د. الفراك يكشف كيف حوّل الإمام عبد السلام ياسين سجنه إلى “صناعة حرية”

Cover Image for د. الفراك يكشف كيف حوّل الإمام عبد السلام ياسين سجنه إلى “صناعة حرية”
نشر بتاريخ

بلغت سلسلة الندوات التي تنظمها جماعة العدل والإحسان بمناسبة ذكرى تأسيسها الأربعين اليوم -السبت 7 يناير 2023- محطتها الخامسة، وأرست شراعها في محفل فكري اتخذ كتاب الدكتور أحمد الفراك “صناعة الحرية في التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين” موضوعا للمدارسة.

انطلقت الندوة بكلمة مؤطرة لصاحب الكتاب، وهو دكتور باحث في الفلسفة والمنطق، أستاذ جامعي وصاحب العديد من المؤلفات، بسط فيها دافعه للكتابة مخبرا: “أثار انتباهي وجود فراغ كبير في الكتابة في موضوع التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله.. ففكرتُ في كتابة مقال من 10 صفحات لا أكثر، وما أن بدأت في الكتابة، حتى بدأ المقال يتسع ويتمدد، وبدأت الأفكار تتزاحم في ذهني، وأنا أعاني تقييدها كي لا تفر مني، كي لا أنساها” حتى صار المقال في 30 صفحة، أرسله الدكتور الفراك إلى بعض الأصدقاء منهم الدكتور عمر أمكاسو، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، للاطلاع، فحثه على توسيع الكتابة في الموضوع. هذا التشجيع دفع بصاحب الكتاب، كما أعلن للحضور، إلى الاستمرار في الكتابة إلى أن وصل عدد الصفحات المائة، ثم ارتأى أن يزيد بعض الفصول، ليستوي الكتاب، رويدا رويدا، في 350 صفحة.

وبخصوص تصميم الكتاب، فقد اعتمد الكاتب تقسيمه إلى خمسة فصول؛ منها ثلاثة منسجمة مع مراحل السجن الثلاث التي تعرض لها الأستاذ عبد السلام ياسين، وفصل رابع للمؤلفات التي كتبت في السجن، والفصل الخامس خصّصه للملاحق من رسائل ووثائق وبيانات ذات الصلة بالموضوع. وبشر الفراك بمشاريع كتب أخرى “صناعة المعرفة وصناعة الروح وصناعة التاريخ”.

وكشف الفراك أن هدف الكتاب هو “التذكير بمعاناة هذا الرجل المتميز، هذا الإمام الصابر، الذي قدم نموذجا ناصحا ومثالا ناصعا للعالِـم القدوة والمربي المجاهد.. محاولةٌ لتتبع مرحلة مهمة من مسار هذا الرجل المشروع، رجل المشروع، كيف تصدى لأوضاعه واستثمر أقداره لإنجاح تجربته في مقاومة الابتذال والترذيل، وفي إقامة النموذج المستبشر وسط ثقافة التيئيس والتبخيس.. وليس التفكير في الحرية فقط بل التفكير في كيفية تجنيب البلاد فتن العنف بأنواعه والظلم بأشكاله والاضطراب بألوانه، وبعيدا عن لغة المؤامرات والانقلابية العنيفة والنفاق السياسي، واقتراح حل شجاع لبداية عهدٍ جديدٍ وإنشاء مجتمعٍ جديدٍ، يكون مرجع الإصلاح فيه.. منهاج الإسلام في تربية الأمة وتنظيمها”. “أهداف الكتاب باختصار معرفة شخصية هذا الرجل ومعرفة معالم مشروعه الإصلاحي والتغييري” يوضح الفراك.

وعدّ صاحب الكتاب مجموعة من الفوائد التي حول بها الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى محنته مع السجن والحصار إلى منحة أنتجت النواة الصلبة لمشروعه التجديدي على المستوى الفكري موازاة مع انطلاقه عمليا. هذه الفوائد حسب الفراك هي: الخلوة مع الله للتبتل والتدبر والاستبصار والتفكير العميق، اتَّساع الرؤية، وتوسع الدعوة، وتعمق التجربة؛ “تجربة صناعة الحرية في أرض الاستبداد”.. “في السجن اطلع الإمام على الفكر الآخر، وخاصة الفكر الماركسي وحاور بعض رموزه” فاستفاد رحمه الله وأفاد.. وفي حصاره استثمر رحمه الله ميزانية الوقت ينفق منها بحسب الحاجة والقيمة، فلم “يمنعه الهمُّ الفردي عن الاهتمام بأمر الوطن والأمة والإنسان”.. فيه “ازداد عظمة وشموخا وثباتا”.

ونوه الفراك إلى حسن استثمار الخلوة في السجن عند كثير من الأدباء والمفكرين والسياسيين والفلاسفة، حيث ألفوا الكتب والرسائل، ذكر بعضهم، قبل أن يكشف أن عدد ما ألف الإمام عبد السلام ياسين بين جدران الزنازين بلغ حوالي عشرين (20) مؤلفا “صنع بها “نظرية” جميعةً حملت كليات مشروعه التغييري الذي أعاد فيه قراءة التراث والواقع من أجل بناء المستقبل، فصنع بسجنه الحرية التي بها يُصنع التاريخ”.

ورغم ما تعرضت له هذه المؤلفات من الحصار؛ منعا من الطبع والنشر والبيع والعرض، الأمر الذي ما يزال ساريا إلى اليوم حتى بعد موته، وما لقيه صاحبها “من صنوف الاضطهاد والسجن والحصار والمنع والتشهير”، إلا أنه رحمه الله تعالى “حافظ على سلامة الصدر وسمو الروح وصفاء السريرة، فلم يكتب بقلمه ردا على أحدٍ سابَّه أو عيَّره أو اتهمه، فعفا وسامح خصومه وجلاديه ودعا لهم بالهداية والتوبة أحياء وبالمغفرة والرحمة أمواتا”، يفصح الفراك قبل أن يختم بالترحم على الإمام والتحية لجميع معتقلي الرأي في المغرب وفي العالم.