كورونا توحد سلوكنا على النظافة

Cover Image for كورونا توحد سلوكنا على النظافة
نشر بتاريخ

إن الهدف الأكبر في مكافحة أي وباء هو الحد منه والقضاء عليه بشكل نهائي، لكن حين لا يكون ممكنا في ظل غياب اللقاح أو العلاج الناجع كما هو الحال بالنسبة لجائحة كورونا، التي انتشرت على حين غفلة كانتشار النار في الهشيم؛ بات الهم الشاغل للجميع هو كيفية التصدي لهذا الفيروس القاتل.

وقد أصدرت المنظمة العالمية للصحة والجهات المختصة توصيات عديدة للحد من هذه الجائحة؛ فكان على رأسها الاهتمام بالنظافة الشخصية، وتطهير اليدين بالماء والصابون، فضلا عن ضرورة خلع الأحذية قبل الدخول إلى المنزل؛ باعتباره أمرا أساسيا ومهما للحيلولة دون نقل الفيروس. وهي النصيحة التي تناقلتها مجموعة من وسائل الإعلام، من مثيل صحيفة “لاستامبا”، التي استندت إلى ما قاله أحد الخبراء، أن خلع الأحذية خارج المنزل تعتبر “قاعدة صحية جيدة” عمومًا وليس للوقاية من فيروس كورونا المستجد فحسب.

ولا مراء فقد فزع معظم الناس خصوصا في الدول الغربية إلى شراء المعقمات والمناديل الورقية الصحية التي نفذت من الأسواق، فبرز من بينهم دعاة ينادون باتباع الممارسات الإسلامية للنظافة باستخدام الماء بشكل متكرر يوميا.

فسبحان الله الحافظ الذي خلق الإنسان من عدم، وجعل له منهاجا ينظم حركة صيانته وحمايته وحفظ بنيته، سبحان صاحب الصنعة؛ من هو أعلم بصنعته وأعلم بما يصلح لها وأعرف بالغاية من خلقها. فاهتمام الإسلام بالطهارة لا يضاهيه أي اهتمام من الشرائع الأخرى. إذ جعلها جزءا من الإيمان ولم يعتبرها مجرد سلوك متعارف عليه أو مرغوب فيه اجتماعيا، بأن يحصل من يحافظ عليه بالقبول الاجتماعي، وإنما جعلها قضية إيمانية تتصل بالعقيدة، وشرطا ضروريا في قبول العبادات.

إنها من الجوانب المضيئة في ديننا الحنيف رغم بساطتها. إذ كرم الله الإنسان وجعل طهارة بدنه التامة أساسا لابد منه لكل صلاة، وجعل الصلاة خمس مرات في اليوم، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا (المائدة، 6). و تحث النصوص الشرعية على تحري النظافة والاستبراء من النجاسة في كل الأحوال. كما توصي بغسل اليدين عند قضاء الحاجة وقبل الوضوء، حتى أصبحت هذه العملية تلقائية لدى المسلم. وقد أثبتت العديد من الدراسات العلمية الحديثة أن غسل اليدين يوقف انتشار العدوى ويمنع انتشار بعض الأمراض، من مثيل الكوليرا والإسهال والتهابات الديدان الطفيلية، والأنفلونزا.

يدخل موضوع الطهارة في الشرع الإسلامي ضمن فروع الفقه الإسلامي؛ أحد العلوم الشرعية التي خصصت لها كتب وأبواب لا يسعنا التفصيل فيها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “الطهور شطر الإيمان” (رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه)، أي نصفه، حيث شملت الطهارة كل مناحي حياة الإنسان من الطهارة الباطنية إلى الطهارة البدنية ثم إلى نظافة البيئة؛ فهي تبتدئ بالتنزه من البول والغائط، وبيان عقوبته كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، فأما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة” (رواه ابن حبان). ومن المستحبات أيضا طهارة الأسنان والشعر والجسم من الروائح الكريهة، حتى المباحة كالثوم والبصل، تحرزا من إذاية الآخرين في المسجد وغيره. وقد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “حق على المسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده” (رواه مسلم والبخاري). وغيرها من النظافة المفروضة. والسنة مليئة بالأحاديث التي تدعو إلى الطهارة.

