لنجعل من بيتنا جنة

Cover Image for لنجعل من بيتنا جنة
نشر بتاريخ

إن أهم مكون في المجتمع هو الأسرة، إذا صلحت صلح جسد الأمة كله، والعكس صحيح، في حضنها ينشأ الطفل، وتتطبع سلوكياته، وتكتسب اتجاهاته، وتتكون ميولاته، وتبنى مقومات شخصيته الدينية والاجتماعية والثقافية، فهي الموجهة لسلوكه، والباعثة على طمأنينته النفسية.

من هنا تأتي محورية الأسرة في التربية. وما من مشاكل تواجهها الأمة إلا وجذورها تعود إلى الأسرة.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” رواه ابن ماجة والبزار. إذن فالخيرية المطلقة للمؤمن تبدأ من البيت. وفي ظل غيابها لا غرو أن يتجه بعض الآباء إلى دوام إصدار الأوامر والسب والشتم والقمع، بمزاج عصبي غاضب، يمارسونه كلما دخلوا البيت، فيما يجعلون فضاء نشاطهم وحيويتهم خارجه. ولا تكاد ترى ابتسامتهم إلا مع الأصدقاء في العمل أو المقهى؛ ظنا منهم أن واجبهم اتجاه أبنائهم بمثابة واجب مربي الماشية (حظيرة، وماء، وعلف).

في حين تعيش الأمهات على ثقل المسؤولية، منهكات متأففات، تضجرهن ضغوطات الحياة وطلبات الأبناء والزوج، وتراكم أشغال البيت. حتى أصبحت تنظر الواحدة منهن إلى مهمتها السامية على أنها منبع شقائها. تعكسه بعض المشاهد المؤلمة التي نجد فيها الأم مستثقلة إرضاع طفلها، وحتى إن فعلت فلا تجد حرجا في أن تسمع وليدها وابلا من السب واللعن، كأن ذلك الرضيع مصدر شقاء لا مصدر سعادة.

إذن ماذا سينشأ عن أب متسلط، وأم متأففة؟

مثل هؤلاء من يقدمون للأمة جيلا مريضا نفسيا وذهنيا، جيلا محمولا لا حاملا، جيلا مفعولا به لا فاعلا، وهو من أخبرنا عنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل” رواه البخاري وأبو داود.

وعليه فإن مشكل الأمة بالتأكيد ليس في أعدادها وإنما في نوعيتها (أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل). وفي ظل تلك الغثائية غابت الأسس القويمة لبناء بيوت سليمة.

فكيف نجعل من بيوتنا جنة؟

الجواب عن هذا السؤال نجده في النموذج النبوي ووصاياه صلى الله عليه وسلم، الذي تؤكد على ضرورة سريان روح المودة والرحمة، والمحبة والتساكن بين أفراد الأسرة، وتوطيد العلاقة بينهم بالتسامح مرة والتغافل مرات، والتغاضي عن الفعل واللامبالاة في رد الفعل.

أن يجلس الأب والأم سويا مع أبنائهما يبدعان في خلق الأجواء المرحة، والنكت اللطيفة، يشجعان ويحفزان، يجمعهم الحوار وإبداء الآراء بثقة حول الدراسة والأمنيات، حول الأحداث اليومية جميلها وغريبها، يداعبونهم ويستمتعون بملاعبتهم، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة؛ نبي الرحمة والرفق، فمن جميل صنعه مع الصغار ما تحكيه السنة العطرة أنه اضطر إلى إطالة السجود حتى ظن من يصلي وراءه أنه قد مات، حتى إذا رفع أحدهم رأسه وجد حفيده الحسن رضي الله عنه فوق ظهره، وكان جوابه لمّا سئل عليه الصلاة والسلام: “كرهت أن أعجله”.

أن يلازما الحمد والشكر في النظرة إلى الأبناء لأنهم نعمة من نعم الله، وزينة زين الله بها الحياة، ولتكن تربيتهم ورعايتهم وتوجيههم عملا تعبديا أكثر منه وظيفيا؛ لأنهم إن استقاموا كانوا فخرا وذخرا لآبائهم وأمهاتهم في الدنيا والآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” رواه مسلم.

ولنتعلم من الصحابيات والصالحات رضي الله عنهن في تربية أولادهن، فهذه سيدتنا أسماء الصديقية تحسن إطعام ابنها سيدنا عبد الله ابن الزبير بن العوام وتقول له: “كل جيدا حتى لا تسقط من فوق الجواد في ساحة الجهاد”، وهذه أم سعيد النورسي التي حرصت على أن لا ترضع ابنها إلا وهي على وضوء ولسانها لا يفتر عن ذكر الله، ومنذ أن أنجبته لم تترك قيام الليل إلا لعذر.

فلنجعل كل بيت جنة.