فضل عمارة المساجد وآدابها

Cover Image for فضل عمارة المساجد وآدابها
نشر بتاريخ

‎من المظاهر المألوفة في شهر رمضان المبارك ازدحام المساجد بالمصلين من كافة الأعمار؛ سواء لأداء الصلوات الخمس المفروضة أو صلاة التراويح أو لقراءة القرآن أو حضور دروس العلم وغيرها.

‎وعمارة المساجد من أجلّ الأعمال وأعظمها عند الله سبحانه وتعالى، لأن المسجد أحب البقاع إليه عز وجل، جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أَحَبُّ البِلَادِ إلى اللهِ مَسَاجِدُهَا” 1. وقد ورد في الكتاب والسنة آيات وأحاديث تبين مكانة المسجد وحرمته عند الله، منها قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا 2، ومن الأحاديث النبوية ما جاء في الطبراني من حديث سلمان مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد فهو زائر الله تعالى، وحق على المزور أن يكرم الزائر”، ‎ وذكر عليه الصلاة والسلام من السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة “رجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمسجدِ”، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ غَدَا إلى المسجدِ أو رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ”.

‎فإذا كان حضور المساجد بهذه المنزلة، فحري بقاصدي بيوت الله أن يتحلوا بأشرف الصفات وأحسن الآداب، من منطلق الإيمان والطاعة والمحبة لله ورسوله. ‎ومن جملة هذه الآداب:

‎- الحرص على نظافة الباطن بالتوبة والاستغفار، وطهارة الظاهر بالتجمل على قدر الاستطاعة من ثياب وطيب وسواك، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 3.

– ‎تقديم الرجل اليمنى عند الدخول إلى المسجد واليسرى عند الخروج منه، عن أنس رضي الله عنه قال: “من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى”.

– ‎الدعاء عند دخول المسجد كما ورد في الحديث النبوي: “إذا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوابَ رَحْمَتِكَ، وإذا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ” 4.

– السلام على من في المسجد ولو كان يصلي. فعن ابن عمر عن صهيب رضي الله عنهما قال: “مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه، فرد علي إشارة بأصبعه” 5.

– ‎صلاة تحية المسجد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين” 6.

– ‎تسوية الصفوف وإتمامها، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سَوُّوا صُفوفَكم؛ فإنَّ تسويةَ الصَّفِّ مِن تمامِ الصَّلاةِ” 7، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة وبنى له بها بيتا في الجنة” 8.

‎- عدم إيذاء المصلين بسلوكات مشينة مثل تخطي الرقاب، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال للذي رآه يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة: “اجلس فقد آذيت” 9.  

‎وكذلك رفع الصوت بالدعاء والقراءة مع الإمام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا إنَّ كلَّكم مُناجٍ ربَّه، فلا يُؤذِينَّ بعضُكم بعضًا، ولا يرفعَنَّ بعضُكم على بعضٍ بالقراءةِ. أو قال: في الصلاةِ” 10.

‎ومن السلوكات المنهي عنها أيضا المرور بين يدي المصلي، فعن أبي جهيم بن الحارث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه” 11.

‎وكذلك أن لا يحجز مكانا في المسجد، لأن الناس في بيوت الله سواء، ولا أحقية إلا للمتقدم، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنْ يوطِّنَ الرجلُ المكانَ في المسجدِ كما يوطِّنُ البعيرُ” 12.

‎إن الالتزام بهذه الآداب من شأنه أن يخرج لنا جيلا يستحق وصفه بأهل المسجد وعمار بيت الله، أهل ذكر وتسبيح، وأهل ترقب ورجاء في الله العظيم الكريم، سيرا على نهج  الرعيل الأول من الصحابة الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخرجوا من المسجد، فكان بيت الله محضن الرجال ومدرسة العلماء ومحراب المتبتلين. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “ومن المسجد تنطلق الفضائل، وتتوحد الجهود. قبلة واحدة، وقرآن واحد، وإرادة متعاونة، وعبء مشترك. خمس صلوات تجمع، وجمعة وخطبة، ونظام لا يتقوقع في الذات الخاصة، وسريان الدعوة من الأقرب إلى الأقرب. في المسجد يعقد لواء الجهاد، ومن قدسيته وجامعيته يكتسب الميثاق قدسية وجامعية” 13.

هي آفاق بعيدة ترجى من المسجد ومن تربية المسجد ومن روح المسجد، ترمي بظلالها على الأوطان الإسلامية، فكما يوحد المسجد الأبدان في صف الصلاة كذلك يوحد القلوب ويرمم الصدع ويلم الشتات ويحيي الموات بإذن الله تعالى.


[1] صحيح مسلم، 671.
[2] الجن، 18.
[3] “إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ مَنْ تُزُيِّنَ لَهُ”
[4] صحيح مسلم، 713.
[5] سنن أبي داود.
[6] أخرجه البخاري، 1167.
[7] أخرجه البخاري (723)، ومسلم (433).
[8] رواه الطبراني في الأوسط.
[9] رواه أبو داود.
[10] أخرجه أبو داود (1332)، وأحمد (11896).
[11] رواه البخاري ومسلم.
[12] سنن أبي داود، 862.
[13] عبد السلام ياسين، محنة العقل المسلم، ط 2018/4، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، ص 61.