طوفان الأقصى وتجديد اليقين في نصر الله

Cover Image for طوفان الأقصى وتجديد اليقين في نصر الله
نشر بتاريخ

إخبار إلهي

يقول الله تعالى في محكم تنزيله: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا. صدق الله العظيم. سورة الإسراء الآيات 5-6-7.

سبحانك ما أعظمك. سبحانك؛ قولك الحق، وسنتك ماضية في كونك لا تحابي أحدا. سبحانك أمددت بني إسرائيل بأموال وبنين حتى أصبح اليهود يتحكمون في اقتصادات جل دول العالم، سبحانك جعلتهم أكثر نفيرا حتى أصبحت أقوى جيوش العالم تناصر اليهود وتتداعى لحمايتهم، سبحانك وفقت عبادا لك مؤمنين صادقين أدخلوا الرعب في قلوب الصهاينة الغاصبين من خلال معركة طوفان الأقصى، أدخلوا البهجة في قلوب المسلمين، وبعثوا الأمل في نفوس شباب هذه الأمة، وجددوا يقين الأمة بأن تحرير القدس قادم، وأن رحيل الصهاينة الغاصبين مسألة وقت فقط.

سبحانك تمهل ولا تهمل، في وقتٍ ظن الصهاينة أنهم قادرون على فعل أي شئ دون حسيب ولا رقيب، ولا يهمهم القانون الدولي ولا المنظمات الإنسانية أو القيم والمبادئ أو المقدسات، جاءت معركة الأقصى لتظهر للعالم أن دولة الصهاينة أوهن من بيت العنكبوت، وأن جيش الاحتلال أضعف جيش في العالم، وأن المحتل الغاصب أشد الناس خوفا ورعبا. جاءت معركة الأقصى لتعلم الناس أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وأن الإيمان بالقضية والتفاني في خدمتها يثمر نصرا وتوفيقا رغم الحصار والدمار، وأن التوكل على الله واليقين في نصره مع سنة الأخد بالأسباب يثمر نصرا كبيرا وفتحا مبينا وسكينة وطمأنينة في صفوف المجاهدين وجنة عرضها السموات والأرض تنتظر الشهداء منهم.

بشرى نبوية

روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود”. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المسلمون اليوم في غزة العزة يقاتلون اليهود نيابة عن الأمة، يدافعون عن المسجد الأقصى بأرواحهم ودمائهم، عباد لله مرابطون في بيت الله حماية له من تدنيس الصهاينة، عباد لله حاملون لكتاب الله أغلى أمانيهم الشهادة في سبيل الله، خططوا ونفذوا بإحسان وإتقان منقطع النظير معركة الأقصى، فكان النصر والتوفيق حليفهم، بل وكانت العزة والكرامة للأمة الإسلامية جمعاء، وكان الرعب والخوف والذل والهوان للمستكبرين الظالمين جميعا.

يقين متجدد

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تعلموا اليقين كما تعلَّمون القرآن حتى تعرفوه فإني أتعلمه”.

إن ما يقع اليوم في فلسطين الحبيبة من قصف ودمار، وقتل للأطفال والنساء والشيوخ، قصف يشمل المدارس والمساجد والكنائس، بل وحتى المستشفيات، لا ينبغي أن ينسينا وعد الله لنا بالنصر والتمكين متى كنا لله عبادا طائعين، لا ينبغي ليقيننا في الله أن يتأثر بما تعرفه غزة العزة من دمار ونقص في كل شيء حتى الماء والدواء، يكفي غزة شرفا أن قلوب الملايير من المسلمين معها وتود لو أنها مكانها، يكفي غزة ورجال غزة الشجعان أنهم كسروا شوكة جيش الاحتلال وهزموهم شر هزيمة، يكفي القسام شرفا أنهم زرعوا الرعب في قلوب الصهاينة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت واستشعروا أن زوال دولة “إسرائيل” مسألة وقت فقط، يكفي القسام شرفا وعزة أنه جعل أقوى دول العالم تحرك جيوشها وأسلحتها من أجل حماية “إسرائيل” من رجال المقاومة الأشاوس، وهذا لعمري دليل قاطع وبرهان ساطع على الرعب الذي سببته معركة طوفان الأقصى في قلوب جبابرة العالم من جهة، وحجم الضعف والهوان والتشتت والتشرذم الذي تعيشه دولة الاحتلال من جهة ثانية.

إن معركة طوفان الأقصى جعلت المحتلين يجمعون حقائبهم ويستعدون ليوم الرحيل، فها هي بلدات ومدن محتلة في غلاف غزة هجرها المستوطنون خوفا من المقاومة، بل وحتى عاصمة دولة الاحتلال لم تعد آمنة من صواريخ المقاومة، حتى عجزت حكومة الاحتلال عن إيجاد مكان آمن تجتمع فيه، أي رعب هذا قدفه الله في قلوبهم، وأي نصر هذا كتبه الله لرجال المقاومة الشجعان، أي عزة هذه كتبها الله للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله رحمة واسعة دائمة: “الطوفان حتمية تاريخية، الطوفان سنة الله تجرف الاستكبار عندما يعتدي الاستكبار ويتعدى وتأخذه العزة بالإثم” 1.

قبل معركة طوفان الأقصى المباركة كانت غزة محاصرة بحرا وبرا وجوا، وكان المسجد الأقصى يدنس كل يوم بدخول الصهاينة الغاصبين، والضفة يعتقل الاحتلال شبابها وتعنف نساؤها أمام أنظار العالم، ولا حسيب ولا رقيب، بل والأنظمة العربية سائرة في طريق التطبيع وتوقيع الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية والتجارية والعسكرية والرياضية أيضا، بل وتسارع بعض الأنظمة الزمن من أجل توطيد العلاقة مع الكيان الصهيوني لحماية الكراسي وضمان استمرارية الحكم.

وجاءت معركة طوفان الأقصى المباركة لكي تغير المعادلة وتصبح “إسرائيل” الدولة القوية بسلاحها وجيشها ومالها وعلمها، تستنجد وتطلب الحماية من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وأصبح المحتل خائفا يترقب، وأصبح المطبع نادما متحسرا يرى بأم عينه أن الكيان الصهيوني غير قادر على حماية نفسه فكيف يحمي غيره.

الاحتلال الصهيوني طغى وتجبر وتجاوز كل الخطوط الحمراء، بل وداس على كل القيم والمبادئ الكونية والمواثيق والقوانين الدولية، يقول بلسان حاله كما قال الفرعون: “أنا ربكم الأعلى”، فجاء طوفان الأقصى، سنة الله في كونه، ليجعل المستكبر مجرد قزم لا حول له ولا قوة.

أنظمة الاستكبار العالمي أخذتها العزة بالإثم وتمادت في ظلمها وطغيانها واستنزافها لثروات ومقدرات الشعوب المستضعفة، معتدة بعلمها وسلاحها وقوتها، فجاء طوفان الأقصى ليقول بأن الشعوب قادرة على التحرر والاستقلالية، قادرة على صناعة سلاحها وغذائها بالاعتماد على سواعد أبنائها وخبرة شبابها، دون الحاجة لمساعدة دول الاستكبار، بل ورغم الحصار لسنوات طوال.

الأنظمة المطبعة مع الكيان الصهيوني ظنت أن الأمان والاستقرار واستمرارية الحكم تتحقق بمساعدة الكيان الصهيوني، لأنه أكثر مالا وسلاحا وأكثر نفيرا، وجاء طوفان الأقصى ليقول للأنظمة المطبعة إن الكيان الصهيوني عاجز، غير قادر على حماية نفسه، وإن الأمن والاستقرار يتحقق بالعدل والكرامة والعدالة الاجتماعية، يتحقق بإرجاع الكلمة للشعب ليختار من يحكمه ويستفيد من ثروات وخيرات بلاده.

على سبيل الختم

إن طوفان الأقصى أخرج الشعوب الإسلامية إلى الساحات والشوارع في مسيرات مليونية دفاعا عن الأقصى ومساندة وتضامنا مع غزة العزة، ولسان حالهم يقول: “تحريرك يا فلسطين مرتبط بتحررنا من سلطة الظلم والاستبداد، بتحررنا من ويلات التخلف والتقهقر والتبعية للاستكبار العالمي. تحريرك يا فلسطين مرتبط أشد الارتباط بقدرتنا على صناعة سلاحنا ودوائنا وغذائنا، بقدرتنا على تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال السياسي”.

إن طوفان الأقصى بعث الأمل في نفوس الشعوب الإسلامية، وجدد يقينها في نصر الله وتمكينه لعباده الصالحين، فلا نيأس ولا نقنط من رحمة الله، رغم القصف والدمار، رغم أن عدد الشهداء يزداد كل نهار، رغم أن غزة وحيدة وأعوان الصهاينة كثر، فالمستقبل لتحرير فلسطين وتحررها، المستقبل لتطهير المسجد الأقصى من رجس الصهاينة الغاصبين، المستقبل للإسلام. وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ. سورة الروم الآية 46.


[1] عبد السلام ياسين، الشورى والديموقراطية، ط 2018/4، دار لبنان للطباعة والنشر-بيروت، ص: 190.