رجل التعليم الحامل للمشروع

Cover Image for رجل التعليم الحامل للمشروع
نشر بتاريخ

مقدمة

في هذا المقال سنتحدث إن شاء الله تعالى عن رجل/امرأة التعليم الحامل للمشروع وسط واقع فتنوي يمثل الواقع التعليمي جزءا منه. بمعنى أنه إلى جانب ما تتحكم فيه الفتنة من مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة كذلك تتحكم الفتنة بشروطها في مجال التعليم. وهذا يشكل لرجل التعليم في حد ذاته تحديا كبيرا يمنعه أو يحول بينه وبين أداء مهامه التربوية والتعليمية على أحسن وجه، أو بمعنى آخر يمنعه من أدائها كاملة.

ما هي الفتنة؟

يشرحها لنا سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه الخبير بها وقد سأله سائل عنها، فقال له: “لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل”.

وبالنظر إلى المسيرة التعليمية في المغرب؛ نجد أن الفتنة طالته في جميع مفاصله، بل استفحلت فيه حتى النخاع، بدءا بالمسؤولين، مرورا بالبرامج والقرارات والمقررات، وانتهاء بالمؤسسات.

فإذن السؤال المطروح هو من شقين:

أولا: كيف يحافظ رجل التعليم الحامل للمشروع على شخصيته دون أن يتأثر من دخان هذه الفتنة، بل يؤثر فيها؟

ثانيا: كيف يخترق هذه الحجب الفتنوية التي نصبت بينه وبين الناشئة التي يباشرها بالتعليم والتربية حتى يصنعها على عينه؟

بعد هذه المقدمة سنحاول أن نفكك هذا العنوان الذي أعلنا عنه أعلاه لنشكل به مجمل محاور هذا الموضوع.

أولا: رجل التعليم

رجل التعليم جملة مركبة من كلمة رجل ثم كلمة التعليم. الرجولة كلمة قرآنية عظيمة، تحمل من المعاني الإيمانية الكثير، والتي لا نجدها خاصة إلا عند الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. يقول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النحل: 43).  وتتأسس الرجولة في القرآن الكريم كما جاء في بعض الآيات على معاني الطهارة والذكر والصدق. والتعليم مهمة من أشرف المهمات ووظيفة من أفضل الوظائف، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت معلما”. الحديث. ولا يمكن أن يكون الرجل معلما إلا إذا تأسس علمه على التربية، والتربية على التعليم. والجمع بين التربية والتعليم كالجمع بين الجسد والروح. وهذا الجمع بين التربية والتعليم يحيلنا إلى تحد من التحديات المنتظرة ليس في طريق رجل التعليم فقط وإنما في طريق الدعوة المنتدبة للتغيير. وهذا التحدي هو إعادة تنظيم التربية والتعليم وذلك بقلب السلم القيمي رأسا على عقب، بحيث تجيء التربية الإيمانية في المرتبة الأولى وتكون لها الأسبقية، وتصبح مؤسسات التعليم عبارة عن محاضن تربوية. فتكون الغاية من التربية والتعليم عوض التسابق لضمان المعاش والشهادة الدنيوية هي التسابق من أجل تحقيق العبودية لله تعالى.

 التربية في عرف ثقافة الفتنة هي إعداد مواطن صالح وليس حتى مصلح، إعداد العامل المنتج، والاختصاصي الكفء. وهنا التحدي الآخر، كيف نجعل من التربية في بعدها الإيماني وسيلة لإعداد المواطن الصالح والمصلح في نفس الوقت، وسيلة لإيقاظ قلب المتعلم بالإيمان وعقله بالعلم في نفس الوقت، العلم يفتح له العقل للتعامل مع الأشياء، لكن التربية تفتح له القلب للتعامل مع الخالق سبحانه.

ثانيا: الحامل للمشروع

هي جملة بدورها مركبة من كلمتين، من الحامل وليس المحمول، الفاعل وليس المفعول به. وما أقل الحاملين للمشروع التغييري في هذا الزمان، “الناس كالإبل المئة لا تكاد تجد فيها راحلة”. وهي الحاملة لهم الدعوة والتغيير إن على مستوى عملها أو محيطها أو وطنها أو أمتها أو العالم أجمع.

ونفهم من “الحامل إلى”، أنه جسر وقناة موصلة للخير إلى غيره صافيا نقيا. والمشروع هو العدل والإحسان. العدل مطلب الأمة، والإحسان مطلب الإنسان. فهو يحمل ميزانا من كفتين، العدل بأن يربط هذا الحامل للمشروع الناس بقضيتهم الحياتية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية. والإحسان بأن يربط الإنسان بربه، وبقضية مصيره عند ربه، كيف يكون عبدا لله، عارفا به حق المعرفة.

