حَرقُ المُصْحَفِ: الدوافع والدلالات وتحديات الأمة

Cover Image for حَرقُ المُصْحَفِ: الدوافع والدلالات وتحديات الأمة
نشر بتاريخ

بعد إسقاط الغرب قداسة الكنيسة باسم الحرية والمساواة والمؤاخاة، وبعد تمزيق الدولة الإسلامية العثمانية باسم الدستور وصيانة حقوق الأقليات، وبعد إسقاط جمهورية الاتحاد السوفياتي تحت شعار حقوق الإنسان وكسر الطوق الحديدي الأحمر، لم يبق أمام الغرب الصهيوني الإمبريالي سوى محاربة الإسلام أو المد الأخضر الذي اعتبروه عقبة كأداء في طريق نموذجهم الليبرالي العولمي المتوحش. ولتحقيق هذه الغاية، سخر الغرب دراري الإسلام للطعن داخليا في مضامين القرآن عبر تأويلات تتغيا تحريف معانيه المُجْمَعِ عليها من طرف علماء المسلمين طوال قرون من الزمن، وبالموازاة سخر ذات الغرب خارجيا وسائل الإعلام واليمين المتطرف لازدراء شخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والطعن في القرآن واعتباره كتاب حرب وإرهاب. وهذه الدعوات وإن كانت تمتح من الأدبيات الدينية للحروب الصليبية، فإنها بعد علمنة الدولة أصبحت أيضا تستمد شرعيتها من الخطاب السياسي الحديث والمعاصر. وهنا نستحضر المستر غلادستون رئيس الوزراء البريطاني الذي وقف في مجلس العموم يمسك بيده نسخة من المصحف ويقول لأعضاء المجلس:  «so long as there is this book، there will be no peace in the world»، وترجمتُها: «ما دام هذا الكتاب «القرآن» موجوداً فلن يكون هناك سلام في العالم» 1. فهذه المقولة جيشت وما تزال الغرب اليميني بك أشكال الكراهية للإسلام والمسلمين، وهو ما تجلى في الشعار الذي كان الجنود البريطانيون يرددونه كلما أعلنوا الحرب على المسلمين وتوجهوا نحو الشرق: «يا أماه إن مت لا تحزني لأني ذاهب إلى القضاء على الإسلام وحرق القرآن».

اليوم وبعد كل الحملات التي استهدفت الطعن في مصداقية القرآن عقيدة وشريعة وأخلاقا، وأمام الضعف العام الذي يعيشه العالم الإسلامي، وفي غياب شوكة الإسلام الرادعة، وأمام إلجام أفواه العلماء والدعاة وإخضاعهم للخطاب السياسي الرسمي المتحكم والمستبد، تجرأ اليمين السويدي المتطرف مستغلا حرية التعبير غير المسؤولة، ومناخ العداء السافر للإسلام وأصوله، ليسمح رسميا بإهانة ملياري مسلم في العالم، وفي يوم احتفالهم بعيد الأضحى وأمام المسجد وعلى مرأى من المصلين، من خلال ترخيص السلطات السويدية لشخص بتمزيق “المصحف الشريف” ومسح حذائه بأوراقه، ثم القيام بحرقه.

إن هذا الفعل البربري البشع غير الإنساني، لا يمكن اعتباره حدثا عابرا، كما لا يجوز لأي مسلم فيه ذرة من الإيمان أن يتساهل أو يطبع معه، فالقرآن الكريم ليس مجرد كتاب بالنسبة لنا كمسلمين، بل هو كلمة الله ونوره وأمره الحكيم الذي يمثل القداسة في أعلى مقاماتها وأسمى درجاتها. إن المساس بالقرآن الكريم والسكوت عنه معناه إطفاء جذوة الإيمان في القلوب وقتل نخوة الإسلام في النفوس.

غير أن هذا الفعل الممقوت لا يجب أن يجر المسلمين إلى مجابهته بالعنف أو مواجهته بازدراء معتقدات الغير، وإنما ينبغي أن نتخذه فرصة لتحقيق عدة أهداف منها:

– تذكير الأمة الإسلامية بضرورة العودة إلى أخلاق القرآن الكريم وتوجيهاته وقيمه وتقديم أرقى صورة له على مستوى الحياة العملية.

– تحميل العلماء والدعاة مسؤولية الذود عن القرآن الكريم عبر منابرهم المسجدية والإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي.

– القيام بحملة عالمية للتعريف بالقرآن، كل من موقعه وحسب تخصصه.

– مراسلة المنظمات الدولية وتحميلها مسؤولية السماح والسكوت عن المساس بمقدسات الشعوب والأمم، لما قد يسبب فيه من نشر الكراهية وتفشي ظاهرة العنف.

– تحسيس وتوعية المسلمين بما يحاك ضد هويتهم الدينية وأمنهم الروحي، وما تتطلبه المرحلة من تظافر الجهود والوقوف صفا واحدا في وجه كل من تسول له نفسه المساس بمقدساتهم الروحية.

– العمل على غرس القرآن في نفوس الناشئة، وتشجيع محاضن ودور القرآن داخل المدن والأحياء، وإكرام أهلها وتشجيع الأبناء على الانخراط فيها، مع الحرص على تطوير أدواتها البيداغوجية حتى تواكب ميولات الناشئة وترغبهم في الحفظ.

– السعي إلى تحرير المساجد وجعلها مؤسسات دينية تتجاوز الصلوات الخمس لاحتضان الناس وإيوائهم لقراءة القرآن وحفظه.

– الاعتناء بالقرآن الكريم والسنة النبوية في البرامج والمواد الدراسية، حتى تؤدي المدرسة دورها في غرس قيم وأخلاق القرآن الكريم.

– المطالبة بوضع تشريعات محلية ودولية تجرم المساس بالمقدسات والأمن الروحي لكل الأمم والشعوب.

إن كل ما يتعرض له القرآن الكريم اليوم ينطبق عليه قول الله تعالى: «‏لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ»، فلعل ما يقع يوقظ الأمة من سباتها، ويبعث فيها روح الأمانة تجاه مقدساتها، كما من شأنه أن يُلفِت نظر العالم إلى نور الهداية، خاصة وأنه يعيش قلقا وجوديا وانحطاطا أخلاقيا غير مسبوقين، ما يجعل مسؤولية المسلمين اليوم مضاعفة؛ أولا في تمثل قيمهم وأخلاقهم القرآنية الربانية، ثم ثانيا بتبني خطاب الرحمة والتبشير والمجادلة بالتي هي أحسن، والتخلي عن اعتبار الغرب دار حرب، بل أمة دعوة في حاجة لمن ينتشلها من الفراغ الروحي الذي خلفته الدولة العلمانية الحديثة، فإذا ما تكامل وتعاون حاملو مشعل الدعوة مع حاملي مقومات التقدم العلومي ستنبعث حضارة جديدة يستعيد فيها الإنسان كرامته وإنسانيته.


[1] Gladstone’s thinking towards Islam – BBC News (audio from Radio2) 23 January, 2009.