قَدِّماني إلى ربي

Cover Image for قَدِّماني إلى ربي
نشر بتاريخ

مادام هناك الراحة والأمان.. قدماني إلى ربي.

مادام هناك البشارة والرضوان.. قدماني إلى ربي.

مادام هناك الروح والريحان.. قدماني إلى ربي.

مادام الحزن والهم يزال.. قدماني إلى ربي.

مُنى ومطلب كل مؤمن صالح الأعمال، يطلبه من ملائكة الرحمن حين يرسلهم ربهم إليه عند انقضاء أجله ليوفدوه على ربه برفق وحنان، وحين يزفوا إليه من أنواع البشارات ما بها تقر عينه فيصبح في عجل من أمره. أخرج ابن أبي الدنيا رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: “إن المؤمن إذا احتضر ورأى ما أعد الله له جعل يتهوع نفسه من الحرص على أن تخرج، فهناك أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا احتضر ورأى ما أعد له جعل يتبلع نفسه كراهية أن تخرج، فهناك كره لقاء الله، وكره الله لقاءه”. و عن ابن جريج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: “إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان؟ قدماني إلى الله تعالى”.

أمان وسلام

سلام كريم يبعثه رب رحيم لمؤمن استبلغت نفسه وكادت أن تفيض، يأبى سبحانه إلا أن يهيئ عبده للقاءه طيبة نفسه بسلام ربه عليه وهو يسلم النفس إلى بارئها بكل طمأنينة وأمان، وكيف لا يطمئن من قرأ عليه ربه السلام.

عن سيدنا أبي مسعود رضي الله عنه قال: “إذا أراد الله قبض روح المؤمن أوحى إلى ملك الموت أقرئه مني السلام، فإذا جاء ملك الموت يقبض روحه قال له ربك يقرئك السلام”.

وعن محمد القرظي رحمه الله قال: “إذا استبلغت نفس العبد المؤمن عاد ملك الموت فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرئك السلام” ثم قرأ هذه الآية” الَّذينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبينَ يَقولُونَ سَلامٌ عَلَيكُم.

وبعد السلام يأمر الله عز وجل الملائكة الكرام بتثبيت عبده ومواساته في أهله، عن مجاهد رحمه الله في قوله تعالى:إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنا اللَهُ ثُمَّ اِستَقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلّا تَخافوا وَلا تَحزَنوا وَأَبشِروا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم توعَدونَ قال ذلك عند الموت.

وقال: “أي لا تخافوا مما تقدمون عليه من الموت وأمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلفتم من أمر الدنيا من ولد وأهل ودين، فإنا نستخلفكم في ذلك كله”. وعن زيد بن أسلم قال: “يؤتى المؤمن عند الموت فيقال له: لا تخف مما أنت قادم عليه، فيذهب خوفه، ولا تحزن على الدنيا ولا على أهلها وأبشر بالجنة، فيذهب خوفه، ولا تحزن على الدنيا، فيموت وقد أقر الله عينه”.

روح وريحان

عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: “تخرج روح المؤمن في ريحانة”، ثم قرأ: فَأَمّا إِن كانَ مِنَ المُقَرَّبينَ فَرَوحٌ وَرَيحانٌ وَجَنَّتُ نَعيمٍ. وعن قتادة رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى:فَرَوحٌ وَرَيحانٌ “الروح والريحان يلتقي بهما عند الموت المؤمن”.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة، وإدبار من الدنيا نزل ملائكة من السماء كأنهم وجوههم الشمس بكفنه وحنوطه من الجنة، فيقعدون حيث ينظر إليهم، فإذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك في السماء والأرض”.

عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “إن المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وعنبر وريحان فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين، ويقال أيتها النفس المطمئنة اخرجي راضية مرضياً عليك إلى رَوح الله وكرامته، فإذا خرجت روحه وضعت على ذلك المسك والريحان وطويت عليه الحريرة وذهب به إلى عليين” [أخرجه البراء].

وعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: وَالسابِحاتِ سَبحاً قال: “أرواح المؤمنين لما عاينت ملك الموت قال اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى روح وريحان ورب غير غضبان، سبحت سبح الغائص في الماء فرحاً وشوقاً إلى الجنة، فَالسابِقاتِ سَبقاً يعني تمشي إلى كرامة الله عز وجل”.

قدماني إلى ربي، كيف لا يقولها من عاين من كرامات ربه ما لا يجود بها إلا رحيم كريم، أرحم بخلقه من أمهاتهم وأرحم ما يكون بعبده في هذا الموقف الجليل.

فاللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وأسعدنا في الدارين، ومتعنا بحسن لقائك.