سحرتني آية (5).. يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

Cover Image for سحرتني آية (5).. يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
نشر بتاريخ

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.

في سورة الفجر حيث يحيلك الفجر إلى النور بعد ظلمة حالكة وإلى النجاة بعد سير شائك، تطالعك هذه الآية العجيبة في مختتم السورة بمعانٍ عميقة، فهي تخاطب نفسا ليست كالنفوس، إنها النفس المطمئنة. مطمئنة لأنها سلّمت زمام أمرها إلى الخالق سبحانه، مطمئنة بذكر الله.

ألا بذكر الله تطمئن القلوب

كيف إذاً، السبيل إلى طمأنينة تجعلك معنيا بهذا الخطاب الإلهي.

طمأنينة وليدة النهل من معين الذكر بكل شعبه. فالقرآن وهو كلام الله المعجز يجعلك في حال من التعبد تفتقده إن هجرته قصدا أو انشغالا، فتفقد راحتك وتنزعج لغير سبب والحال أن شعورا بالتقصير يرافقك بل يتراكم على قلبك طالما جعلت كلام الله مهجورا.

إن الله غيور، يريدك أنت الذي بُحت له بالحب أن تجعل قلبك نابضا به وحده وغير ملتفت لغيره. فإن تحققت بالحب اشتقت إلى محبوبك، وإن طاف على قلبك طائف الشوق اشتد حنينك إلى سماع كلامه،

فيتقلب أمرك مع القرآن بين قراءة واستماع وتدبر ونظر وحفظ وتحبير.

أليس أهل القرآن أهل الله وخاصته؟! فكيف تكون من الله هذه الخصوصية إن لم تكن منك هذه العناية.

طمأنينة هي أيضا وليدة الذكر بل الذكر الكثير، أي أن تكون في صحبة لا إله إلا الله.

كم من الحجب تهدمها هذه الكلمة العظيمة. الكل يتضاءل أمام علو بنيانها وسمو معانيها، بها سلك السالكون وفاز الفائزون، مفتاح الوصول لمن عرف الأصول، لا إله إلا الله سر الأسرار. بها أوتي الصحابة الإيمان فثبت في قلوبهم القرآن.

 فيا من يرجو من الطمأنينة أن تحل بقلبه. كم نصيبك من لا إله إلا الله؟!

يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية

ارجعي فقد أدركت المبتغى

ارجعي فإن موعد الوصال قد حان

ارجعي فقد تخطيت المدارج كلها وفزت بالرضا

ارجعي راضية بما نلت من أنس وتقريب

ارجعي فقد خصصت بالمحبوبية، وإن الله إذا أحب لا يرجع عن حبه بل يتعهد أحبابه توجيها وعناية. ربك الحبيب إذا رضي أرضى.

ارجعي فإن في القرب موازين لا تقاس إلا بعين الحب.

فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.

وإن لله عبادا يحبهم ويحبونه، يناجونه في محاريب الأسحار. يحببون الخلق فيه لما رأوا منه من حب

يسوقون القلوب إليه سوقا، ويتحدثون بنعمه العظيمة عليهم، فإنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ولسان حال قلوبهم دائما: وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.

لا يرون لعملهم شأنا ويتقلبون في رحمته، فلا يتسرب إليهم شك أن رحمة الله لا تزول.

تلك جنة الدنيا، أن تجعل قلبك يرفل في حب الله وتتخلى عن التعلق بالأغيار محبة لجناب الله، إن تحركت فبالله وإن سكنت فبالله، وإن جالست ففي الله وبالله.

ما أروع النداء لو تأملته مجددا:

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.