شاب معظّم لشعائر الله معتز بانتمائه.. الدكتور اللياوي رحمه الله بعيون رفاقه في السجن (3)

Cover Image for شاب معظّم لشعائر الله معتز بانتمائه.. الدكتور اللياوي رحمه الله بعيون رفاقه في السجن (3)
نشر بتاريخ

وصف الدكتور نور الدين التاج أحد الإخوة الإثني عشر صديقه الراحل محمد اللياوي في تصريح خص به موقع الجماعة بأنه “كان نموذجا ومثالا للشاب الملتزم الذي يحمل قضايا أمته بين جنبيه وفي سويداء قلبه، وكان همه الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والتعريف بمشروع العدل والإحسان وبفصيل العدل والإحسان في وقت لم يكن هذا المشروع بهذا البروز الذي هو عليه اليوم، موضحا أن مشروع الجماعة في تلك الفترة كان يحتاج رجالا لهم يقين وتصديق بحركة مباركة تدعو إلى الله تعالى، من خلال دعوة الشباب إلى الالتحاق بصحبة ومحبة ووراثة نبوية”.

مجتهد طموح على جميع الأصعدة

وقد عُرف عن الدكتور اللياوي رحمة الله عليه وفق زميله التاج أنه “كان في اجتهاد طموح على جميع الأصعدة والجوانب، سواء في دراسته اجتهادا وتنظيما لوقته والنظر إلى الأفق البعيد، أو دعوة التزاما مع إخوته. ومما يشهد به الجميع أنه كان كثير الاقتراح وكثير المبادرة، وكنا على هاته الحال إلى أن دخلنا إلى السجن”.

وتابع التاج موضحا: “وبعد دخولنا إلى السجن حيث الحرمان والظلم والاستبداد وتغيير حياة الإنسان كلها من عالم فسيح نسميه عالم الحرية إلى عالم ضيق يضيق فيه كل شيء، وعندما يضيق كل شيء حينها يعرف معدن الإنسان، ويعرف صدقه مع الله تعالى وصدقه مع إخوته، ويعرف باحتسابه وبتحمله، وبعدم تضجره أو يأسه… وغالبا ما يكون هم المعتقل وشعاره وكل ما يفكر فيه في ليله ونهاره هو الانعتاق من قيد السجن، والحمد لله لم يكن همنا وهم سيدي محمد شيئا من ذلك، بل غيّر شعبته من شعبه علمية إلى شعبة أدبية في الدراسات الإسلامية وبدأ خطوة خطوة إلى أن تفوق فيها وكانت له طموحات كثيرة”.

وأشار المتحدث إلى أن الراحل رحمه الله عرف بصبره وتحمله وباستبشاره وبخفض جناحه للمؤمنين، وبالسير مع مجموعة تعيش في ظروف حرجة لكن كانت القلوب الكبيرة المملوءة بنور الله تعالى وبنور الإيمان تتسع مهما ضاق المكان، ولهذا كان معروفا بالمبادرات التنشيطية للجو وخلق حياة أخرى رغم الإمكانيات الضعيفة.

كنا والحمد لله في أنشطتنا المتنوعة رياضيا وعلميا وتربويا في جلسات ولقاءات ورباطات كنا نعقدها داخل السجن، وكان سيدي محمد دائما مبادرا، والحمد لله كان هينا لينا طيعا رحمه الله رحمة واسعة، يقول التاج ثم يضيف: “عندما نتحدث عن الصدق والصبر والتحمل فقد تعرضنا للمساومات الكثيرة التي تحقق غاية السجين وهي الانعتاق، ومع ذلك والحمد لله كان هناك إجماع من الإخوة وبدون تردد وبدون مناقشة للموضوع أنه لا يمكننا أن نكتب ولو حرفا في رسالة اعتذار أو توسل أو شيء من هذا القبيل”.

وتابع: “بل في سنة طلب منا وقيل لنا إنكم في كل سنة تكتبون بيانا تبينون فيه مظلوميتكم فاكتبوا أنكم مظلومون، وأتذكر أننا في تلك السنة لم نكتب البيان السنوي حتى لا يقرأ أو يحرّف إلى الوجهة التي لا نريدها”.

حياة من التجديد والمبادرات

وبعد الخروج من السجن “نال سيدي محمد شهادات ووفقه الله لحفظ كتابه، ودكتوراه بميزة مشرف جدا ونال إعجاب أساتذته المشرفين على بحثه رغم أن الظروف التي كان فيها ليست عادية وله أيضا إجازة في القانون، وهذا من الأمور التي ميزته وباقي إخوته، والفضل بعد الله تعالى يرجع إلى الحبيب المرشد رحمه الله تعالى الذي حبانا الله تعالى به وقد أحاطنا برعاية وعناية منه ومن أحبابنا في مجلس الإرشاد ومن أحبتنا جميعا بدعواتهم وتوجيهاتهم ونصائحهم”، يقول محاورنا.

وبعد مرحلة الانعتاق -يضيف التاج-  ظلت العلاقة فيما بيننا وبين الجماعة والحمد لله، وكانت لسيدي محمد مساهمات والتحق بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واجتهد مع إخوته في جميع الأصعدة وكان طموحا، ومن بين نشاطاته أنه لم يستقر في مسقط رأسه بمدينة بركان بل ذهب إلى مدينة مكناس ومدينة السوالم… وهذا يبين أن الإنسان يريد أن يعيش حياة كلها تجديد ومبادرات والحمد لله.

