فلسفة العمل السياسي لجماعة العدل والإحسان

Cover Image for فلسفة العمل السياسي لجماعة العدل والإحسان
نشر بتاريخ

تمهيد

يستعصي فهم العمل السياسي لجماعة العدل والإحسان، عند بعض المتتبعين والملاحظين، فتخونهم أحيانا بضاعتهم الأكاديمية في الإمساك بخيوط التدافع السياسي للجماعة، وقد يصدر عنهم تقييم بعيد عن الموضوعية، فيتهمونها بالقصور وبالتطرف أحيانا، أو بالدروشة والانتظارية أحايين أخرى، ولعل هذه التقييمات المتضاربة المتناقضة، تعطينا صورة جلية، عن قصور زاوية النظر وخلل ما هنالك في المرجعية المعيارية التي على أساسها يكون الحكم.

إن التقييم الموضوعي للعمل السياسي عند جماعة العدل والإحسان، يتطلب فهم المشروع التجديدي التغييري الذي طرحه الأستاذ عبد السلام ياسين في كتبه وأشرطته وشروحاته، ويواصل تلامذته فهمه وتفهيمه، كما تعمل مؤسسات الجماعة على تنزيله، انطلاقا مما بات يعرف في أدبيات الجماعة بفقه التنزيل، وهو ببساطة العلم بكيفية تنفيذ المنهاج النبوي، في التربية والتنظيم والزحف، ومستقبلا العلم بتنفيذ وأجرأة اجتهادات الجماعة في العلاقة التي يجب أن تكون بين مؤسسة الدعوة ومؤسسة الدولة.

كما يحتاج التقييم الموضوعي، استيعاب المشروع السياسي للجماعة في بعده المرحلي، فهناك أفكار صالحة لمرحلة بعينها، وهناك أفكار صالحة لمرحلة أخرى، لازالت لم تنضج شروطها بعد، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية التي تعرفها أنشطة الجماعة، من حصار شامل ومن قلة ذات اليد…..

كما أن هناك ضابطا آخر يجب أن يتفطن له الجميع، هو أن ما كتبه الأستاذ عبد السلام ياسين لم يكتبه للجماعة فقط، وإنما للأمة الإسلامية عامة والحركة الإسلامية خاصة، وهكذا فهو إرث للأمة، ويا ليت شعري كيف يستقبل إخواننا في دول أخرى من مرجعيات وانتماءات شتى كتب هذا الرجل المجدد. وكيف يلتهمونها قراءة وسؤالا وطلبا لنسخ منها، وخذ معي كتبه واقرأها ستجد أن الخطاب موجه للعموم وللطليعة المجاهدة العاملة على إحياء الأمة والانتقال بها من مرحلة الصحوة إلى مرحلة القومة.

ضابط آخر مهم يتمثل في الاستيعاب الحقيقي، لما دأبت الجماعة على ترديده، بأن السياسة ما هي إلا جزء من اهتماماتها، فليست حرفتها السياسة ولا دينها الانزواء.

إن التسلح بهذه الضوابط، إذا كان معه شرط توخي الموضوعية، سيثمر لا محالة فهما دقيقا للعمل السياسي عند جماعة العدل والإحسان، ينطلق من استقراء الأساس النظري ومقارنته مع العمل الميداني التدافعي في بعده المرحلي وظروفه التنفيذية.

وهذا القول ليس دعاية للكمال النظري والمثال التنفيذي، بل هو بوابة للتقييم العلمي القائم على إبراز مواطن القوة ومكامن الضعف، دون إفراط ولا تفريط.

بعد هذا التمهيد أقدم بين يدي القارئ الكريم رؤوس أقلام في فلسفة العمل السياسي عند جماعة العدل والإحسان، وسأتناول الموضوع انطلاقا من النقط التالية:

1. المرجعيات

2. فقه التنزيل

3. الآفاق

4. الفعل السياسي.

1- المرجعيات

سر قوة جماعة العدل والإحسان وتماسكها تصورا وتنظيما، يعود إلى منهجية راسخة في مشروعها التغييري، تتمثل في أسبقية النظرية على الممارسة، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه الإسلام غدا 1 إن من سبقونا من المجاهدين كانوا لا يحبون أن تسبق النظرية الممارسة مثلما يوصي سيد قطب، فكان جهادهم جهادا تجريبيا يواجهون كل يوم بمشاكله ويعدلون ويصلحون ولا يتجاوزون الخط العادي إلى مدى حياتهم وفي نطاق مهمة شخصية يؤدونها، ولما لم يكن لهم منهاج للعمل متكامل تدول من بعدهم الدولة وينسى الجهاد وينسى التجديد) 2 .

وعليه فأي عمل تقدم عليه الجماعة يستند في شوراه وتنزيله على ثلاث مرجعيات:

المرجعية المنهاجية

هي الأصل الثابت والمنظار الشامل، و تتمثل في الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومحصلة ذلك في الاجتهاد الذي بسطه الأستاذ عبد السلام ياسين في كتبه، ومن المفاهيم الخاصة بالعمل السياسي: عصيان الظالمين، قول الحق، الرحمة والحكمة، النصيحة، التدرج، الميثاق، الحوار….

المرجعية التاريخية

وتتمثل في الاعتبار والاستفادة من كتاب التاريخ سواء العالمي أو الخاص بالأمة الإسلامية أو التاريخ المحلي للمغرب الأقصى، كيف انقلب الحكم من خلافة إلى ملك؟ كيف تعطلت الشورى وحل الاستبداد؟ كيف وقع الانحراف الخطير في تاريخ الأمة؟ كيف انتقل بعض العلماء من قائمين على الظلم إلى مشرعنين للاستبداد؟ كيف غيبت إرادة الأمة برجالها ونسائها؟…… ومحليا: ما هو المخزن؟ كيف يحكم؟ كيف يخترق؟ كيف احتوى هذا وطمع الآخر؟ كيف يتغير من أجل أن لا يتغير شيء؟…

ولعل هذه الأسئلة تحمل في طياتها إجابات شافية لمن يعتقد بالعمل السياسي من داخل اللعبة والبنية المغلقة، وليتصفح السنن الكونية والنواميس المحركة للفعل البشري، وليرى كيف أن علماء كبارا أرادوا أن يصلحوا من الداخل فشرعنوا للاستبداد، وأحزاب وجماعات كلها دخلت الطاحونة ودارت عليها الرحى حتى اتخذت قالبا محددا وأضحت صالحة للعبة الشطرنج.

المرجعية الواقعية

لا حكمة لمن لم يستفد من الدروس السابقة، ولا فطنة لمن لم يستوعب معطيات الواقع وتفاصيله وخصائصه، ثم بعد ذلك يتخذ قرارات مناسبة، تجعل من الرمية لا تتجاوز الهدف وتجعل من الثمار والنتائج محمودة أو مقبولة.

2- فقه التنزيل

العمل السياسي لجماعة العدل والإحسان يقوم على أربعة قواعد:

القاعدة الأولى: الفعل الشرعي وانتظار القدر الكوني

وهي قاعدة قرآنية ربانية منهاجية على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعني فعل ما أمر الله ورسوله، وانتظار أقداره الكونية: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (الروم الآية 47)، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد: الآية 7).

وأضرب مثالا على ذلك، فالخروج في مظاهرات 20 فبراير هو اجتهاد وشكل من أشكال الخروج على الظالمين وعصيان المسرفين المفسدين، لكن النتائج هي من تدبير الخالق سبحانه وتعالى هو يعلم كيف ينزل قدره الكوني وهو التمكين لعباده الصالحين.

القاعدة الثانية: الاقتحام

ومعنى الاقتحام لغة توسط شدة مخيفة و عمليا اقتحام عقبات النفس والظلم والقمع والخوف و الحصار… وهذا باد للعيان حيث أن الجماعة حينما تعزم على عمل إشعاعي أو سياسي تعمل على تنفيذه، رضي من رضي وسخط من سخط، مهما كانت العقبات ومهما مكر الظالمون، وما لايدرك كله لا يترك جله.

القاعدة الثالثة: الاقتصاد

الاقتصاد في الجهد والعمل والوصول إلى أهداف كبرى بتكاليف أقل، وتاريخ الجماعة شاهد على ذلك حيث أنها دائما في تطور وكل فعل سياسي كبير يقطع بها مسافات، وحضورها في الداخل والخارج وتوسعها وانضباطها شاهد على ذلك.

القاعدة الرابعة: العقلانية

أو التؤدة بالمفهوم المنهاجي، ومن العقلانية عدم التسرع وتدبير المرحلة باستيعاب معطياتها وتقدير مقتضياتها.

3- أفق العمل السياسي

1. الأفق الاستراتيجي

ويتمثل في تبني نظرية الخلافة باعتبارها نظاما شرعيا ووعدا نبويا وضرورة تنظيمية لوحدة الأمة وانبعاثها كخير أمة أخرجت للناس.

2. الأفق المحلي

تبني مشروع الدولة المدنية، أي دولة المؤسسات والشورى والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وصيانة حقوق الناس ورعاية مصالحهم وتدبير معاشهم، وذلك بمرجعية الشعب المغربي التي لا يختلف اثنان بأنها الإسلام، إلا من أراد أن يصطاد في الماء العكر وأراد أن يحجب الشمس بالغربال.

ولا يتسع هذا المقال للحديث عن الدولة المدنية كما فهمناها من المشروع التجديدي للأستاذ عبد السلام ياسين، ولكن أنصح بقراءة كتاب العدل وكتاب الإسلام والحداثة، والنظر خاصة في العلاقة التي ينبغي أن تكون بين مؤسسة الدعوة ومؤسسة الدولة، وهو شكل فريد لن تجد له نموذجا لا في الشرق ولا في الغرب اللهم ما كان قد باشر بناءه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أجمعين.

4- الفعل السياسي

لا يخرج الفعل السياسي لجماعة العدل والإحسان عن أمرين:

النصيحة

وهي شاملة للحاكم كما هو الحال في مذكرة لمن يهمه الأمر، وللأحزاب والنخب السياسية كما هو الحال في وثيقة جميعا من أجل الخلاص، والنصيحة الرسالة التي وجهتها الجماعة إلى قيادة حزب العدالة والتنمية محذرة إياهم من الانخراط في اللعبة السياسية…

التدافع

وذلك بالمظاهرات المختلفة وفضح المفسدين وقول الحق وإقامة أنشطة البناء والاستعداد المختلفة التربوية والسياسية والتأطيرية… رغم الحصار والقمع المخزني.

يبقى في الأخير أن أشير أن ما كتبه هذا الرجل هو إرث للجميع لا يخص جماعة العدل والإحسان لوحدها فهلموا اقرؤوه لا تكتفوا بالسماع عنه من الجرائد والأقلام المسخرة المأجورة، ستجدون صورة مخالفة لما تسمعون، وستحسون بحرارة حينما تجلسون لتقرؤون حرارة رجل يريد الخير للجميع، كلامه القرآن الكريم وأحاديث رسول رب العالمين، بشارة لأمة سيدنا محمد ونذارة للظالمين أن يتوبوا عن ظلمهم إنه هو التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1] كتب هذا الكتاب سنة 1973 أي قبل نشأة الجماعة بسنوات.\
[2] الإسلام غدا: العمل الإسلامي وحركية المنهاج النبوي في زمن الفتنة، ص 473.\