في رحاب شعب الإيمان || أُوصِيكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْن

Cover Image for  في رحاب شعب الإيمان || أُوصِيكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْن
نشر بتاريخ

تناول فضيلة الأستاذ محمد عبادي، الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، في هذا المجلس من مجالس شرح ومدارسة كتاب “شعب الإيمان” للإمام عبد السلام ياسين، الحديث رقم 407: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “قَالَ نُوحٌ لِابْنِهِ: إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ وَقَاصِرُهَا كَيْ لَا تَنْسَاهَا، أُوصِيكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ: أَمَّا اللَّتَانِ أُوصِيكَ بِهِمَا فَيَسْتَبْشِرُ اللهُ بِهِمَا، وَصَالِحُ خَلْقِهِ، وَهُمَا يُكْثِرَانِ الْوُلُوجَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، أُوصِيكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَوْ كَانَتَا حَلْقَةً قَصَمَتْهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي كِفَّةٍ وَزَنَتْهُمَا، وَأُوصِيكَ بِسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْخَلْقِ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ، ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾. وَأَمَّا اللَّتَانِ أَنْهَاكَ عَنْهُمَا فَيَحْتَجِبُ اللهُ مِنْهُمَا، وَصَالِحُ خَلْقِهِ، أَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ”.

نبه الأستاذ عبادي بداية أن سيدنا سلمان بن يسار تابعي، وأن الحديث لم يذكر اسم الرجل من الأنصار، ذلك أنه لا يشترط في سند الحديث معرفة الصحابي كي يعلم هل هو ثقة أم لا، لأن الصحابة كلهم عدول فالله عز وجل هو الذي زكاهم، أما التابعون فما دونهم فلا بد من معرفة سيرهم وسلوكهم للحسم في قبول رواياتهم.

ثم تعرض بالشرح لتفاصيل الحديث كما يلي:

“وَقَاصِرُهَا”: أي ألخصها، أي قصيرة غير طويلة. وقد كان الإمام عبد السلام ياسين رحمة الله عليه في آخر كل مجلس يلخص ويوصي بوصايا لتبقى راسخة في البال. كذلك المحاضر، يخوض في تفاصيل كثيرة ثم في النهاية يستخلص النقط الرئيسية والأساسية التي ينبغي أن تبقى راسخة في الذهن.

“أُوصِيكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ”: فالعدد محدود.

“أَمَّا اللَّتَانِ أُوصِيكَ بِهِمَا فَيَسْتَبْشِرُ اللهُ بِهِمَا، وَصَالِحُ خَلْقِهِ، وَهُمَا يُكْثِرَانِ الْوُلُوجَ عَلَى اللهِ تَعَالَى”: الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر عن سيدنا نوح فوائد وصاياه، فهي يترتب عنها أن الله سبحانه وتعالى يفرح بها، وخلقه أيضا. وهذا إغراء بقبول هذه الوصية، فهما يكثران الولوج على الله عز وجل والعبد محتاج أن يدخل على الله تعالى.

“أُوصِيكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَوْ كَانَتَا حَلْقَةً قَصَمَتْهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي كِفَّةٍ وَزَنَتْهُمَا، وَأُوصِيكَ بِسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْخَلْقِ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ”: أوصى بكلمة التوحيد لا إله إلا الله والتسبيح.

والتسبيح هو تنزيه الله عز وجل عن كل الدنس، وتقديسه عن كل ما لا يليق به. وردت فيه أحاديث كثيرة جدا، منها:

“مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ في يومٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ”.

“كَلِمَتَانِ خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم”.

“فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْخَلْقِ”: أي صلاة كل المخلوقات؛ الحجر والمضر والحيوانات والنباتات، فجميع المخلوقات تسبح الله عز وجل. “وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ”، بدليل قوله تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ أي كل شيء، بدون استثناء، إلا ويسبح الله عز وجل، وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، وهذا من رحمة الله عز وجل، فلو أن الإنسان أخذ – مثلا – حجرا (أو ورقة) ليستنجي به وهو يسبح، فكيف يمكن أن يفعل؟

والتسبيح ينبغي أن نذكر الله به قبل الشروق وقبل الغروب؛ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، أي بعد العصر. فعلى المؤمن أن يخصص أوقاتا قبل الصبح وقبل المغرب يسبح الله عز وجل فيها.

“وَأَمَّا اللَّتَانِ أَنْهَاكَ عَنْهُمَا فَيَحْتَجِبُ اللهُ مِنْهُمَا، وَصَالِحُ خَلْقِهِ، أَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ”: الشرك ضد التوحيد، ضد لا إله إلا الله، وبما أنه أوصاه بلا إله إلا الله فقد يقول قائل إنه كان كافيا، لكن لا بد من الإيمان والكفر؛ الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، فكذلك هنا.

وضرر هاتين الخصلتين؛ “يَحْتَجِبُ اللهُ مِنْهُمَا”، ويحتجب سبحانه وتعالى عنك، فلا ينظر إليك ولا يهتم بك ولا يراعي شأنك، وهذه أعظم عقوبة يتعرض لها الإنسان كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ، “ثلاثةٌ لا ينظرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إليهم يومَ القيامةِ”. “وَصَالِحُ خَلْقِهِ”، ليس معناه أن المشرك لن ينظر إلى المؤمنين، أي أن المؤمنين يحتجبون عنه، المعنى أنهم لا يعطفون عليه، لا يبالون به، لا يعطونه قيمة لأنه كفر بالله تعالى عز وجل.

“أَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ”؛ لأن المتكبر يرفضه الناس، والمؤمن متواضع هين لين ألف مألوف يقبل الناس عليه، ولكن المتكبر المتعجرف يفر منه الناس ولا يبالون به، لأنه يضاهي الله تعالى في صفاته، لأن الكبرياء من صفات الله تعالى، فيحرم على العبد أن يشاركه عز وجل في صفاته. وجزاء الكبر أن يبعثه الله تعالى أصغر ما يكون، كالنمل الصغير؛ “يُحشَرُ المتكبِّرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ” يطؤهم الناس بأقدامهم، كان يطأ هو بكبره خلق الله فجزاءً وِفاقا يبعثه الله سبحانه وتعالى على هذه الصورة الحقيرة الدنيئة والناس يدوسون عليه إهانة واحتقارا.

نعوذ بالله من الشرك والكبر.