محبته صلى الله عليه وسلم

Cover Image for محبته صلى الله عليه وسلم
نشر بتاريخ

مقدمة

يقول الله عز وجل في سورة البقرة تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ (الآية: 254).

خلق الله سبحانه وتعالى آدم واصطفى من ولد آدم الأنبياء، واصطفى جل وعلا من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسيدنا محمد عليهم السلام جميعا، واصطفى من أولي العزم حبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم وفضله على كل خلقه، فشرح صدره، ورفع ذكره، وأعلى قدره، وزكاه في كل شيء؛ قال سبحانه وتعالى في سورة القلم وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (الآية: 4).

أرسله الله بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويبعدهم عن نار جهنم ويدخلهم جنة النعيم بإذنه عز وجل. ومن كانت هذه صفاته فإنه يستحق كل الحب والتقدير من قبل المسلمين والناس أجمعين.

فكيف نحب من جاء رحمة للعالمين صلاة ربي وسلامه عليه؟

حبه صلى الله عليه وسلم يشترط الإيمان به، وطاعته، ومحبته.

1- الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم 

معنى الإيمان:

لغة: هو مصدر آمن، يؤمن، إيمانا، وهو التصديق والإقرار والاعتراف بالشيء.

اصطلاحا: هو قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح.

يقول الله سبحانه في أواخر سورة البقرة آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (الآية: 285).

والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم هو التصديق التام بما جاء به وما بلغ عن ربه جل وعلا، بكونه خاتم النبيين والمرسلين، بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة حتى تركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. وأنه رحمة للعالمين، جاء بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا. اختاره الله سبحانه وخصه بأكمل الصفات وأجمل الأخلاق – كان خلقه القرآن – وأطيب الآداب.. فكان بذلك أسوة للعالمين وقدوة لهم؛ قال سبحانه في سورة الأحزاب: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا (الآية: 21). وقد فرض الله سبحانه على عباده طاعته فقال سبحانه في سورة المائدة: وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ (الآية: 69).

2- طاعته صلى الله عليه وسلم

معنى الطاعة:

لغة: الانقياد والامتثال لأمر ما.

اصطلاحا: قال ابن المناوي: هو كل ما فيه رضا وتقرب إلى الله تعالى.

وقال ابن علان: هي الامتثال ظاهرا، والرضا باطنا لحكم الله ورسوله وما يقوله من دعا إلى ذلك.

يقول عز وجل في سورة النساء مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (الآية: 80). في كتاب الله نجد العديد من الآيات التي تأمرنا بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله، وبهذا جاء الحديث عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله.. (رواه الشيخان). فالطاعة واجبة بالكتاب والسنة، ولم يفرق الله سبحانه وتعالى بين طاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، بل أغلب الآيات قرنت بينهما.

3- محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم 

معنى المحبة:

لغة: هي تعلق القلوب وميلها إلى ما ترضاه وتستحسنه، وهي نقيض البغض (لسان العرب). وهي كذلك اللزوم والثبات (المكتبة الشاملة).

اصطلاحا: هي الميل إلى الشيء السار (المعجم الوسيط). وقال الراغب: ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرا.

فكيف تكون محبته صلى الله عليه وسلم؟

إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلمات مدح تلقى من فترة لأخرى بل هي عمل واستقامة واقتداء، وبذل وتضحية لهذا الدين. وأدلتها الامتثال لأوامره والانتهاء عما نهى عنه في جميع الأمور، فالمحب للحبيب مطيع، ومن ذلك أن نلتزم بأخلاقه، ونتأدب بآدابه باطنا وظاهرا، وأن نبلغ دعوته، ونتبع سنته؛ يقول الله عز وجل: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ (آل عمران، الآية: 31)، وهذه الآية تسمى بآية الامتحان، يمتحن بها كل من يدعي محبة الله فإن كان متبعا لسنته كان صادقا في دعواه. ونكثر من الصلاة عليه امتثالا لأمر الله سبحانه في سورة الأحزاب إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (الآية: 56).

إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من أعظم مقامات العبادة؛ إذ هي الطريق لتذوق حلاوة الإيمان، وإن الإيمان لا يتحقق مطلقا في قلب المؤمن إلا بمحبته صلى الله عليه وسلم التي هي مصدر السعادة، فلا تستريح النفس إلا بها. فإن استقر الحب في القلب برهنت عليه طاعة الله ورسوله مصداقا لقوله عز وجل في سورة المائدة: وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ (الآية: 92).

يقول أحد المحبين لرسول الله صلى الله علبه وسلم:

من يدعي حب النبي ولم يفد ** من هديه فسفاهة وهراء

فالحب أوله شرط وفروضه ** إن كان صدقا طاعة ووفاء

4- نماذج للحب الخالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم 

عمر بن الخطاب:

كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الرعيل الأول الذي تشرب قلبه حب النبي صلى الله عليه وسلم، ويخبرنا الحديث عن ارتقاء هذه المحبة في حضرته صلى الله عليه وسلم: عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا، والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك”، فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “الآن يا عمر”.

النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والآخرة، فأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله “الآن يا عمر”، أي الآن عرفت فنطقت بما يجب.

نسيبة بنت كعب:

وهذه نسيبة بنت كعب الملقبة بأم عمارة في غزوة أحد وقفت تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنيها عبد الله وحبيب مع القلة الصابرة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم. تقول هذه الصحابية الجليلة “خرجت أول النهار وأنا أنظر الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه، والدولة والربح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال، وأذبُّ عنه بالسيف، وأرمي بالقوس حتى خلصت الجراح إلي”. تقول رضي الله عنها أنها قد جُرحت بضعة عشر جرحًا، كان أكبرها جرحًا عميقًا في عاتقها أصابها به ابنُ قَمِئَةَ وهي تعترضه وهو يريد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جرحها، وأمر ابنَها عبدَ الله أن يعصبه، وقال: “بَارَكَ اللّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مقَامُ أُمّك خَيْرٌ من مقام فلان وفلان..”. وسمعته أم عمارة فقَالَتْ: “اُدْعُ اللّهَ أَنْ نُرَافِقَك فِي الْجَنّةِ”. فقَالَ صلى الله عليه وسلم: “اللّهُمّ اجْعَلْهُمْ رُفَقَائِي فِي الْجَنّةِ”. فقَالَتْ أم عمارة رضي الله عنها: مَا أُبَالِي مَا أَصَابَنِي مِنْ الدّنْيَا”.

خاتمة

وآخر ما أختم به قوله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي بحبي” رواه الترمذي والحاكم.

هذه سلسلة نورانية حلقات يمسك بعضها بعضا ويقوي بعضها بعضا، محبة أهل البيت من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته صلى الله عليه وسلم من محبة الله تعالى.

يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله:

آل النبـي بحـبـــكــــم

قد طاب عَـرْفُ ســـريرتـي

أنتــم سُـــلالـة أحمـــدٍ

هـادي الأنــام ذخـيرتـــي

أرجـو شفــــاعته غــــدا

لكـبيرتـي وصــغـيرتـــي

 والحمد لله رب العالمين.