صورة من غزّة (2)

Cover Image for صورة من غزّة (2)
نشر بتاريخ

هكذا خرجت في شموخ من بيتها الذي قصفه الاحتلال… هكذا خرجت تحمل في يدها كنزها الثمين الغالي… نعم لعلّ قسمات وجهها تعبّر عن حزن دفين على بيت دمّر بالكامل أو على جنبٍ مال… على حيّ عامر تحوّل إلى أطلال… على زوج استشهد أو ابن أو أهل وآل… لكن صورة خروجها على هذا النحو بلغت أقصى الأرض دون ترحال.

إنّها تقول للعدو الجبان المستقوي عليهم بطائراته ودباباته وصواريخه: لا يهمّنا إن خربتم بيوتنا، أو قتّلتم أطفالنا، أو اغتلتم أبطالنا… فما دام القرآن معنا… نحن لا نخشاكم، ولن نخضع لكم.

لله درّها…

ولله درّ مثيلاتها من بنات غزّة…

هي تتوعد الخصم الصهيوني اللعين وتقول له: سنهزمكم حتما ولو بعد حين… فسلاحي هذا يعطيني القوة ويعلّمني اليقين… سلاحي هذا يعلّمني ألا أستكين… سلاحي هذا يخبرني أن الله لا يصلح عمل المفسدين. كتابي هذا يبشّرني بالنصر والتمكين، ويبلّغني أنّ الله مع المجاهدين… وأنّه مع الصابرين… وأنّه مع المحسنين.

وفي الوقت نفسه هي توجه خطبتها الصامتة إلى جماهير المسلمين وإلى النّاس كافة أجمعين، تقول: إنّ ما ترونه منّا من صمود وثبات، وتلمسونه فينا من جَلَدٍ في ذكور وإناث، وما تشاهدونه من شموخ في صغارنا أبناء وبنات، سببه هو هذا الكتاب الذي أنزل على سيد الكائنات… عضّوا عليه بالنواجذ… اقرأوه بنية التنفيذ… تعلّموه وعلّموه لنشئكم، وكونوا مدارس قرآنية متنقّلة عبر الأجيال.

إنّ هذا القرآن قادر على صناعة الرجال… قادر على إنشاء الأبطال… فكما صنع الجيلَ القرآني الفريدَ في عهد السعادة المبارك على يد مولانا رسول الله ﷺ، هو قادر على صناعة أجيال وأجيال من نفس الطراز النفيس.

نحن لا نخشى الموت… أشدّ ما نخشاه هو الحياة بلا قرآن… بلا روح… بلا هوية… بلا ذكر… بعيدين عن الله ورسوله.

اقرأوا القرآن ورتّلوه آناء الليل وأطراف النهار… تدبّروه… تدارسوه… وسيعلّمكم الصبر واليقين، وسيعطيكم الجرعة الروحية القادرة على حمايتكم من اليأس والخضوع، والاستكانة والخنوع.

صاحبوا القرآن مع صحبة أولياء الله وأحبابه… وسيفتح لكم ربّي خزائن هذا الكتاب فتدركون درره وأسراره، وترون عجائبه وأنواره. واعلموا أنّ نور هذه الأمة لن ينطفئ ما دام فيها مجاهدون اتخذوا رسول الله ﷺ إماما، وعكفوا على كتاب الله تلاوة وحفظا وتدبّرا وتنفيذا والتزاما، وجعلوا طلب وجه الله غاية ومراما.

قال عزّ من قائل: اِنَّ هَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانَ يَهْدِے لِلتِے هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ اُ۬لْمُومِنِينَ اَ۬لذِينَ يَعْمَلُونَ اَ۬لصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمُۥٓ أَجْراٗ كَبِيراٗ (9) وَأَنَّ اَ۬لذِينَ لَا يُومِنُونَ بِالَاخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً اَلِيماٗۖ (10)[سورة الإسراء- الآية: 09-10].

ثمّ إنّها لا تنسى أن توجّه كلمتها وتخفق بها وجوه أقوام باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل: إنّ هذا القرآن الذي أمسك بيدي وأسكنه قلبي يرينا حقيقة هذا المسخ الذي توالونه وتتودّدون إليه… فأنتم ترونه عملاقا ونحن نراه قزما ومسخا. قال ربّنا عزّ وجلّ: قُلْ هَلُ ا۟نَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اَ۬للَّهِ مَن لَّعَنَهُ اُ۬للَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ اُ۬لْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ اَ۬لطَّٰغُوتَۖ أُوْلَٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَاناٗ وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ اِ۬لسَّبِيلِۖ (62)[سورة المائدة- الآية: 62].

أنتم ترونه قويا فتّاكا ونحن نراه جبانا خوّارا. قال ربّنا عزّ وجلّ: لَأَنتُمُۥٓ أَشَدُّ رَهْبَةٗ فِے صُدُورِهِم مِّنَ اَ۬للَّهِۖ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٞ لَّا يَفْقَهُونَۖ(13)[سورة الحشر- الآية: 13].

أنتم ترونه جمعا متماسكا ونحن نراه شتاتا. قال ربّنا عزّ وجلّ: لَا يُقَٰتِلُونَكُمْ جَمِيعاً اِلَّا فِے قُرى مُّحَصَّنَةٍ اَوْ مِنْ وَّرَآءِ جُدُرِۢۖ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسِبُهُمْ جَمِيعاٗ وَقُلُوبُهُمْ شَتّ۪ى ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَۖ (14)[سورة الحشر- الآية: 14]

أنتم ترونه وردا ونحن نراه غرقدا. قال مولانا رسول الله ﷺ: «لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبئ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ والشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه. إلا الغَرْقَدَ، فإنه من شجرِ اليهودِ» 1

 أنتم ترون موالاته والتطبيع معه ربحا وفخرا ونحن نراها خزيا وشنارا، هلاكا ودمارا. قال ربّنا عزّ وجلّ: يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ اُ۬لْيَهُودَ وَالنَّصَٰر۪يٰٓ أَوْلِيَآءَۖ بَعْضُهُمُۥٓ أَوْلِيَآءُ بَعْضٖۖ وَمَنْ يَّتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يَهْدِے اِ۬لْقَوْمَ اَ۬لظَّٰلِمِينَۖ (53) فَتَرَى اَ۬لذِينَ فِے قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْش۪ىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٞۖ فَعَسَى اَ۬للَّهُ أَنْ يَّاتِيَ بِالْفَتْحِ أَوَ اَمْرٖ مِّنْ عِندِهِۦ فَيُصْبِحُواْ عَلىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِےٓ أَنفُسِهِمْ نَٰدِمِينَۖ (54)[سورة المائدة- الآية: 53-54].

أنتم ترونه إلى خلود وبقاء، ونحن نراه إلى زوال وفناء. والله خير وأبقى، وهو نعم المولى.

وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه وحزبه.


[1] الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة ؓ والزيادة : “إلا الغرقد، فإنّه من شجر اليهود” زادها الإمام مسلم.