لا تبرح الباب والزم الأعتاب.. اِصحب معك روح رمضان

Cover Image for لا تبرح الباب والزم الأعتاب.. اِصحب معك روح رمضان
نشر بتاريخ

بقلم: خديجة شوقي

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المرحومين ومن المعتوقة رقابهم المنورة المطمئنة قلوبهم الراسخة أقدامهم على باب الله، طلبا وتذللا وافتقارا، اللاهجة ألسنتهم ذكرا ودعاء وقرآنا في كل الأوقات وعلى كل الحالات وفي كل الأزمان، ما دامت السماوات والأرض خاضعة للملك الديان.

كلمتي اليوم بسيطة؛ همسة من قلبي إلى قلوبكم، تذكرة؛ أذكر بها نفسي الغافلة أولا وألقيها بين أيديكم عساها تلامس مسامعكم وأرواحكم، فتأخذ بأيدينا وتذكرها وتوقظها وتدلها: من هنا الطريق المحركة للهمم والعزائم.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: “سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ! وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ” 1.

ذاك كان حال أهل الله من السلف الصالح ممن ذاقوا وعرفوا الله حق قدره، واجتهدوا وشمروا وصابروا وصبروا وألحوا وطلبوا؛ يسارعون إلى كل الخيرات ظاهرها وباطنها إلا أنهم وجلون. حالهم حال القائم الذاكر الصائم التالي لكتاب الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار، قبل رمضان وعند رمضان، حتى إذا خرج، زاد الخوف والوجل والرجاء والطمع في أن يتقبل منهم رمضان، ويكتب في صحائفهم، ويكون لهم شفيعا يوم الوقوف بين يدي الرحيم الرحمان.

ولا يخفى أن أجر الطاعة في رمضان مضاعف مصداقا لحديث الحبيب المصطفى حيث قال: “يا أيُّها النَّاسُ قد أظلَّكم شهرٌ عظيمٌ، شهرٌ فيهِ لَيلةٌ خَيرٌ من ألفِ شهرٍ، جعلَ اللَّهُ صيامَهُ فريضةً، وقيامَ لَيلِهِ تطَوُّعًا، ومَن تقرَّبَ فيهِ بخَصلةٍ منَ الخيرِكانَ كمَن أدَّى فريضةً فيما سِواهُ، ومَن أدَّى فريضةً كانَ كمَن أدَّى سبعينَ فريضةً فيما سِواهُ” 2.

هذه بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم محفزة مشجعة على الاستزادة من الطاعات.

ففي رمضان تتسارع الخطوات والطاعات؛ نصوم، ونقوم، ونذكر، ونصلي، ونتصدق، لكن بعد رمضان قد تفتر همتنا وتتفتت وتعود النفس للغفلة والكسل.

لا وربي، لا يليق بمن أطال الوقوف والركوع والسجود في التراويح والقيام، ولا بمن جاهد النفس وصبرها عن جوعها وعطشها، وذكرها أن في الجنة أنهارا من لبن وعسل مصفى وخمرة لذة للشاربين، وفيها من المن والسلوى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

لا يليق أبدا بمن سالت وجنتاه هطالة توبة وندما على ما فات، وطمعا في موعود الله، وما عنده من العطايا التي لا تعد ولا تحصى.

أتراك تهجر باب الله بعد القبول؟ لا والله لا يليق بك.

أتهجر القرآن وفيه قال حبيب الرحمان سيد الخلق أجمعين: “مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ” 3.؟ أتترك شفاعته وبركته ونوره وهداه؟

هاك البشارة الثانية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير البشرية وأطهرها، في حديث رواه أحمد: “لو أن هذا القرآن جعل في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق” 4.

أتغفل عن الذكر، وفيه أسرار وأنوار؟ يقول عز من قائل في حديث قدسي: “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإن ذَكرَني في نَفْسهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفسي، وإنْ ذَكَرَني في ملإٍ، ذكَرتُهُ في ملإٍ خَيْرٍ منْهُمْ” 5.

أتنوء عن معية الله وقربه؟

أتغفل عنه بعد إذ دعاك وقربك بالذكر، وجملك بالستر، وتفضل عليك بالقبول، ودلك على باب الوصول؟

أتغفل عنه وقد جعلك في معيته وحرزه، وذكرك بين أصفى وأحب خلقه؛ الأنبياء والشهداء والمقربين؟

أتبرح باب القيام؟ ولا يوفق الله إليه إلا ذو شرف عظيم، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “شرف المؤمن قيام الليل” 6.

والله عز وجل ذكر القائمين فزكاهم وبشرهم، قال في محكم كتابه العظيم: تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 7.

هل تفرط في عهدك مع مولاك وتبرح الأعتاب ولك قد فتح الباب؟

أتفرط وتفرط عقدك وقد جمعت حباته ورصصتها حبة حبة من لهجات أنفاسك، وأنين استغفارك، ودموع استرحامك، وركوع وسجود روحك، وقيام أقدامك في حضرته وبين يديه، وجهاد نفسك تثبيتا لها على طريق الله؟

أتراك بعد كل هذا، تهجر باب الله؟ أتغفل عمن أحبك، ووفقك لطاعته، وقبل توبتك وأقال عثرتك، وأوقفك بين يديه صلاة وقياما ودعاء، ورحم ضعفك وجبر كسرك، وإليه دعاك وقربك؟

لا وربي، لا ينبغي لك ولا يجب أن يكون.

ألم يناديك سبحانه قائلا في الحديث النبوي الذي رواه أبو هريرة: “يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟” 8.

أنت عبد لله خاضع، وفي رحمته طامع، في كل الأوقات والأحيان والأزمان.

فلا تبرح الباب والزم الأعتاب حتى يفتح لك باب القبول.


[1] رواه الترمذي (رقم/3175) وصححه ابن كثير في “تفسير القرآن العظيم ” (1/176).
[2] من حديث طويل رواه سيدنا سلمان الفارسي، ذكره الألباني في السلسلة الضعيفة (871).
[3] رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2910، صحيح.
[4] إسناده ضعيف.
[5] متفق عليه.
[6] من حديث صحيح رواه الحاكم في المستدرك عن سهل بن سعد.
[7] سورة السجدة، 16 – 17.
[8] أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758).