مهام رجل التعليم:

قد تكون مهام كثيرة بالنظر إلى حجم مكانة رجل التعليم. وبالنظر إلى أثره في التاريخ كحامل لواء التغيير، آخرهم حسن البنا رحمه الله كان معلما، وكذلك كان الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله ومعظم قياداتنا حفظهم الله.

فنجد من المهام البارزة إلى السطح:

أولا: التربية: بتعزيز الأخلاق الحسنة المتوفرة في نفوس الناشئة، وترسيخ غير المتوفرة في هذه النفوس، ثم العمل على تقويم المعوج منها واجتثاث رذائلها.

ثانيا: التعليم: بتلقين الناشئة المعارف والمعلومات الصحيحة والمرتبطة بالقيم الأصيلة.

ثالثا: الدعوة: التعريف بالإسلام وأخلاق الإسلام، وذلك بالعمل على ربط الناشئة ببارئها وخالقها منذ الصغر.

رابعا: التواصل: بالانفتاح الإيجابي على المحيط، رجال تعليم آخرين، أطر الإدارة، أولياء وآباء التلاميذ، وجميع مكونات المجتمع المدني.

خامسا: التأطير: وذلك بتوجيه الناشئة في إنضاج واستثمار مؤهلاتها المختلفة في المجالات الفنية والإبداعية الهادفة.

سادسا: التثقيف: وذلك بالإشعاع على مؤسسة العمل وعلى المجتمع ككل من خلال النوادي والجمعيات والملتقيات بحكم توفر هذا الحامل للمشروع على مؤهلات في إعداد المواضيع، وفي ترتيب أفكارها وفي منهجية الإلقاء والتواصل مع الجمهور.

سابعا: الخدمة: سواء تعلق الأمر بمساعدة مادية بقضاء حاجة أو معنوية بمواساة اليتيم والمحروم.

 إننا إذ نتحدث عن مهمات رجل التعليم ونحن نستحضر مؤثرات هذا المحيط الفتنوية حتى نعلم ونتأكد أن إنجاز هذه المهمات ليس من السهل بمكان، إلا أن يؤيد الله ويسدد ويوفق سبحانه. وكل هذه المهام إذا سبقتها النية لتكون في سبيل الله تصبح ذات بعدين: أجرة وأجر عند الله.

تحديات:

التحديات التي ذكرنا من قبل عبارة عن تحديين موضوعيين هما:

أولا: إعادة تنظيم التربية، حتى نعطي التربية الأسبقية وتحظى بها.

ثانيا: كيف نوصل هذه التربية إلى قلوب الناشئة لتوقظ فيها الفطرة.

هناك تحديات ذاتية، وهي التي تستدعي منا الوقفة والحل:

أولا: تجسيد معاني الرجولة في رجل التعليم (الطهارة والذكر والصدق).

ثانيا: التكوين بالجمع بين نور العلم بالله والعلم الشرعي والعلوم الأرضية (الكفاءة).

ثالثا: القدوة التربوية والاجتماعية، فغالبا ما يتأثر المتعلم بالمعلم النموذجي تأثرا يتجاوز تأثير الوالدين. والقدوة تكون بالمواقف والسلوك، قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (البقرة: 111).

رابعا: الصلاحية؛ من خلال الإحاطة بالصلاحيات المخولة. فلا مسؤولية بدون صلاحيات، التقويم والتربية والتعليم والتوجيه وليس فقط تلقين المعلومات.

خاتمة

بعيدا عن النظرة المثالية الحالمة، وأختها الفضفاضة العائمة، يستعصي على كل واحد منا تمثل نموذج رجل/امرأة التعليم القدوة في بيئة التسيب وعدم الشعور بالمسؤولية. لأن الأستاذ وهو يعيش الظروف القاسية سيكون من باب المغامرة أن نحمله مسؤولية الأجيال وتوجيهها وتعليمها وترشيدها، والواقع انحطت فيه القيم والأخلاق وقل فيه الفهم والوعي وانتكست فيه الإرادات بين السائمة والهائمة والنائمة واليائسة. والواقع مريض تدفعه أياد غريبة إلى مستقبل غامض مجهول.

وسط هذه الأمواج العاتية، واللجج المترامية، والعواصف الهوجاء التي تتلاعب بالشراع، ولا يبدو في الأفق شعاع لم يكن لينتصب لهذه المهمة الجسيمة والعظيمة؛ مهمة التغيير والبناء والتجديد، إلا رجالا أوتوا حظا وافيا ووافرا من التربية الإيمانية والعلم المنهاجي، بحيث إنهم يستشعرون المسؤولية الملقاة على عاتقهم فأعدوا لها ما استطاعوا من قوة.