في رحاب الهجرة

Cover Image for في رحاب الهجرة
نشر بتاريخ

في صحراء قاحلة .. خرج الصاحبان ..
يلتفتان وراءهما .. ينظران إلى مراتع الصبا و الشباب ..
يودعان وطنا ضاق بهما وبدعوتها ..
التفت الأول إلى سلطان جده وعزه .. يتذكر أمجاد بني هاشم .. يستحضر رفادتهم وسقايتهم ..
تحنو نفسه إلى تلك الشعاب التي شب فيها .. وخرج منها مكرها ..
ترنو عينيه إلى مستقر زوجه ورفيقة دربه التي صاحبته في مسيره .. فيفتقد حضورها وحضنها ..
يستغرب ظلم القريب وتجهمه .. وتبش نفسه لنصرة الغريب ومؤازرته ..

أما الثاني فكان منتشيا بصحبة خاصة خالدة .. اكتفى فيها بالخل عن الدنيا ..
كفاه الصاحب ألم الفقدان ووعثاء الطريق ..
كأن الهجرة شيء من نعيم الجنة بالنسبة إليه ..
في رحلة دامت أياما وأياما .. حمى الله فيها حبيبه وسخر لحمايته الإنس والجن والجماد ..
نسجت العنكبوت خيوطها في فوهة الغار .. ووضعت الحمامة عشها فوق بابه .. وغاصت قوائم الخيل في رمل الصحراء رافضة اقتفاء آثاره ..
وهناك في طيبة الطيبة خرجت جموع المحبين تنتظر قدوم الحبيب .. تتلهف لاستقباله .. تعد الدور لاستضافته. وتزينت الجواري جذلى للقائه ..
صاحبان يسبقهما نورهما .. ومسك الحبيب فاح من قباء ..
فوصل شذاه أطراف المدينة ..
أنصار نصروا وآووا وآثروا المال والنفس فداء للحبيب والدعوة المباركة .. ومهاجرون بذلوا وخرجوا من ديارهم مودعين أهاليهم.. مخلفين وراءهم المال والأهل دفاعا عن الحق وإحقاقا له ونصرة لدين الله ..
فكان لهم أجر السبق ..
وكانوا هم السابقون السابقون .. المقربون في الأرض وفي السماء ..
هجرة خالدة أرخت للمسلمين بداية النور وانحسار الظلام ..
فنورت المدينة بنور الحبيب وكانت مكان مضجعه الشريف ..
وسطرت أروع قصص الوفاء والإيثار على مر التاريخ ..
فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته كما صليت على سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد..
ورضي الله عن الصاحبين العظيمين أبي بكر وعمر وسائر الصحابة والصحابيات الكرام.. ورضي الله عن ساداتنا من المهاجرين والأنصار وجمعنا بهم في مستقر رحمته ..