاجئ في ضغط الدم.

3. أن يعرف وسائل العلاج المتاحة ويلتزم بها

مسؤولية العلاج مسؤولية مشتركة بين المصاب وأسرته من جهة، وبين الفريق المعالج من جهة أَخرى. فقد أكدت معظم الأبحاث أن كل علاج لا يتم إشراك المريض في جميع مراحله يبوء بالفشل، حيث يتم تكييف العلاج حسب ظروف المريض الاجتماعية والمهنية والاقتصادية. لذا عندما نتطرق إلى علاج السكري فسنورد فقط بعض القواعد العامة المشتركة بين جميع المرضى دون الخوض في التفاصيل الدقيقة التي تختلف من مريض إلى آخر:

النظام الغذائي: من مسؤولية المريض أن يلتزم بالحمية الغذائية الملائمة لحالته الصحية، حيث يعد النظام الغذائي من الركائز الأساسية لعلاج مرض السكري. وهو يعتمد أساسا على تجنب الأغذية الممنوعة (السكريات، الحلويات، المواد الذهنية، المشروبات الكحولية)، وعلى عدم الإفراط في الأغذية الواجب الحد منها (الخبز وما يوازيه، الفواكه الطرية، اللحوم وبدائله، الحليب ومشتقاته)، وعلى استهلاك الأغذية المسموح بها (الخضر، الفواكه، التوابل، الأعشاب، المشروبات غير الحلوة).

يمثل النظام الغذائي أكبر عقبة تواجه المريض الذي يجد نفسه مضطرا إلى الاستغناء عن السكر، هذا العنصر الغذائي الدخيل الذي استعمر موائدنا، مما قد يولد لديه إحساسا بالحرمان والإقصاء. لذا فإن أحسن مساعدة تقدمها الأسرة إلى مريضها هي تبنيها لحمية غذائية صحية تيسر للمريض التعايش مع مرضه، كما تمكن باقي أفراد الأسرة من تحقيق مكتسبات صحية هامة: نقص الوزن (مقاومة السمنة)، انخفاض نسبة الإصابة بأمراض الشرايين والقلب، الحد من أمراض المعدة والأمعاء..

ولا شك أن دور الأسرة يصبح أكثر حيوية عندما يكون المصاب بداء السكري طفلا.

تمارين رياضية منتظمة: على المريض أن يلتزم اتباع نظام رياضي كمكمل علاجي مهم يساعده على حرق السكريات الزائدة ويمنحه قوة التحمل عبر تحسين أداء الجهاز التنفسي والقلب والشرايين. فعموما ينصح بتجنب الإرهاق الشديد وممارسة التمارين بشكل منتظم (على الأقل ثلاث مرات في الأسبوع) خلال مدة زمنية كافية (نصف ساعة أو ساعة). والطبيب المعالج هو الذي يحدد نوعية التمارين والوقت حسب نوع السكري والحالة الصحية للمصاب.

الأدوية: تختلف الأدوية حسب نوعية داء السكري. فعلى المصاب بداء السكري المستوجب للأنسولين أن يعلم أن عبء الحقن اليومي لهذه المادة يهون أمام هذه المواساة النبوية، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه” (متفقٌ عَلَيهِ)، ومن مسؤولية المريض كذلك أن يعمل على أن يكون مفعول الأنسولين نافعا باحترام القواعد الغذائية الأساسية الخاصة بهذا النوع من السكري كالتوزيع المقنن للوجبات الغذائية (وجبات رئيسية، وجبات ثانوية). أما داء السكري غير المستوجب للأنسولين فقد يحتاج في علاجه لأقراص طبية، خصوصا إذا كان النظام الغذائي والرياضي غير كافيين.

4. أن يشارك في مراقبة مرضه

• المراقبة الذاتية اليومية: على المريض أن يقوم يوميا بمراقبة توازن السكر في الدم لتكييف العلاج، لأن سكر الدم قد يكون مرتفعا دون أن تظهر أية أعراض. وتعتمد هذه المراقبة على قياس نسبة السكر في الدم وفي البول بواسطة الشرائط. وللأبوين الدور المهم في هذه المراقبة إذا كان المصاب طفلا. ومن المظاهر الأخرى للمراقبة الذاتية التفقد المستمر للأسنان والبراجم وخصوصا القدمين كما سبق ذكره. وليعلم المصاب أن النظافة المستمرة لجسمه الحساس وقاية له من الإصابة بالأمراض التعفنية التي قد تحدث اختلالا في نسبة السكر في الدم.

• الزيارة الطبية المنتظمة: الهدف منها التعرف على المضاعفات في بدايتها مما يمكن من علاجها بشكل فعال. وينصح باستشارة طبيب واحد كي تنسج علاقة ثقة فعالة بين المعالج والمريض تمكن هذا الأخير من تحقيق التواصل مع طبيبه عبر طرح جميع الأسئلة التي تقلقه وكذلك إخباره بكل تفاصيل مرضه.

5. أن يلتزم بمسؤوليات أخرى، منها:

• الحضور المستمر لدروس التوعية التي تحفزه على المشاركة النشيطة في العلاج وفي المراقبة الذاتية.

• الانخراط في جمعيات داء السكري مما يساعده على التعايش مع مرضه المزمن.

• قراءة المجلات والمواقع المتعلقة بداء السكري للاطلاع على المستجدات التي تهم الداء والدواء (زراعة البنكرياس، استنشاق الأنسولين، الأعشاب، العلاج الجيني).

الخلاصة

يحتاج المصاب بداء السكري للقيام بكل المسؤوليات إلى احتضان أسري قوي وصحبة أخوية تعينه على التعايش مع مرضه فيكون الفوز مزدوجا: فوز بأجر الصابر على الابتلاء، الراضي بقضاء الله، والفوز بجسد قادر على القيام بحقوق الخالق والخلق.