في ندوة دولية.. ذ. حمداوي يناقش “أخلاقيات وقوانين مواجهة العنف الدولي”

Cover Image for في ندوة دولية.. ذ. حمداوي يناقش “أخلاقيات وقوانين مواجهة العنف الدولي”
نشر بتاريخ

تناول الأستاذ محمد حمداوي رئيس المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري، مداخلته في الندوة الدولية التي أقيمت في برشلونة يوم السبت 24 فبراير 2024 حول موضوع: “ضد الحرب والعنف، لأجل السلام والعدالة الدولية: مقاربات أخلاقية، قانونية، وتاريخية”، والتي اتخذ لها عنوان “الإرادة الفردية والجماعية في تأسيس وتنزيل أخلاقيات وقوانين مواجهة العنف الدولي”، في مقدمة ومحورين، تحدث في الأول عن المواقف النظرية والمبادرات الشخصية لمواجهة العنف الدولي، وفي الثاني عن المسارات الأخلاقية والتشريعية لمواجهته.

أثار المتدخل في المقدمة “مسألة صعوبة إعطاء تعريف معياري للعنف على المستوى الدولي”. فبالنظر إلى مستوى العلاقات الدولية في العالم في القرن الماضي، يقول: “نجدها قد اتسمت بكثافة وحجم العنف المستشري، سواء عنف الحروب الداخلية أو الخارجية، وخاصة الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبعض الحروب الأهلية، أو الحروب المشروعة لإنهاء الاستعمار وتحرير الأوطان وغيرها من النزاعات المسلحة”.

وفي مواجهة هذا العنف المتعدد الأوجه، يضيف حمداوي؛ “لا تزال الاستجابة السلمية لإقرار العدالة على المستوى الدولي ضعيفة، حيث إن ضمان تسوية نزاعات الدول من خلال محكمة العدل الدولية في لاهاي تبدو صعبة المنال”.

مقابل ذلك “تبقى الشعوب والمجتمعات الممزقة والمصابة بالجروح بسبب العنف ترفع مطلب العدالة، ويمكن للقضاء المصحوب بالعفو وإقرار الحقوق والتعويض عن الأضرار أن يقوم بدور رئيسي في حل النزاعات وفي عمليات المصالحة”.

في المحور الأول الذي يتحدث عن المواقف النظرية والمبادرات الشخصية، أقر حمداوي متأسفا أنه “على مدار التاريخ شكلت الحروب أحد الخيارات الغالبة لحل النزاعات، مما أدى إلى تفشي ثقافة الحرب، وتأسيس منطق العنف”.

ففي السياق التاريخي، ساق المتحدث أقوال العديد من الفلاسفة اليونانيين؛ مثل أفلاطون وأرسطو حيث نجد كتبهم رافضة لأي شكل من أشكال العنف. وأيضا الفيلسوف إيمانويل الذي قدم في كتابه “مشروع للسلام الدائم” أفكارا فلسفية تدافع عن قيمة وأهمية السلام العالمي، وجون لوك الذي قال: “حين أرى الظلم في هذا العالم أسلي نفسي بالتفكير في أن هناك جهنم تنتظر الظالمين”… وجيمس بيل، الذي يقول: “العنف يظهر الضعف، بينما اللاعنف يظهر القوة الحقيقية للإنسان”.

ومن أقوال الفلاسفة المسلمين قول ابن رشد: “الجهل يؤدي إلى الخوف، والخوف يؤدي إلى الكراهية، والكراهية تؤدي إلى العنف، هذه هي المعادلة”.

وساق من القرآن الكريم قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْم كَافَّة… ومن الأحاديث النبوية: “ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه”

ومن أقوال الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله قوله في كتاب الإسلام غدا: “وأخص صفات الجاهلية الجهل بمعنى العنف، وما العنف إلا وضع القوة في غير موضعها.”

وخص المتحدث أفكار مارتن لوتر كينغ بمزيد من الذكر باعتباره نموذجا معاصرا مدافعا عن السلام والحقوق، وباعتبار تأثيره على حياة الأميركيين من أصل أفريقي، خاصة في مجالات التعليم والاقتصاد، ونضاله السلمي في سبيل تحقيق المساواة العرقية في الولايات المتحدة..

