علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومقتضياتها

Cover Image for علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومقتضياتها
نشر بتاريخ

من مختارات الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى

قال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ  1. قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: “أي ليس الطريق إلى محبة الله إلا اتباع حبيبه، ولا يتوصل إلى الحبيب بشيء أحسن من متابعة حبيبه، ذلك رضاه”.

قال ابن تيمية رحمه الله: “جعل محبتهم لله موجبة لمتابعة رسوله، وجعل متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم موجبة لمحبة الله لهم”. وقال: “فاتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته باطنًا وظاهرًا هي موجب محبة الله، كما أن الجهاد في سبيله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه هو حقيقتها (…) وكثير ممن يدعي المحبة هو أبعد الناس من غيره عن اتباع السنة، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله”.

وقال القاضي عياض رحمه الله: “فمن اتصف بهذه الصفة يعني الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو كامل المحبة لله ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة ولا يخرج عن اسمها، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم للذي حدَّه في الخمر فلعنه بعضهم وقال: ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله”. وقال الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 2.

قال ابن تيمية رحمه الله: “ما من مؤمن إلا وهو يجد في قلبه للرسول من المحبة ما لا يجد لغيره، حتى إنه إذا سمع محبوبًا له من أقاربه وأصدقائه يسب الرسول هان عليه عداوته ومهاجرته بل وقتله لحب الرسول، وإن لم يفعل ذلك لم يكن مؤمنًا”.

وقال القاضي عياض رحمه الله: “وهؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم قد قتلوا أحِباءهم وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته صلى الله عليه وسلم، وقال له عبد الله بن عبد الله بن أُبي: “لو شئت لأتيتك برأسه”، يعني أباه”.

وقال ابن القيم رحمه الله: “فمُحبّ الله ورسوله يغار لله ورسوله على قدر محبته وإجلاله، وإذا خلا قلبه من الغيرة لله ولرسوله فهو من المحبة أخلى وإن زعم أنه من المحبين، فكذب من ادّعى محبة محبوبٍ من الناس وهو يرى غيره ينتهك حُرْمَةَ محبوبه ويسعى في أذاه ومساخطه، ويستهين بحقه ويستخف بأمره وهو لا يغار لذلك، بل قلبه بارد، فكيف يصحّ لعبد أن يَدَّعي محبة الله وهو لا يغار لمحارمه إذا انتُهكت، ولا لحقوقه إذا ضيِّعت. وأقل الأقسام أن يغار له من نفسه وهواه وشيطانه، فيغار لمحبوبه من تفريطه في حقه وارتكابه لمعصيته.

وإذا ترحَّلت هذه الغيرة من القلب ترحلت منه المحبة، بل ترحل منه الدين وإن بقيت فيه آثاره، وهذه الغيرة هي أصل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي الحاملة على ذلك، فإنه إنما يأتي بذلك غيرة منه لربه، ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى علامة محبته ومحبوبيته الجهاد فقال الله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 3.

أخرج الترمذي والطبراني رحمهما الله عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: “أَحِبّوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي”. قال ابن تيمية رحمه الله: “ليس للخلق محبة أعظم ولا أكمل ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم، وليس في الوجود ما يستحق أن يحَبَّ لذاته من كل وجه إلا الله تعالى، وكل ما يُحَبُّ سواه فمحبته تبع لحبه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يحَبُّ لأجل الله ويُطاع لأجل الله ويُتَّبع لأجل الله”.

أخرج الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهَ اللهَ في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا من بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه”. قال البيهقي رحمه الله: “ويدخل في جملة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب أصحابه لأن الله عز وجل أثنى عليهم ومدحهم (…) وإذا ظهر أن حب الصحابة من الإيمان فحبهم أن يعتقد فضائلهم، ويعترف لهم بها، ويعرف لكل ذي حق منهم حقه، ولكل ذي غِنًى في الإسلام منهم غناه، ولكل ذي منزلة عند الرسول صلى الله عليه وسلم منزلته، وينشر محاسنهم، ويدعو بالخير لهم، ويقتدي بما جاء في أبواب الدين عنهم، ولا يتبع زلاتهم وهفواتهم (…) ويسكت عما لا تقع ضرورة إلى الخوض فيه مما كان بينهم”.

أخرج البيهقي وأبو نعيم رحمهما الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف.”قال المناوي رحمه الله: “من سره أن يحب الله ورسوله أي: من سره أن يزداد من محبة الله ورسوله فليقرأ القرآن”.

أخرج الترمذي رحمه الله عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: “قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! والله إني لأحبك، قال: “انظر ماذا تقول”، قال: والله إني لأحبك، قال: “انظر ماذا تقول، قال: والله إني لأحبك (ثلاث مرات) فقال: “إن كنت تحبني فأعِدَّ للفقر تِجْفافًا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه”.

قال المباركفوري رحمه الله: قوله: “انظر ماذا تقول” أي: رمت أمرًا عظيمًا، وخطبًا خطيرًا، فتفكر فيه، فإنك توقع نفسك في خطر، وأي خطر أعظم من أن يستهدفها غرضًا لسهام البلايا والمصائب، فهذا تمهيد لقوله صلى الله عليه وسلم: “فأعد للفقر تجفافًا” (فأعد) أي: فهيِّئ (للفقر) أي: بالصبر عليه، بل بالشكر والميل إليه “تِجْفافًا” أي: درعًا وجُنة. فمعنى الحديث: إن كنت صادقًا في الدعوى ومحقًا في المعنى فهيئ آلةً تنفعك حال البلوى، فإن البلاء والولاء متلازمان في الخلا والملا، ومجمله أن تُهيَّأ للصبر خصوصًا على الفقر لتدفع به عن دينك بقوة يقينك ما ينافيه من الجزع والفزع، وقلة القناعة وعدم الرضا بالقسمة(…) “من السيل” أي: إذا انحدر من علو “إلى منتهاه” أي: مستقره في سرعة وصوله، والمعنى أنه لا بد من وصول الفقر بسرعة إليه، ومن نزول البلايا والرزايا بكثرة عليه، فإن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، خصوصًا سيد الأنبياء، فيكون بلاؤه أشد من بلائهم، ويكون لأتباعه نصيب على قدر ولائهم.

أخرج الإمام أحمد والبيهقي رحمهما الله عن سعيد بن أبي سعيد أن أبا سعيد رضي الله عنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فقال صلى الله عليه وسلم: “اصبر يا أبا سعيد، فإن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل من أعلى الوادي ومن أعلى الجبل إلى أسفله”.

وأخرج البزار رحمه الله عن أنس رضي الله عنه قال: “أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني أحبك، فقال: “استعدَّ للفاقة”.

وأخرج مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مِن أشد أمتي لي حبًّا ناس يكونون بعدي يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله”.