لنعد من حيث بدأنا، ونترك كل توجساتنا وذعرنا وخوفنا من هذا الفيروس القاتل، ونقف وقفة تأمل في جوهر ديننا الحنيف في شق الطهارة بعيدا عن وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعية، نقرأ ما بعد الجائحة وما تضمره طياتها من دروس وعبر؛ نعتبر بها يقينا في قدر الله الذي يحمل مع المحن منحا؛ تأتي لتقويم الطريق وتهذيب اعوجاج مسالكها للعودة بنا للأصل والفطرة، نعم لقد جاءت هذه الجائحة بالفعل لتذكرنا بكل ما نسيناه وتناسيناه باسم مسايرة العصر وحركيته.

إن الحجر الصحي الذي أقعدنا في البيوت فرصة ذهبية حقا؛ لنعيد حساباتنا ونرقم عاداتنا ونعود بها إلى نصابها القويم؛ نحسن الصلاة والوضوء ونطهر النفوس ظاهرها وباطنها.

لنعلم أبناءنا أن النظافة ليست رفاهية،  تقتصر على كونها تجعل المكان مرئيا خاليا من القذارة الظاهرة، وتغيير الأفرشة والديكورات المنزلية واقتناء الألبسة من الماركات العالمية واستعمال العطور الغالية؛ لنعزم على تغيير الأسلوب التقليدي في التربية ونهجر أسلوب الأوامر العسكرية، التي لا تقبل النقاش بفرض النظافة على الأبناء كعادة يومية ملزمة، إلى أسلوب الحرص على النظافة لإدراكهم أنها شعار الإسلام؛ نتقرب من خلالها إلى المولى تعالى نتطهر لنقف بين يدي الله ونحن أنظف في أبهى حلة، امتثالا لقوله تعالى: وثيابك فطهر (المدثر، 5). لنغير سلوكنا من سلوك العادة إلى سلوك العبادة، ونربطها دوما بالله عز وجل.

لنعلم أبناءنا كذلك أن الطهارة تبتدئ من صغار الأمور؛ من التنزه عن البول والاستنجاء وغسل اليدين بالماء والصابون وحفظ إناء الوضوء من الأوساخ والنجاسة، فضلا عن تقليم الأظافر كما جاء في الحديث النبوي الشريف: “عشر من الفطرة: إعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، والمضمضة، وقص الأظافر، وغسل البراجم، وانتقاص الماء” (رواه مسلم)، وهذه الأخيرة تعني الاستنجاء، وبالتالي فإن الحرص عليها من الفطرة والدين. ولنبتعد عن المعقمات قدر الإمكان لما لها من جوانب سلبية من كثرة الاستعمال، فهي تؤذي الجلد وتظهر بعض الطفح عليه، ونعود إلى استعمال الماء العادي لأنه الفطرة السليمة باعتباره الأكثر أمانا من كل البدائل كما أكده الخبراء.

لنعلم أبناءنا خلع الأحذية قبل الدخول إلى المسجد احتراما لقدسيته وحفاظا على نظافته، وندربهم عل خلعه قبل الدخول إلى المنزل ووضعه في المكان المخصص له؛ فقد يكون المصدر المحتمل للعدوى في المنزل دون أن ندري، باعتباره بيئة خصبة لتكاثر الجراثيم والفطريات.

 لنعلمهم أن الهدف من النظافة هو الحفاظ على الصحة، والوقاية من العديد من الأمراض لنكون أصحاء، أقوياء؛ لأن جسم المسلم أمانة يجب الحفاظ عليها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: “إن لبدنك عليك حقا”. ونعلمهم أن الحرص على الطهارة بشقيها المادي والمعنوي توصل إلى محبة الله تعالى، وقد امتدح الله عز وجل أهل قباء، وجعل حرصهم على الطهارة والنظافة سببا في حبه تعالى لهم؛ حيث قال: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (التوبة، 108).

وعليه نقول إذا رأيت خللا في الكون أو فسادا في نواحيه، فالحق سبحانه يجري المقادير ليحفظ توازن الحياة.