ما سر هذا المكان؟

Cover Image for ما سر هذا المكان؟
نشر بتاريخ

حل موسم الحج فإذا بريح مكة يحضرني، يغمرني، ويحملني إليها. وهكذا وجدتني أسترجع أيام زيارتي لها، وبدأت أسترجع الذكريات: مشاهدا تلو الآخر، لكن المشهد الذي أسرني، كان حين وقفت فاغرة فمي، محدقة بعيني في الكعبة الشريفة لأول مرة. لطالما رأيتها عبر التلفاز، وعلى الصور، لكن أبدا ما ظننت أن يكون لبضع لبنات سحر وهيبة وشموخ كما أحسست حينها. كنت قد تهيأت قبل الزيارة لسرد مجموعة من الأدعية لدخول الحرم الشريف، فإذا بي عندما سقط نظري على البيت العتيق، وقفت خاوية الركب ، والدموع تذرف من مقلتي، ولا أدري بما ينطق لساني. عجزت عن الحركة لبضع دقائق ثم التفت من حولي فإذا بالقادمين من باب السلام حالهم كحالي: الجاثي على ركبتيه والساجد والباكي… تساءلت حينها: ما سر هذا المكان؟ كيف أمكن لهذه البقعة أن تأسر ملايين القلوب من شتى بقاع الأرض وتسلسلها وتأتي بها مشتاقة، باكية، ملبية. لم أمكث طويلا حتى وجدتني أجر جرا إلى صحن الكعبة، فبدأت الأجساد تحمل بعضها، وتنساق في حركة الدوران… نظرت إلى الكعبة وسألتها: ما سرك؟ وما هي مهمتك تجاه هؤلاء العباد؟ ثم رفعت عيناي إلى السماء فرأيت الطيور حالها لا يفرق عن حال الإنسان. أمعنت النظر، فإذا بالملائكة في البيت المعمور من فوقنا كذلك حالها من حالنا… ارتجفت خيفة و قلت في نفسي: يا إلهي تمت أمر جلل… المكان والزمان يلتحمان ليلبيا أمر ربهما… أطلقت سراح روحي من أسر جسدي، لتلتحق بركب الأرواح المجتمعة على مائدة الرحمن. فالله سبحانه وتعالى قد دعاها إلى ضيافته في بقعة تطابقت فيها الأرض والسماء. هذه البقعة التي أمر الله عز وجل أن تعلمها الملائكة، وعلى تلك الأركان أوحى الله لسيدنا إبراهيم أن يبني بيتا، وفي البيت وضع حجرا من الجنة. كل هذه الموافقات… هذه المناسك… هذه الإشارات… ما مهمتها؟ ما هو تأثيرها؟ لا أستطيع أن أجد لها تركيبة ولا استنتاجا مفهوما بمنطق عقلي. لأنني لا أعي تفاصيل عالم الغيب، ولا أملك أدواته للتحليل، فموازين الغيب والشهادة مختلفة… إلا أنني أوقن يقينا جازما أن الله سبحانه وتعالى دعا عباده إلى بيته ليكرمهم إكراما يليق بجلاله، ويزودهم بزاد لا يفنى وهو الجواد الكريم. فما على الجسد والروح إلا أن يلتحما ليرتويا معا و يتزودا، وذلك مع استحضار جميع النيات العظمى، واليقين بإيمان صادق أن طارق باب الله لا يخيب أبدا. فليتمن يجد، وليسأل يعط، وليدع يجاب.