فضل صلاة الجمعة ومنزلتها

Cover Image for فضل صلاة الجمعة ومنزلتها
نشر بتاريخ

فرضية الجمعة ومنزلتها

صلاة الجمعة فرض عين، وهي فرض مستقل ليست بدلا عن الظهر لعدم انعقادها بنية الظهر ممن لا تجب الجمعة عليه كالمسافر والمرأة، وهي آكد من الظهر، بل هي أفضل الصلوات ويومها أفضل الأيام وخير يوم طلعت عليه الشمس يعتق الله فيه ستمائة ألف عتيق من النار ومن مات فيه كتب له أجر شهيد ووقي فتنة القبر ودليل فضل يومها حديث مرفوع: “يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها وأعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى” 1.

وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة وقال: حسن صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة”.

وأدلة فرضيتها العينية المستقلة لا الكفائية: القرآن: وهو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ والأمر يقتضي الوجوب ولو لم تكن واجبة لما نهى عن البيع من أجلها.

والسنة: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام عن وَدْعهم الجُمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين 2 وقوله: “رواح الجمعة واجب على كل محتلم” – النسائي – وقوله عليه السلام أيضا: “من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه” 3.

وتاركها يستحق العقاب لقوله عليه الصلاة والسلام لقوم يتخلفون عن الجمعة: “الجمعة بيوتهم” 4.

والإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب الجمعة.

وفرضت بمكة قبل الهجرة، لما روى الدارقطني عن ابن عباس قال: “أذن للنبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة قبل أن يهاجر فلم يستطع أن يجمع بمكة فكتب إلى مصعب بن عمير: أما بعد، فانظر إلى اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين”.

والدليل على أن الجمعة فرض مستقل وأنها ليست ظهرا مقصورا وإن كان وقتها وقت الظهر وتدرك به، هو أن الظهر لا يغني عنها، ولقول عمر رضي الله عنه: “الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى” 5.

فضل السعي إلى الجمعة وحكمتها

حكمتها: الجمعة شرعت لدعم الفكر الجماعي، وتجمع المسلمين وتعارفهم وتآلفهم، وتوحيد كلمتهم، وتدريبهم على طواعية القائد، والتزام متطلبات القيادة، وتذكيرهم بشرع الإسلام دستورا وأحكاما وأخلاقا وآدابا وسلوكا، وتنفيذا لأوامر الجهاد، وما تتطلبه المصلحة العامة في الداخل والخارج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخلاصة أن تكرار الوعظ والتذكير كل أسبوع له أثر في إصلاح الفرد والجماعة.

السعي إليها: ومن أجل تلك الأهداف والغايات السامية ولكسب الثواب الأخروي، كان السعي للجمعة واجبا حكمه حكم الجمعة، لأنه ذريعة إليها: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ والتبكير إليها فضيلة، وكان ترك، وكان ترك أعمال التجارة من بيع وشراء ومختلف شؤون الحياة أمرا لازما لئلا يتشاغل عنها ويؤدي ذلك إلى إهمالها وتركها.

ويبدأ وجوب السعي إليها عند الجمهور بالنداء إليها بالأذان بين يدي الخطيب، إلا إذا كان بعيد الدار عن المسجد فيجب عليه السعي بقدر ما يدرك معه الفريضة.

وللتبكير إلى الجمعة درجات في الثواب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا اقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر” 6.

ووقت الرواح المرغب فيه عند المالكية ساعة قبل الزوال (الساعة شرعا ليست هي الساعة المتعارف عليها حاليا ولكنها جزء من الزمان).

وأداء الجمعة بآدابها يغفر للمؤمن ما بين الجمعتين لقوله صلى الله عليه وسلم: “الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر” 7، ولقوله عليه الصلاة والسلام: “من اغتسل ثم أتى الجمعة حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل -أي زيادة- ثلاثة أيام” 8.

وفيها ساعة يستجاب فيها الدعاء، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: “فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه الله إياه” 9 وفي تحديد هذه الساعة أقوال أصحها أنها فيما بين أن يجلس الإمام على المنبر على أن يقضي الصلاة، وللجمعة مزايا متعددة منها: تجتمع الأرواح فيها، وتزار القبور، ويأمن الميت من عذاب القبر، ومن مات فيه أو في ليلته أمن فيه من عذاب القبر، ولا تسجر فيه جهنم، وفيه يزور أهل الجنة ربهم تعالى.

وقد قال المالكية عن السفر يوم الجمعة بجوازه قبل الزوال، لكنه يكره لمن لا يدركها في طريقه ويحرم ويمنع بعد الزوال وقبل الصلاة اتفاقا.

متى تدرك الجمعة

قال الجمهور: إذا أدرك الركعة الثانية مع الإمام فقد أدرك الجمعة وأتمها جمعة، وإن لم يدرك معه الركعة الثانية أتمها ظهرا لقوله صلى الله عليه وسلم: “من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى” 10.

سنن الجمعة

– الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب لمن يأتي الجمعة: سنة عند الجمهور مستحبة عند المالكية ويبدأ الغسل من فجر الجمعة على الزوال وتقريبه من ذهابه للصلاة أفضل ويستحب لبس الأبيض من الثياب.

– التبكير للجمعة ماشيا بسكينة ووقار والاقتراب من الإمام والاشتغال في طريقه بقراءة أو ذكر: “أحضرة الذكر وادنوا من الإمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها” 11.

– تنظيف الجسد وتحسين الهيئة قبل الصلاة: بتقليم الأظافر وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة والسواك والدليل ما رواه البغوي بسنده عن عبد الله بن عمرو ابن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم: “كان يأخذ أظافره وشاربه كل جمعة”.

– قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها لقوله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين” 12.

– الإكثار من الدعاء يومها وليلتها رجاء إدراك ساعة الإجابة.

– الإكثار من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم يومها وليلتها لخبر: “إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي” 13.

– يقرأ الإمام جهرا بعد الفاتحة في الركعة الأولى”الجمعة” وفي الثانية “المنافقون” اتباعا للسنة وروي أيضا “الأعلى” و”الغاشية”.

– قراءة “السجدة” و”الإنسان” في ركعتي صلاة الصبح.

– صلاة أربع ركعات قبل الجمعة وأربع بعدها وكره المالكية التنفل بعدها.

– قراءة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين بعد الجمعة، روى ابن السني من حديث أنس مرفوعا: “من قرأ إذا سلم الإمام يوم الجمعة قبل أن يثني رجليه فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين سبعا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعطي من الأجر بعدد من آمن بالله ورسوله”.

– يستحب لمن نعس يوم الجمعة أن يتحول عن موضعه لما روى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره” 14.


[1] البيهقي في فضائل الأوقات.
[2] مسلم أحمد والنسائي.
[3] رواه الخمسة وصححه الحاكم.
[4] أحمد ومسلم.
[5] أحمد.
[6] رواه الجماعة إلا ابن ماجة.
[7] مسلم.
[8] مسلم.
[9] متفق عليه.
[10] ابن ماجة.
[11] أبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
[12] رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.
[13] رواه أبو داوود وغيره.
[14] رواه أحمد.