“رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي”

Cover Image for “رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي”
نشر بتاريخ

الدعاء منجاة في الدنيا والآخرة، هو رابطة قلبية قبل أن يكون كلمات لفظية، وهو سلاح منيع وزاد وعدة للمؤمن في حياته، في رخائه وشدته، سرائه وضرائه. هذه الرابطة القوية بين العبد المُقرب وربه من أمتن الروابط وأقرب القرب، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186]. وأكثر المؤمنين إحسانا أكثرهم استجابة لدعوة الله وتعرضا لنفحاته دعاءً وتضرعًا إليه عز وجل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تعجزوا في الدعاء، فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد” أخرجه بن حبان في صحيحه والحاكم في صحيحه من حديث أنس رضي الله. وأخرج الترمذي والحاكم بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: “من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء”. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض”.

فكيف إذا كان هذا الدعاء الذي هو نور السماوات والأرض هدية منك إلى أخيك المسلم، تعطيه إياه عن ظهر الغيب؛ حرصا منك على اغتنامه من هذا الفضل، وتعبيرا عن محبتك الخالصة في السر قبل العلن، ووفاء بعهد الأخوة الذي ما زاد ارتباطا إلا زادت بشائر الفرج اقترابا وإشراقا. دعوة في جوف الليل أو أثناء النهار حين تخطر ببالك صورة إخوتك وسط زحام الحياة ومشاغلها تكون لهم وقاء من شرور النازلات، وتكون لك حفظا وزيادة في إيمانك، فلا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأعراف: 151]. تتضمن الآية دعاء سيدنا موسى عليه السلام ربه، استغفارا له ولأخيه هارون عليهما السلام، راجيا أن يدخلهما ربهما في رحمته التي هي الملاذ والحصن الحصين من جميع الشرور. هذا التأدب في الدعاء وإشراك الأخوة الطينية والمعنوية مثال ساقه القرآن لنا لنحذو حذوه ونحرص على إدخاله والتلفظ به في دعائنا.

وعلى نهج القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة صار الصحابة رضوان الله عليهم، فكان بعضهم يدعو لبعض عن ظهر الغيب، بل في جوف الليل، واعتبروا ذلك من حسن الخلق، لأنه دليل على صفاء القلب من الغل لإخوانه ومحبته لهم. روى البيهقي في شعب الإيمان أن أم الدرداء قالت: بات أبو الدرداء ليلة يصلي فجعل يبكي وهو يقول: “اللهم أحسنت خَلقي فحسن خُلقي” حتى أصبح فقلت: “يا أبا الدرداء ما كان دعاؤك من الليل إلا في حسن الخلق”، فقال: “يا أم الدرداء إن العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة، ويسيء خلقه حتى يدخله سوء خلقه النار، وإن العبد المسلم ليغفر له وهو نائم.  قالت فقلت: “يا أبا الدرداء!” قال: “يقُوم أخوه في الليل فيتجهد فيدعو الله عز وجل فيستجيب له ويدعو لأخيه فيستجيب له فيه”.

وكان الواحد منهم إذا لقي صاحبه سأله الدعاء، وخصوصا إذا كان مسافرا إلى أقدس بقعة؛ مكة المكرمة. أخرج مسلم وأبو الدرداء عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف وكان تحته الدرداء، قال: قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء إلى منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت: “أتريد الحج العام؟” فقلت: “نعم” قالت: “فادع الله لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل”، قال: فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرج الترمذي وابن ماجه وأبو داود واللفظ للترمذي وقال حسن صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة فقال: “أي أخي أشركنا في دعائك ولا تنسنا”.

وأخرج ابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب نفس قلت يا رسول الله: “اُدع الله لي” قال: “اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت”، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيسرُك دعائي” فقالت: “وما لي لا يسرني دعاؤك”، فقال صلى الله عليه وسلم: “إنه لدعائي لأمتي في كل صلاة”.

فصلوات ربنا وسلامه عليك يا نبراس قلوبنا وسراج أرواحنا، ويا قائدنا وقدوتنا وشفيعنا، صلاة وسلاما دائمين بدوامه تبارك وتعالى، تفرج همومنا وتخرجنا من الظلمات إلى النور.