كيف تفاعل السياسيون والإعلاميون مع الوثيقة السياسية للعدل والإحسان؟

Cover Image for كيف تفاعل السياسيون والإعلاميون مع الوثيقة السياسية للعدل والإحسان؟
نشر بتاريخ

كما كان متوقعا أثارت الوثيقة السياسية التي أصدرتها جماعة العدل والإحسان -كسابقاتها- كثيرا من ردود الأفعال الداخلية والخارجية على المستويين الفكري والأكاديمي رغم اختلاف الظرفية والسياق، كما حظيت بمتابعة وتغطية إعلامية مفاجئة، بالنظر إلى “التأميم الإعلامي” والتجريف الذي مارسته السلطة على قطاع الإعلام في السنوات الأخيرة، ويمكن إجمال ردود الأفعال في:

1- المرحبون

 بالوثيقة وما تحمله من مبادرة سياسية، وما تحمله من رسائل، ويرى فيها موقفا متقدما وإضافة نوعية للمشهد السياسي المغربي من طرف أكبر تنظيم إسلامي معارض؛ على مستوى المضامين وعلى مستوى الخطاب وخروجا من المناطق الضبابية والرمادية في كثير من القضايا إلى مزيد من الوضوح المعبر عنه سياسيا في وثيقة مرجعية مكتوبة صادرة عن مؤسسات الجماعة التقريرية الرسمية وليست آراء خاصة ولا اجتهادات فردية، وهي خطوة طمأنة أيضا وبث ثقة لشركاء النضال ضد التغول المخزني وإخوان الوطن من الفضلاء والشرفاء الذين استبد بهم اليأس في وقوع أي تحول أو تغيير حقيقي.

2- المتخوفون

 من أن تكون هذه بداية دخول الجماعة إلى بيت الطاعة المخزني، عبر بوابة السياسة والدائرة السياسية، رغم نفي قيادات الجماعة في كل مناسبة لذلك، وتأكيد الوثيقة وأدبيات ومواقف الجماعة أن الموقف من المخزن والنظام الملكي ثابت لم يتغير وإن اختلفت التعبيرات عنه منذ “الإسلام أو الطوفان” مرورا بـ”رسالة القرن الملكي” وصولا إلى “مذكرة لمن يهمه الأمر” وانتهاء بهذه الوثيقة السياسية التي تعتبر بكل وضوح أن الملكية هي المسؤولة عن انغلاق الأفق السياسي؛ “احتكار السلطة التأسيسية الأصلية من قبل الملك، واعتباره فوق كل السلط، أحد الأعطاب البنيوية الأساسية التي أسهمت وتسهم في انغلاق النسق السياسي المغربي وتحكم على مساره بالاختلال، وعلى نظام الحكم فيه بالمركزة والسلطوية”، وتؤكد بشكل مبدئي لا مواربة فيه أن المشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان “لا يروم تحقيق تغيير سياسي مرحلي فحسب، بل إنه مشروع يمتد أفقه إلى إحداث تغيير تاريخي يتأسس على بناء الإنسان، وتشييد مجتمع العمران الأخوي، وترسيخ القيم الإسلامية والقيم الإنسانية المثلى”.

وهو تخوف مشروع في ظل رصيد متراكم من التجارب نجح فيها المخزن في تدجين أحزاب ومنظمات وقيادات مغربية كان لها شنة ورنة في درب النضال وضرب النصال، ومنهم من حمل السلاح ضد النظام وصار بعد ذلك سلاحا في يد النظام يصفي به خصومه، وفي ظل الرهانات الكبرى المعلقة على الجماعة باعتبارها من آخر حصون المعارضة، وهو ما كان واضحا وما لم تخفه حتى مداخلات المشاركين في الندوة الصحافية.

3- المتشككون

وهؤلاء يتشككون في كل مبادرة تقوم بها الجماعة، ومهما أحاطتها قيادتها بخطاب الطمأنة من جهة والتأصيل المنهاجي من جهة. وهم عينة موجودة في كل وقت، يهابون كل جديد ويتهيبونه ويعتبرونه تراجعا وخيانة ونكوصا، وقد يكونون غير قادرين على مجاراة التغيرات والتحولات التنظيمية والفكرية والسياسية والواقعية.

من المعلوم أن الإمام رحمه الله تعالى، وإن حذر من المزالق واشترط على ممارسة العمل الحزبي والسياسي شروطا ذاتية وموضوعية، لم يرفضه من حيث المبدأ، ولم يرفض تفتيت كتلة الاستبداد وبنية المخزن والفساد وإحداث اختراقات فيها على المديين القريب والبعيد بكل الأدوات وبتدرج زمني وتدبيري، ومنها التصدي للسياسة، ولهذه الغاية دعا إلى إنشاء الدائرة السياسية ووجهها ورعاها واختار قياداتها وبارك مساراتها، ولم يترك فرصة لمزاحمة الناس ودخول الباب على الناس إلا استغلها ووظفها أحسن توظيف.

4- الأعداء والخصوم

ينضاف إلى هذا التوجه المشكك، أعداء الجماعة من التيار المخزني الإقصائي الاستئصالي، الذي من المنتظر أن لا يتفاعل إيجابيا مع المبادرة، بل قد يتعامل معها بالتجاهل والتبخيس أو بتسليط ذبابه الإلكتروني لتشويه مضامينها، أو بإغراقها إعلاميا ومحاولة احتوائها، وليس مستبعدا أن يقوم بخطوات قمعية وبمزيد من التضييق بمنطق إنها “بتكثيف مبادراتها ووثائقها”، وكل ذلك ستكشف عنه الأيام المقبلة إن شاء الله. وهي سيناريوهات لا شك أن الجماعة توقعتها ووضعت لها بدائل مفترضة ووطنت نفسها على ذلك منذ زمان، وهذا ليس بالأمر الجديد عليها ففي رسالة “الإسلام أو الطوفان” كتب الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: “رسالتي إليك ليست ككل الرسائل؛ إنها رسالة تفرض الجواب عنها فرضاً، وحتى السكوت عنها جواب بليغ… لن تملك إلا أن تجيب عنها بعنف السلطان وجبروته، حين ترفض الوضوح الذي تتسم به النصيحة التي تحملها إليك وإلى المسلمين عامتهم وخاصتهم، أو تجيب عنها بالإخبات إلى الله والرضوخ للحق”.

وبنفس المنطق فالوثيقة السياسية هي خطوة تاريخية كبرى لإعادة الحياة إلى السياسة في المغرب، ولوضع الجميع نظاما وأحزابا ونخبا أمام مسؤوليتهم الوطنية والتاريخية، وهي فرصة عند من يدرك قيمة مبادرة من هذه الطبيعة ومن هذا الحجم لالتقاط الإشارة والتفاعل معها بشكل إيجابي وفعال، وهذا ما نتمناه، أو أنها ستبقى شهادة للأجيال القادمة موقعة باسم العدل والإحسان شاهدة على فرادتها ومسؤوليتها ووضوحها.