في المحور الثاني، بسط المتحدث المسارات الأخلاقية والتشريعية لمواجهة العنف الدولي انطلاقا من خمس نقط:

1- عدالة دولية غير فعالة؛ ممثلا لذلك بإفلات عدد من رؤساء الدول من المقاضاة بسبب أعمال عنف قاموا بها، مثل قيصر المانيا ويليام الثاني.. وعجز هيئات دولية مثل عصبة الأمم ومحكمة العدل الدائمة، عن تفعيل المعالجة القضائية فوق الوطنية للعنف بين الدول أو حتى داخل الدول..

2- بعد الحرب العالمية الثانية: بخصوص محاكمة النازيين عن جرائم الحرب التي ارتكبوها أمام محاكم دولية التي طرحها الحلفاء “اتفق الفقهاء والمؤرخون على أن المحاكم العسكرية الدولية التي تم إنشاؤها مارست العدالة لفائدة الفائزين في الحرب” و”لم يتمكن الضحايا من رفع دعوى مدنية”…

3- الوضع الدولي ابتداء من التسعينيات والضرورة القضائية الملحة: حيث “بعد حرب العراق عام 2003، تمت محاكمة صدام حسين أمام المحكمة العراقية الخاصة التي أنشأتها الولايات المتحدة، في تجاهل لمحاكمة دولية محايدة وعادلة. وحُكم عليه بالإعدام  في دجنبر 2006″، ثم “محاكمة الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في إقليم يوغوسالفيا السابقة منذ عام 1991″… غير أنها اتسمت بالتوقيع “على نظام روما الأساسي في يوليوز 1998، والقاضي بإنشاء محكمة جنائية دولية؛ وقد دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في يوليوز 2002 بعد التصديق عليها من قبل 60 دولة”.

4- أدوار جديدة للجهات الفاعلة في العدالة الدولية لتجاوز العراقيل: إذ “عملت بعض الدول على منح نظامها القضائي الوطني آلية قضائية عالمية لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية المفترضين في الخارج” مثل “دولة بلجيكا التي أصدرت قانون عام 1993؛ بموجبه فتحت المجال لما يسمى بالدبلوماسية “الأخلاقية””…

5- المنظمات غير الحكومية، حافز للعدالة الدولية: حيث “برز الدور المهم الذي قام به الرأي العام الدولي عبر المنظمات غير الحكومية في تكريس العدالة الدولية”؛ مثلا في فيينا سنة 1993 “قامت المنظمات غير الحكومية المجتمعة بصياغة إعلان يدعو إلى إنشاء محكمة جنائية دولية”… “وفي المجمل، قامت أكثر من 2000 منظمة غير حكومية (من منظمات حقوق الإنسان، ومناهضة التعذيب، وحقوقيون بلا حدود…) بممارسة الضغط على الدول من أجل التوصل إلى اتفاق…”، فنصبت بذلك نفسها “فاعلا أساسيا في العدالة الدولية”…

6- انتهاكات القانون الإنساني والمسؤولية الفردية: فلئن كانت “مسألة المسؤولية الفردية في أعمال العنف أو الجرائم الجماعية لها أهمية قصوى” إلا أن المحكمة الجنائية الدولية عملت “على متابعة فقط الأفراد الذين يعملون لدى الدول التي صادقت على نظام روما، وهو ما يمكن أن يثير الكثير من الانتقادات حيث ينطوي على مسألة البعد السياسي سواء للتعليمات أو المحاكمات”..

واعتبر الأستاذ حمداوي أنه “ورغم عيوبها الكثيرة جدا… إلا أن وجودها يشكل خطوة مهمة من أجل إقامة عدالة دولية تردع المجرمين عن تنفيذ أعمال العنف أو الأمر بها”.

ليختم مداخلته بالقول: “المهم أن يشق الإنسان دائما عمله ونضاله بكل إرادة وحرص وإخلاص وإصرار ضمن فريق طموح، من أجل الحق والكرامة والحرية والسلام والعدالة”.

لمزيد من التفاصيل هذا نص الكلمة: