قصة حب نُسِجَت على وقع الرصاص

Cover Image for قصة حب نُسِجَت على وقع الرصاص
نشر بتاريخ

أصبحت غزة بفعل الأحداث والمستجدات الأخيرة محط نظر العيون، وملتقى اهتماماتها وتطلعاتها، لدرجة أصبح التلفاز محصورا في قناة الأخبار، وأضحت منصات التواصل الاجتماعي مكانا للدعم والتعريف بالقضية، ونشر التدوينات المساندة للمقاومة، ومحاربة الاحتلال ولو إلكترونيا، والتحفيز للخروج في وقفات أو مسيرات منددة بالتطبيع والحرب على كل فلسطين.. وذلك بعد فتور أصاب الناس تجاه القضية.

ولا شك أن الفضول يكتنف الكثيرين لمعرفة تفاصيل حياة الناس في غزة في ظل الحصار المفروض عليها قرابة العشرين عاما. بل يزيد على ذلك السعي لمعرفة طريقة عيشهم ودراستهم وقصص حبهم وزواجهم؛ خاصة رجال ونساء الكتائب.

ومما لفت انتباهي وأبهرني؛ قصة الشهيدة وداد عصفورة، زوجة المجاهد القسامي محمد الضيف، التي تقول عنها والدتها أنها “أكلت العسل في قعر النار”.

تزوجت وداد القائد محمد بعد سنوات من استشهاد زوجها الأول، الذي ترك لها طفلين، والذي كان هو الآخر من الكتائب. واشترطت على الضيف بقاء طفليها معها.

تزوجته بدون تردد، وهي التي كانت لا تفكر في الارتباط مرة أخرى. قرار اتخذته وهي تعلم كل العلم أنها ستكون على خط النار، وأنها يمكن أن تفقد هذا الزوج كما الأول في أية لحظة، خاصة وأنه المستهدف الأول من طرف “إسرائيل”.

تزوجت وداد القائد الضيف في ظروف أمنية مشددة، حتى أن “إسرائيل” قالت إن الضيف تزوج نصف زواج، مشيرة إلى أنه لن يهنأ بحياة زوجية طبيعية.

لقد كان الضيف وأبو عبيدة والسنوار وغيرهم من أبناء المقاومة فرسان أحلام فتيات غزة، ومنتهى آمالهن أن تظفر واحدة منهن بزوج ينتمي للكتائب. ولا غرو أن تجد صورة للملثم معلقة على حيطان غرفهن بدل المغنين والممثلين والفنانين..

انتظرت وداد عريسها الضيف القادم إليها ببذلة عسكرية بدل الطقم الأسود الرسمي الذي يتزيى به العرسان، ولا شك أن عطره أجمل أريج انبعث في نبض حياتها. وبالرغم من أنها لم تره إلا لماما، فقد كانت تلك الأوقات كافية لتؤسس مشهد حياتهما التي تزينت ببنتين وولد.

أن تكوني غزاوية، فقصص حبك ستُنْسَج على وقع النار، ستودعين حبيبك كل مرة يخرج فيها، ولن تلتقي به إلا بين الحين والحين.

قد تلبسين فستان الزفاف وربما بعدها بأسابيع قليلة ستجدين نفسك بملابس الحداد، وستراقبين بطنك يتكور ببذرة شهيد، ستحافظين على الأمانة، وسيكبر ليكون مشروع شهيد.

أن تكوني غزاوية لن تنظمي نسلك لأنك خُلِقت برحم ولاَّد، ستلدين كل عام طفلا، وربما توأما، لتحفظي سواد غزة ورجالها ونساءها ومجاهديها.

نساء غزة ورجالها وأطفالها ليسوا مثلنا، فهم نسيج وحده؛ اصطفاهم الله للحفاظ على شرف الأمة وحرمة الأقصى..

استشهدت وداد صحبة ابنها علي البالغ من العمر سبعة أشهر في استهداف للضيف، لكنها راحت ضحيته، وهو مصير كانت متيقنة منه منذ اختارت أبا علي زوجا. لكن قصتها، وقصصهم ستبقى مثل الأساطير، تدرس في المدارس والجامعات.. تُحْكى وكأنها ضرب من خيال.

رحم الله الشهداء، وألحقنا بهم غير مبدلين.