زوجة باعسو.. جبل الـصبر وقلعة التّصبّر

Cover Image for زوجة باعسو.. جبل الـصبر وقلعة التّصبّر
نشر بتاريخ

علمنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه أن المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وسيرا على نهجه دأب أعضاء جماعتنا على مؤازرة من ابتلي من أعضائها، فما أن سمعنا خبر الاعتقال الظالم للدكتور محمد باعسو حتى حملنا وقع الخبر لزيارة بيته مواسين لأهله.

دخلنا البيت لنجد زوجته “عائشة” في استقبال الوافدين ترحب بالزائرين المواسين والمؤازرين للدكتور وأسرته من جيران وأقارب وإخوانا. امرأة واقفة كالطود في شموخ، تتحدث في ثبات ويقين المؤمنة الصابرة المحتسبة، تعلو محياها ابتسامة هادئة تفصح عن سكينة وطمأنينة الموقن بأن عظم الجزاء لا يكون إلا تحت مطارق الشدائد.

جئنا لنواسي فإذا بعائشة تواسينا وتخفف ألمنا من ظلم وجور “المخزن” الذي ما فتئ يتربص بنا الدوائر ويلفق لنا التهم ويكيل لنا من الكروب ألوانا. فحدثتنا عن سنة الله في التدافع، وكيف يكون الصبر عند الابتلاء، وعلمتنا أن الله عز وجل لا يمتحن العبد ليهلكه ولكن يمتحنه ليختبر صبره وعبوديته، فكما لله عز وجل عبادة في السراء له عبادة في الضراء، وله عبودية على العبد فيما يكره كما له عبودية فيما يحب، فإن صبر العبد صارت المحنة منحة، والبلية عطية، والمكروه محبوب.

شاهدنا ذلك بأم أعيننا عندما جاءت وفود غفيرة من النساء احتشدت أمام باب المنزل فتعددت الشهادات في حق الدكتور محمد باعسو؛ واصفة أخلاقه العالية وحياءه الشديد وكرمه الكبير وعطاءه المنقطع النظير، فتنوعت الشهادات لتصف الجار المتهمم لهموم جيرانه، والأخ رجل المواقف العطوف الحاضر في الأزمات، والأب الرؤوف الحاني، شدّنا منهم بعض جاراتها اللواتي لم يمنعهن الخوف من التعبير عن أسفهن لما وصل إليه المخزن من دناءة تمجها العقول والنفوس، فأبدين الاستعداد للوقوف في المحكمة للشهادة على نزاهة الرجل ودناءة متهميه.

امتدت الشهادات وتوالت، من جيران وأقارب وأصدقاء، شهادات هي فخر ووسام على صدر هذه الأسرة التي اختارها الله عز وجل ليمتحن صدقها وصبرها وثباتها؛ أبناء وزوجة.  

الابتلاء تمحيص وارتقاء.. هكذا رددت “عائشة” الصابرة المحتسبة بكل ثقة في الوقفات أمام محاكم الزور. الابتلاء وسام شرف.. هكذا صدحت “عائشة” ابنة العدل والإحسان بكل ثبات أمام كاميرات الصحافة، لم يثنها إلحاح المخزن لتتنازل عن الدعوة، ولم ينطل عليها خداعه حيث حرص كل الحرص أن يطوي الملف بتوقيع منها، فسلك كل أنواع الترغيب ليجرها إلى دهاليز المخافر حتى ينفرد بها ظانا منه أنها من السذاجة بمكان لتلقي طوق نجاة لمن أغرقوا أنفسهم في بئر لا قعر له، وطبخوا طبخة سهلة ظانين أن الملف سيفتح بتهمة ويغلق بتوقيع من “عائشة”، مستغلين عاطفة الزوجة المحبة الحانية الحيية، ضاغطين بثقل التهمة على رجل سبقت سمعته وارتفعت مكانته بين الناس، وما للإفك من ثقل على الأسرة برمتها والأقارب، لكن هيهات هيهات، فـ”عائشة” خريجة مدرسة النبوة؛ تربت على خطى الكاملات من الصحابيات الجليلات اللواتي مهما عصفت بهن المصائب والكربات كان لهن أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يتقلبن بين صبر على الشدائد وشكر على النعم، وهي ثمرة تربية الإمام عبد السلام ياسين الذي ضرب المثال في الثبات على الحق؛ لم يثنه ما أذاقه المخزن من صنوف الأذى، بل لم يزده إلا يقينا وتشبثا بالحق، فلم يخلف الموعد مع الله، ألف تحية ورحمة على روحه الطاهرة.

في كنف الجماعة تعلمت عائشة كيف ترفع أكف الضراعة لله وتتبتل تبتل المخبت بين يدي الله في السحر حين تنام العيون وتبقى وحدها مع الحي القيوم؛ تدعوه وترجوه لينتقم ممن أفزع هذه الأسرة المكلومة ومن ورائها أعضاء هذه الجماعة. كما تعلمت أن تنتصب شامخة في ساحات التدافع لتسجل مواقف العزة لا يثنيها إرجاف المرجفين، مؤمنة ببراءة زوجها الذي خبرته في سنين عشرة ودودة لا تتغير بمرور الأيام بل تشتد وتقوى مع الزمن وتفتل في حبلها المحن.

نسأل الله عز وجل أن يفرج كربكم يا آل باعسو، ويظهر حقكم، وينصركم نصر عزيز مقتدر. فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ، وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً.