دفاعا عن المرأة العاملة في عيد العمال الأممي

Cover Image for دفاعا عن المرأة العاملة في عيد العمال الأممي
نشر بتاريخ

مقدمة
بحلول فاتح ماي من كل سنة تتوجه الأنظار إلى العمال رجالا ونساء، للاحتفاء بهم؛ تقديرا لمجهوداتهم، واعترافا بفضلهم، وتثمينا لنضالاتهم، وكشفا للواقع الذي يشتغلون فيه حلوه ومره. وإن الاعتراف بدور العاملين في تحريك عجلة الاقتصاد والدفع بدولاب التنمية واجب، والالتفات إلى ما تسديه المرأة العاملة من خدمات مهمة، وما تقدمه من أعمال عظيمة في حقل الشغل والنشاط الاقتصادي لعمري هو عين التقدير الأوجب، خاصة أنها أصبحت رقما مهما في سوق الشغل بتعدد أشكاله وأنماطه. مهمات تتحملها وتسهم من خلالها في بناء اقتصاد بلدها دون أن تتخلى عن مهمتها الاستراتيجية الجليلة داخل الأسرة أُمًّا وزوجة وأختا وبنتا. وهو إسهام تكشفه بجلاء أرقام وإحصاءات تبرز مرودية مجهودها الكبير في مختلف المجالات الإنتاجية والخدماتية. تتنوع بين خدمة بنات جنسها خاصة في الصحة والتعليم والمجال الخدماتي، وفي مجالات أخرى تتقنها هي دون غيرها، وأخرى تشترك فيها مع أخيها الرجل. فهي قد تتكلف طوعا أو كرها تحت ضغط الواقع المرير بإعالة من يقعون تحت مسؤوليتها، أو قد تسهم في تحسين دخل أسرتها؛ خاصة بعدما اكتوت بلظى الغلاء الفاحش أغلب العوائل والأسر. وأصبح الواقع يؤكد أن يدا واحدة لا تصفق، بعدما رفعت الدولة يدها كليا أو جزئيا عن بعض القطاعات الحيوية، فأثقل كاهل المواطنين والمواطنات بأعباء ومصاريف جديدة لم تكن بالأمس القريب.
فماهي أهم تجليات عمل المرأة المغربية في الاقتصاد الوطني؟ وماهي الظروف التي تشتغل فيها؟ وما دور العمل النقابي في تأطيرها وحمايتها من الظلم والعسف؟


أولا: إسهام المرأة في الاقتصاد: أرقام وإحصاءات
رغم أن الإحصاءات تعكس فارقا بين مشاركة النساء في سوق الشغل مقارنة مع الرجال، إلا أن هذه المشاركة تشهد تقدما متزايدا، ينتج عنه ارتفاع نمو الناتج الداخلي للفرد، وتحسين مستوى عيش الأسر، وتحسن في أداء الاقتصاد الوطني. فالمتتبع لوضعية المرأة المغربية يجد نفسه أمام مؤشرات وأرقام تعكس انخراطا إيجابيا للمرأة؛ بحيث تصل نسبة المشاركة في الحياة الاقتصادية لدى الفئة النشيطة من النساء دون شهادة إلى 25%، بينما لا تتجاوز النسبة 11% لدى النساء ذوات المستوى التعليمي العالي، كما تشغل قطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات والمياه ما مجموعه: 32% من الإناث بين العالمين الحضري والقروي، كما ينفرد القطاع الخدماتي بتشغيل 19.8% والصناعة بـ 25.9%، وتصل نسبة التأنيث في موظفي الدولة المدفوعي الأجر من مكتب الأجور ما مجموعه 40.7%، كما يصل معدل المشاركة في النشاط الاقتصادي لدى النساء من 15 سنة فما فوق من ذوات مستوى عال إلى 44.2% سنة 2021م، وقد تأثرت هذه النسب بجائحة كوفيد19، التي أدت إلى ارتفاع مستوى بطالة النساء وفقدان الشغل الناتج عن توقف النشاط الاقتصادي خلال فترة الحجر الصحي.
إن هذه الأرقام هي انعكاس لنشاط عدد من النساء المغربيات، أمكن إحصاؤهن ورصد نسبة نشاطهن، إلا أن هناك نساء عاملات في الظل هن خارج التغطية الإحصائية أو الإعلامية أو الحقوقية أو القانونية، يصعب في كثير من الأحيان قياس نسبة إسهامهن في دواليب الاقتصاد، إما إهمالا لهن، أو استصغارا لما يقمن به، أو لأنهن يرفضن التصريح بأعمالهن ويحرصن على التستر، أو لاستحالة تتبع عملهن لأنه غير منتظم أو موسمي، أو لأنهن يعملن مع أرباب عمل يرفضون التصريح بالعاملات، أو لأن المشغل لا يتوفر على تصريح قانوني (بعض معامل الخياطة مثلا، والتي كشفت فياضانات طنجة عن الظروف غير القانونية التي تشتغل فيها النساء هناك)، وكذا العاملات في الضيعات الفلاحية موسميا. هذه بعض النماذج التي تستعصي على العد، وغيرها كثير.


ثانيا: بعض الخروقات التي تتعرص لها المراة العاملة
إن المتصفح لمدونة الشغل بالمغرب لا يمكنه أن ينكر ما تضمنته موادها من تنصيص على حقوق المرأة والرجل معا، بل هناك حقوق تخص المرأة فقط، تراعي خصوصيتها وطبيعتها، على سبيل المثال لا الحصر: المادة 40 و152 إلى 165… حيث تتناول منع أنواع التمييز بين الجنسين، وحماية المرأة من التحرش، والحق في الاستفادة من رخص الولادة والرضاع، ومنع تشغيلها ليلا إلا في استثناء، وكذا حمايتها من القيام بأعمال تفوق قدراتها (المادة 179)، إلى غير ذلك من الحقوق، إلا أن الواقع يعكس خللا وارتباكا في التنزيل، بحيث تكشف الأرقام والإحصاءات مجموعة من الخروقات التي تتعرض لها المرأة العاملة؛ بحيث لا تسلم من ميز وعنف وعسف، وذلك إما لجهلها بالقانون وقلة وعيها بحقوقها، أو لضعفها واستسلامها لهذا الظلم المصلت عليها لأنها لا تستطيع بطبيعتها الصمود أمام حاجة أسرتها لمعيل. إن غلبة العاطفة عند المرأة غالبا ما تجعلها تقبل بالعمل في ظروف مجحفة لأنها مسؤولة عن أفراد تحت رعايتها. وهناك أرقام مقلقة على وضعية المرأة الحقوقية في العمل، بحيث إن نسبة 36% من النساء يعملن دون أجر، و15% من النساء يتعرضن للعنف الذي “يمكن أن يرتكب في العمل أو في إطار ممارسة النشاط الاقتصادي من قبل الرؤساء في التسلسل الهرمي أو الزبناء أو الزملاء أو أي شخص يقوم بعمل عنيف تجاه الضحية في إطار ممارسة العمل”، ونسبة منهن تتعرض للتمييز بين الجنسين، لاسيما في الأجرة رغم إقرار منظمة العمل الدولية حق النساء والرجال في أجر متساو عن عمل ذي قيمة متساوية منذ 1919م، كما تعد اتفاقية المساواة في الأجور لعام 1951م، أول صك دولي يقر مبدأ مساواة العمال والعاملات في الأجر عند تساوي قيمة العمل، إلا أن الواقع يجعلنا نقف على تفاوتات مخجلة في الأجر، يصل معها متوسط فجوة الأجرة بين الجنسين إلى17% في المغرب. من جهة أخرى إن عمل المرأة المغربية في القطاعات الهشة غير المهيكلة يجعلها أكثر عرضة لهضم الحقوق والاستغلال كاستغلال عقود التدريب من أجل الإدماج عن طريق الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل بطرق دنيئة، تستنزف مجهودها باستغلالها لأكبر مدة ممكنة دون أن يتم إدماجها إلا بنسب محدودة، وكذا التلاعب من طرف المشغلين بعقود العمل، أو الاشتغال بدون عقد عمل، وبالتالي عدم توفرها على بطاقة عمل، وما يترتب عن كل ذلك من حرمانها من حقوقها: مثل الحق في التأمين والتغطية الصحية والرخص والعطل، إلى غير ذلك..
وهكذا يصعب الإحاطة بما تتعرض له النساء العاملات من عسف في سوق الشغل، فهن ضحايا الجهل والأمية أحيانا والضعف أحيانا أخرى، ضعف وخوف قد يمنعهن حتى من الانخراط في العمل النقابي الذي يؤطرهن ويحمي حقوقهن، خاصة في القطاع غير المهيكل (العاملات في الفلاحة، وفي الحمامات، وفي البيوت، والمقاهي، والمطاعم، والأعراس …). ولعل حوادث السير المميتة المتكررة للعاملات في الضيعات الفلاحية وغيرها، وتعرض عاملات للطرد الجماعي التعسفي (سيكوم مكناس مثلا) تدل على مدى الاستهتار بحقوق النساء العاملات وبأرواحهن، وهذا مؤشر مقلق يهدد سلامة المرأة العاملة المغربية عموما.


ثالثا: دور العمل النقابي في حماية المرأة العاملة وتأطيرها
إسهام المرأة المغربية في الاقتصاد الوطني بشكل عام، وحاجتها إلى العمل والوظيفة؛ يجعل حماية كرامتها وحمايتها وتحسين شروط اشتغالها والتحسيس بضرورة حفظ حقوقها واجبا إنسانيا ونقابيا.
إن المرأة لها مهمة استراتيجية عظيمة لا تقل أهمية في بناء الاقتصاد وحماية مستقبل البلاد، ألا وهي مهمة رعاية الأسرة وتربية النشء الذي هو مستقبل الوطن، فبدون الطفولة لن تقوم للمشاريع الاقتصادية قائمة في مستقبل الأيام، لذلك كان لزاما على الدولة والمجتمع تأمين ظروف منصفة لعمل المرأة، وضمان حقوقها كاملة، وصيانة كرامتها، ومراعاة خصوصيتها، حتى تحقق التوازن بين المشاركة في بناء الاقتصاد الوطني وبين رعاية النشء وحمايته.
إن مهمة العمل النقابي تتحدد من خلال مقاصده الأساسية، والتي من أهمها: حماية المستضعفين، ونصرة المظلومين وإنصاف المحرومين، ولعل ما بسطناه فيما يخص عمل المرأة وظروف اشتغالها، يدل على أنها مستضعفة مظلومة ومحرومة، وتحقيقا للعدل ونصرة للملهوف، ودفاعا عن الحق، ودفعا للباطل المتجلي في العسف والظلم، فإن من أولويات العمل النقابي كشف الظلم عن المرأة العاملة ودفعه ورفعه. ولأن من أسباب هذا الظلم: الجهل والأمية وقلة الانخراط النقابي وغياب التأطير، فإن مسؤولية رفع الأمية الأبجدية والقانونية والحقوقية و النقابية عن المرأة، وتحسيسها بضرورة تمسكها بحقوقها والدفاع عنها، وتيسير انخراطها في المؤسسات النقابية، كان لزاما على المنظمات النقابية والمهنية، والمناضلين والمناضلات الفضلاء رجالا ونساء القيام بحمل هذا الواجب والإسهام فيه، وجعله من أوليات العمل النقابي.
والمرأة النقابية أولى أن تهتم بأختها العاملة تأطيرا ومواكبة وتوعية ودعما وتحفيزا، تستغل ما تتوفر عليه النقابة من فضاءات ومن فرص للتكوين والدعم النفسي والاجتماعي، تبدأ من العمل المهيكل الذي يسهل التواصل مع العاملات فيه، لتصل إلى العمل غير المهيكل الذي يحتاج إلى إرادة قوية من النقابات لتحسين ظروف العمل فيه، ومحاربة ما فيه من فوضى وفساد وظلم، فالحاجة ماسة إلى وضع خطة استراتيجية تتوحد عليها كل النقابات، لحماية الحقوق المسلوبة، وتحفيز العاملات على الانخراط الذي يشكل دعما قويا للعمل النقابي عامة، ولعمل النساء النقابيات بصفة خاصة.
إن انخراط المرأة في العمل النقابي مشروط بحمل هم مشروع أكبر، غايته الانتصار لمظلومية الإنسان وبسط العدل على وجه الأرض كما أمر الله تعالى، والتصدي لجميع أشكال الحيف والظلم. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمة الله عليه: “يناضلون ونجاهد، هم في حدود طموحهم السياسي ونحن في ركاب الشرع، من أجل رفع الظلم عن الإنسان. من أجل كرامة المواطن وسلامته البدنية والنفسية، من أجل حريته، من أجل حقوقه المدنية الاقتصادية الاجتماعية السياسية الثقافية التي لا تقبل التبعيض والتجزيء (…) من أجل حرية التحزب والتنظيم النقابي، والإضراب، من أجل حماية المواطن من الاعتقال التعسفي والتعذيب والشطط في استعمال السلطة”. إن الانخراط النقابي للمرأة العاملة بهذا المعنى سيكون له جدوى على جميع المستويات الآنية والبانية لتاريخ الأجيال. لن يكون مجرد انخراط أجوف بدون معنى ينساق لسياسات تتماهى مع سلطة الاستبداد من أجل تحقيق المصالح الذاتية، والتغافل عن قضايا المستضعفين من لا صوت لهم، إنه انخراط بنَفَسٍ يحمل مشعل التغير الذي ينطلق من دور المرأة في عمارة الأرض بل دورها الاستخلافي ككل، ومن وعيها بالحاجة إلى بناء وطن بحاجة إلى سواعد تحرص على الصدق أثناء مدافعة الباطل من داخل جميع الهياكل والتنظيمات الحقوقية، انخراط مسؤول لا تكون فيه المرأة كمًّا مهملا ينساق وراء شعارات بعيدة عن همومها وهموم بنات جنسها ويتغافل عن أولياتها، بل هو انخراط واع يستجيب لمطالبها ويحترم خصوصيتها، وتستعيد به هي كرامتها، وينأى بها عن كل عمل يسعى إلى المتاجرة بصورتها وجسدها عوض الالتفات إلى كفاءتها، انخراط يسهم في تأطيرها حتى تتعرف على حقوقها لتصونها، وعلى واجباتها لتلتزم بها. وهو انخراط يساعد على ضخ دماء جديدة في الجسم النقابي فيتقوى، وفي عمل النقابيات خاصة فيتحسن أداؤهن، وتسمع كلمتهن.


خاتمة
لا يمكن أن ننكر الفرص المتاحة للمرأة داخل التنظيمات النقابية (نظام الكوطا مثلا)، لكن مساهمتها في العمل النقابي ما زالت -رغم عدد النساء الكبير خاصة في بعض القطاعات مثل التعلم- محدودة الأثر على واقع القرارات التنظيمية النقابية؛ بحيث تغيب في النقابات قائدات نقابيات. ومازال الواقع في المكاتب المحلية والإقليمية يتعامل مع المرأة العاملة باعتبار دورها في تكثير السواد، وفي تحسين صورة النقابة من حيث تحقيق مقاربة النوع والمساواة، لكن الأمر أعمق من ذلك، فهو يحتاج إلى عمل جدي ودؤوب لتجويد هذا الانخراط النسائي المرجو لننتقل من اعتبار العدد والتمثيلية إلى تجويد فعل النساء النقابيات على مستوى المساهمة في التكوين والتخطيط والتنظير واتخاذ القرارات المصيرية.
فإن كنا نعيب على المشغلين استغلال المرأة، فالأولى بالنقابات الرقي بوظيفة المرأة النقابية وذلك بمنحها ما تستحق من مكانة، وتمكينها من دورها الريادي في الفعل النقابي.