كفى بالموت واعظا

Cover Image for كفى بالموت واعظا
نشر بتاريخ

كفى بالموت واعظا وكفى به ناقلا للإنسان من حياة دنيا فانية إلى أخرى باقية ما بقي مُلك الله الحي الذي لا يموت “و الإنس والجن يموتون”، الموت وما أدراك ما الموت، خلاصة حياة ونهاية مسير، نهاية السالك الى حضرة الحي الذي لا يموت، هناك يكون الجزاء ا“لدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن، وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأُخْرِج منه، فجعل يتقلب في الأرض ويتفسح” ولا تحبس الصلة برازخ الموت، حيث اللقاء مع الأحبة في الدعاء وفي عوالم الغيب الأخرى مع مشيئة الرب العليم، وهنا يكون العزاء لمن فقد الحبيب وصعب عليه الفراق، فراق السيدة الفاضلة خديجة المالكي، ومن قبلها الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمهما الله تعالى.

ليس بالهين ألم الفراق على نفس المحب الضعيف الذي جمعته بمن أحب أواصر صحبة في الله دعوة وجهادا، خاصة إذا كان المصحوب إماما عارفا بالله مجدد عصره، ثم من بعده زوجه الشريفة العابدة الناسكة، من آوت ونصرت وجاهدت وصحبت وحضنت وساندت الإمام ودعوته “ولكل نصيب من اسمه” تمثلت الخلق النبيل لأمنا خديجة رضي الله عنها وأرضاها وأمهات المؤمنين.

كانت هذه السيدة الفاضلة لهذه الدعوة السند والحضن، كانت لها الأم الحنون التي أطعمت وسهرت وربت وصحبت سيدي عبد السلام في رحلة جهاده صابرة محتسبة، وقد عرفت منذ البداية أن طريق الدعوة والجهاد شاق لا يستطيعه إلا من أعانه الله عليه فعزمت وأقدمت وتوكلت.

ليس سهلا على زوجة محبة لزوجها الرحيم الرفيق أن تدفع به في طرق الجهاد الوعرة التي لا تعرف لها نهاية ولا يعرف لها مآل، خصوصا أن المعارَض مخزن خبر الظلم والقتل والتلاعب بأرواح العباد لقرون غابرة، ليس سهلا أن تقدم النفس رخيصة في سبيل الله تعالى والأصعب منها نفس حبيب إلى القلب.

كيف عاشت سنوات الاعتقال والحصار؟ كيف قضت لياليها وأيامها؟ كيف ربت وهذبت؟ كيف سهرت واحتضنت؟ كيف وكيف؟ ومن يقو على الإجابة إلا من عاش مثل ماعاشت وصبر واصطبر.

شاء الله بحكمته لهذه الأم الغالية “خديجة المالكي” الظهور وهي التي ما فتئت لا تحب الظهور، ويسمع صيت جنازتها الآلاف والآلاف وأن تزف إلى مثواها الأخير في عرس تدافع وجهاد، جنازة صاخبة ناطقة بثقل وعظم من ماتت ولحقت به “الموت خير يوصل الحبيب إلى الحبيب”، فهنيئا لك بلقيا الأحبة “محمد وصحبه ” وهنيئا لك انجماع شمل الحبيبين بعد سنتين من الفراق، وهنيئا لنا برجال ونساء ربوا في رياض الجماعة المباركة رياض ذكرها وجهادها فأبوا إلا أن يسطروا بمداد من ذهب ملحمة جديدة تطبق فيها الوصية وترجع جحافل المخزن وعساكره خائبة ذليلة.

وصدق الصادق الرمبوق إذ قال : عجيب ليس يشبهه عجيب

وأسئلة وليس لها مجيب
أشبر وسط مقبرة تداعى

ليردم قبره الجيش المهيب ؟
هل في دولة العقلاء ميت

يزج إليه عسكرها الرهيب
ألا فارثوا لدولتكم ففيها

وليس على فقيدتكم نحيب