د. متوكل: من أجل تغيير حقيقي وسلمي وعادل لابد من التعاون والتعاضد

Cover Image for د. متوكل: من أجل تغيير حقيقي وسلمي وعادل لابد من التعاون والتعاضد
نشر بتاريخ

ذكّر الدكتور عبد الواحد متوكل رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان أن ما يقع في فلسطين “جريمة هزت كل أحرار العالم” وبأنها “غير مسبوقة”، حركت الضمير الإنساني بمن فيهم “مفكرون يهود يتكلمون بقوة ويعرفون الملف جيدا، ويقدمون الدلائل على أن هذه جرائم إبادة ضد الإنسانية”. ووصف التآمر الدولي على “بقعة في حجم منديل ومنكشفة” بالغريب، مع ما يقع من تقتيل بهمجية. ولفت إلى ما كان سبق أن قال من أن “هذه حرب كاشفة فاضحة..” واعتبر أن “العالم يعيش في حالة جنون” مسائلا الضمائر والإنسانية والعدل..

وقال في جواب عن سؤال للصحفي يونس مسكين، قدم به لحواره حول الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان ضمن برنامج “ضفاف الفنجان” الذي بثته قناة صوت المغرب يوم الثلاثاء 19 مارس 2024، عن استمرار الوقفات التضامنية مع أن الدولة أرسلت المساعدات الإنسانية: “أحسب أن هذه المبادرات للاستهلاك ليس إلا، الشعب المغربي منذ البداية وهو يقوم بمظاهرات غير منقطعة بالمئات، فالمفروض أن أول قرار قد يكون له معنى هو أن نوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني، كان ينبغي أن يتخذ بالفعل لنعلم الجميع ولنتجاوب مع نبض الشعب، كون ما يفعل – في غزة – غير معقول وينبغي أن نوقف هذه الجريمة وهذه الورطة التي وقعنا فيها بالمجان”، مستحضرا وعود الكيان الصهيوني “الكاذبة” بالمساعدة في قضية الصحراء.

وأصر أن الموقف الصحيح تماشيا مع ما يقع للفلسطينيين هو قطع العلاقات والضغط، ردا على الرأي القائل بأن هذا الوضع الرسمي يسمح على الأقل بإيصال المساعدات الإنسانية وأن الدولة حجمها محدود للضغط والتأثير في ملف ضخم مثل هذا، وأضاف: “أحسب أنه لو كان هناك فقط مجموعة من الدول قامت بمبادرة قوية فإن الصهاينة سيتوقفون عند حدهم وعن هذه المجازر، لكنهم أمنوا من الرد الحقيقي فهم مستمرون. أما هذه المبادرة فهي ذر للرماد في العيون، ولن تفيد شيئا.. ففلسطين تحتاج الشيء الكثير؛ تحتاج مستشفيات ومدارس.. وحقهم الأساس في الوجود على أرضهم، أما أن تقول لهم نعطيكم ما تأكلون ريثما يقتلون البقية الباقية… فهذا غير مقبول”.

ثم انتقل الصحفي يونس مسكين إلى موضوع الحلقة وآثر بداية أن يعرف الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان التي أصدرت الوثيقة السياسية، فكان جواب الدكتور متوكل أنها مؤسسة من مؤسسات الجماعة تعنى بالشأن العام، أسست سنة 1998 بعدما كان تدبير هذا الأمر موكل للجنة، حيث كان العدد قليلا جدا، فلما ارتفع “أسسنا الدائرة السياسية للتصدي للشأن العام، وهذا نوع من التمييز بين الوظائف، فهي جزء من الجماعة وليست شيئا مستقلا عنها”. وأعلن أنه من الممكن أن تكون نواة لتأسيس حزب سياسي، فـ”كل الشروط المطلوبة في حزب سياسي متوفرة وبزيادة في الدائرة السياسية”.

وفي قراءته لعدم رد الجهات المقربة من السلطة على صدور الوثيقة بما كان ينتظر ومقابلتها بنوع من المهادنة، صرح بأنه كانت “هناك ردود، حيث توجهت عدد من المنابر بقوة في حملة إعلامية كبيرة جدا ضد الجماعة، فعوض أن يكون هناك نقاش موضوعي للوثيقة كانت هناك ردود سيئة”، ونوه إلى أنه كانت هناك أيضا “تفاعلات إيجابية”، لكن في الجهة الأخرى تعجب لما جاء فيها من “خوض في الضمائر وأقوال تزري بالإنسان مع علم الشخص بخطئه”، مشيدا بالآراء التي تكبدت عناء الاطلاع والموضوعية في تعاطيها مع الوثيقة.