وزاد يقول: “في السنوات الأخيرة لما اشتد به المرض، زرناه في فترات متقاربة جدا لأننا شعرنا بخطورة ما يعيشه وبألمه وكانت مبادرات الإخوة لأننا كنا أقرب الناس إليه، وكانت العلاقات مفتوحة جدا وكأننا ذات واحدة، وكنا نحرص على الزيارة حتى نخفف عنه ونواسيه ونشعره بهذا الجسد الواحد الذي يتألم إذا ما أصيب أحدنا”.

والحمد لله كنا نجده محتسبا صابرا، وأذكر أنه في أحد زياراتنا له سألناه عن إمكانية الشفاء من باب فتح الأمل والاستبشار للمريض فأشار بأصبعه إلى السماء فقال بالتعبير الدارج “باقي غير الدوا ديال ربي”، وفق كلام التاج الذي أضاف أن سيدي محمد “هو قطعة منا نزعت من جسدنا لكن مع تفويض وتسليم لأمر الله عز وجل، هذا سر الحياة وكلنا سننتقل إلى جوار ربنا نسأل الله تعالى أن يرحمه ويرحم مرشدنا وجميع من سبقونا من إخواننا إلى الدار الآخرة.”

شاب نشأ في عبادة ربّه

من جهته صديق الراحل الدكتور بلقاسم التنوري خصّ موقع الجماعة بسطور رثى فيها الدكتور محمد اللياوي، فوقف مع “ذكريات شاب نشأ في طاعة الله، داعية مجاهد محارب للظلم والباطل، معظّم لشعائر الله مدافع عن حرماته، صاحب أمل دائم وحلم ملازم ببناء مستقبل زاهر، طموح سباق إلى كل جديد ومفيد، رياضي قوي البنية مفعم بالحيوية والنشاط، صاحب قائم صائم ذاكر مستغفر مهلل مسبح في ظلمات بطن الحوت مُصلّ على من به الإخراج من الظلمات، رفيق معاضد في أقبية المخزن ضد ظلمها وظلامها”.

وفي حديثه عن صاحبه الراحل قال إنه يحمل نفسه على الصبر والاصطبار والتصبّر، ويحتسب الأجر بذلك على مصيبتنا، إلا أن نفسه “تأبى أن أكبح جماحها فتطفق تتيه في بيداء الذكريات مع الرجل المجاهد الشهيد سيدي محمد اللياوي…”.

لقد كان أول لقاء للتنوري بالفقيد الشهيد في محطة نضالية جهادية، “وذلك حينما كان مكلفا بإيصال الإخوة الطلبة إلى المكان الذي عقد فيه اللقاء التحضيري لمسيرة فاتح ماي سنة 1991م، فلفت انتباهي هذا الشاب العشريني بلحيته الشقراء، وملامحه الأمازيغية العربية، ووجهه البشوش، وبسمته العريضة، ووسامته اليَزْناسْنِية، وهندامه وأناقته الأخاذة…”.

وبتوفيق من الله عز وجل -يضيف التنوري- وطئنا معا بتلك المسيرة التاريخية موطئا أغاظ الكارهين لخروج الدعوة عن حدود المساجد والحاقدين على الإسلاميين.

كان معتزا بدينه وبانتمائه الدعوي والسياسي

واسترسل التنوري مضيفا: “ثم تجدد اللقاء وتكرر في الجامعة بوجدة، على ساحاتها وجنباتها ومحيطها وحيها، حيث كان سيدي محمد حريصا على متابعة دراسته العلمية والقيام بأعماله التطبيقية، معتزا بدينه وبانتمائه الدعوي والسياسي، مصرا على رفض كل أشكال العنف والإذلال والإقصاء المادية والمعنوية التي كان يمارسها القاعديون الدمويون، غاضبا لانتهاك حرمات ربه ومقدساته…”.

كان الفقيد رحمه الله ضرغاما هصورا في مواجهة هجمات التيارات اليسارية واعتداءاتها، يقول المتحدث، ثم يضيف: “ثم تواتر اللقاء بالفقيد وتواصل لما ألحقت بالإخوة الأحد عشر في سجن القنيطرة… فقد تفضل باستضافتي وإيوائي في زنزانته لبضعة أشهر، وما أدراك ما الإيواء في زنزانة؟”.

زنزانة تقاس بالأشبار لا بالأمتار… هي غرفة نوم وهي حمام وهي مطبخ وهي مسجد وهي مكتب ومكتبة… فكيف يقتسم هذا الكريم الحاتمي أشبار جُحره مع جسم إن تمدد احتل ثلث مساحته؟ وكيف يقتسم أكسجين جحره مع رئتين يَزفِران ثاني أكسيد الكربون؟ يتساءل التنوري معتبرا أن هذه الأجواء الضيقة بموازين الرياضيات والكيمياء، المتسعة بخوارق الرحمات واللطف، لم يشعر، في أجوائها، ولم ير من سيدي محمد امتعاضا منه ولا تبرما ولا تذمرا وهو مقبور معه في زنزانته، بل كان كله كرما وإيثارا وخدمة ونصحا وذلة وخفض جناح…