وأعاد عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان التأكيد أن الوثيقة “موجهة للجميع، كان من أسباب إصدارها الفراغ المهول الذي يجعلنا نتخوف على بلدنا المغرب، المتسم بمشاكل لا حصر لها وأزمات متراكمة وهناك ما يشبه الموت”، وهو ما دفع الجماعة لإثارة هذا النقاش، واسترسل: “نخشى أن يهرب القرار من يد المغاربة في اتجاه جهة غير وطنية، نحن نريد أن يبقى القرار مغربيا، نتناقش ونختلف وتتقدم البلاد إلى الأمام” متسائلا: “هل بلغ الرعب بالناس إلى هذه الدرجة؟ هل بلغت بهم الاستقالة من الشأن العام إلى هذه الدرجة؟ أليس في المغرب كفاءات؟ وهو ما وافقه عليه الصحفي مسكين مرجعا ذلك في جزء منه للخوف والرقابة الذاتية ولكن في معظمه لإيمان النخب بلاجدوائية الانخراط في النقاش العمومي ومطارحة الأفكار، غير أن متوكل ألح على ضرورة الإبقاء على النقاش وعدم السماح بترك البلاد تتجه إلى الهاوية، لأن “البلد في حاجة إلى مبادرة جريئة من أجل تغيير حقيقي”.

وتأسف المتحدث لتضييع فرص تاريخية كانت سانحة للتغيير، كفشل حكومة التناوب، وهو ما ينم على أن الإجراءات المتخذة حينها إنما كان هدفها تمرير الحكم بشكل سلس ثم عادت الأمور لسابق عهدها، بعدها جاءت فرصة الربيع العربي في 2011، وكانت فرصة مهمة أيضا تم تضييعها حيث اتضح من البداية أنه لم تكن هناك إرادة حقيقية للتغيير، وكان أول مؤشر على ذلك طريقة وضع الدستور.

ونفى الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية أن تكون الجماعة طرفا في تضييع هذه الفرصة، ذلك أنها أصبحت موضوع الساعة بدل أن تكون طرفا في النقاش، والسبب سياسي، لأن الناس تعتبر الحكم غنيمة وتخاف أن تنقض عليه الجماعة وتستغل وجودها العددي وتركب الموجة. وشدد بالقول إن “الحكم ليس غنيمة، الحكم مسؤولية، وأي طرف تصدى للحكم وحده فقد وضع نفسه في محرقة وانتحار سياسي، لأن الخراب كبير جدا، والتغيير يحتاج إلى تعاون”، وشدد بأن “مرحلة التغيير الحقيقي لابد أن تمر شئنا أم أبينا من مرحلة تعاون وتعاضد كل الأطراف من أجل تأمين تغيير حقيقي وسلمي وعادل”.

وبخصوص دواعي اختيار أكتوبر 2023 وقتا لإنتاج الوثيقة بهذا التفصيل، قال د. متوكل “كنا نرفض الدخول في التفاصيل ونتحدث في القضايا العامة، لأنه بالنسبة لنا كان الشرط الأساسي الذي ينبغي أن يتوفر هو الإرادة السياسية، في غيابها ستكون المقترحات صيحة في واد، ولكن في حواراتنا مع كثير من الأطراف السياسية وجدنا من الناس من يعتبرون أن هذا الموقف فيه نوع من الغموض”، لذلك، يخبر أنهم سعوا لطمأنة الناس وإطلاعهم على أفكار الجماعة واقتراحاتها في مختلف المجالات ليعرفوا أين تتوجه العدل والإحسان، ليؤكد “تأملنا -كحجر ألقيته في بركة راكدة- أن نحرك الوضع من أجل فتح نقاش عمومي قد يفتح الباب أمام مبادرة معينة في مسار الإصلاح الذي ينتظره المغاربة”.

وتعليقا على جمع الجماعة بين خليط التربوي والدعوي والسياسي.. جزم رئيس الدائرة السياسية أن الخلط يكون “عندما نستدعي مفاهيم أجنبية ثم نسقطها على واقعنا، نحن ننطلق من الإسلام الذي يتصدى لكل المجالات، فتجد القرآن يتكلم عن الظلم والقسط والفساد والطغيان.. وهذه مفاهيم سياسية. وتجد أيضا أحاديث نبوية تحرض وتدعو للتصدي للظلم”، وشدد أن المشكل يكمن في استدعاء التجربة الغربية والمسيحية التي كانت في فترة معينة فيها تحالف بين الكنيسة والإقطاع من أجل اضطهاد الشعوب.. في حين أن الإسلام أركانه متكاملة بين السياسي والاجتماعي.. وعد أن هذا الأمر لا يمكن أن يكون سببا في إخافة الفرقاء لأن هذا جوهر الاختلاف والتعددية، و”يجب أن نجد صيغة للتعايش.. ولكي يبقى المجتمع هو الحَكم، ونحن نعبر عن هويتنا التي لا يمكن أن ننسلخ عنها أو نخفيها، ونرى أن الديمقراطية وسيلة لتنظيم هذا الاختلاف بشكل سلمي”. وأي تجربة فيها غصب، حسب متوكل “تنتهي لابد إلى الفشل”، ذلك أن سنة الحكم أنه متعب ولابد في وقت من الأوقات أن يحصل عياء، فيجب آنذاك أن تتاح الفرصة للغير، ويتم التقاط الأنفاس للعودة مرة ثانية. ورأى أن العيب يكمن في الاحتكار، “احتكاري الكلام باسم الإسلام وأن فهمي هو فهم الإسلام، وهذا لا نقوله، بل نقول إن هذا اجتهادنا ولسنا وحدنا في الساحة”. مشددا على كون “الإسلام دين الأمة وينبغي أن يبقى كذلك”، والمطلوب التوافق على ميثاق لتحييد الشأن الديني كي يبقى بعيدا عن التجاذبات السياسية.