حظنا من الحج

Cover Image for حظنا من الحج
نشر بتاريخ

هل الهلال يحمل عبير الكعبة المشرفة الفواح ونفحات طيبة الغناء، فهفت القلوب شوقا لذاك المقام، وتمنت أن تكون في ركب ضيوف الرحمن؛ تلبي وتطوف، تسعى وتقف، تدعو وتتبتل… لكنها ككل سنة تتولى والأعين تفيض من الدمع حزنا ألا تجد ما يجعلها في ركب الحجاج. حزنت وتأوهت، وانطوت على ألم قاتل يعصر الفؤاد حتى سمعت مناديا ينادي «هذا حظكم من الحج فهلموا، شمروا واستعدوا، إنها الأيام العشر التي أقسم بها العظيم، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو الكريم لا يضيع أجر من أحسن عملا، وبالنية ندخل مع كل ذي خير في خيره، وبالنية نبلغ القصد وإن قصر العمل أو العمر» 1.

 اطمأنت القلوب وارتاحت، وعلى سواعد الجد شمرت، وأيقنت أن الحجاج إن خصهم المولى بالتلبية فقد أكرم سائر العباد بالتكبير والتهليل، وبه يجزل العطاء والثواب. وإن طاف الحجاج بالبيت العتيق، فإن لغير الحاج أحباب وأقارب فليطف حولهم، وليتفقد فقيرهم، فيطعم جائعهم ويواسي مريضهم، ويدخل البهجة على المنكسرة قلوبهم. عن سيدنا أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله » رواه الطبراني.

وإن سعى الحجاج بين الصفا والمروة، فلنسع لإصلاح حال أمتنا، فقد جار الفحش والطغيان، وانتشر الظلم والبهتان، فهل من ساع لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وأعظم السعي إعلاء كلمة لا إله إلا الله خفاقة فوق البقاع.

وإن حلق الحاج شعره تحللا، واتباعا لسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنقطع كل عادة مخالفة لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولنعمل على إحياء سنته في الأمور كلها.

وعندما يقف الحجاج بعرفة، وما أدراكم ما عرفة، فالكريم سبحانه قد جاد وتكرم على سائر العباد بالمغفرة والثواب؛ لمن صام ذلك اليوم تكفير ذنوب سنة ماضية وسنة لاحقة. وأخبرنا أن خير الدعاء دعاء يوم عرفة، حيث ينزل المولى الكريم للسماء الدنيا. فلنغتنم نزوله سبحانه الدائم في سائر الأيام، فسهام الليل لا تخطئ، ولنقم على قدمي الذل والانكسار، ولنبسط أكف الضراعة والاحتياج، فهو الكريم الجواد؛ إذا أعطى أدهش، فلنعظم الطلب فإنه سبحانه لا يعجزه شيء.

وليكن رمينا للجمرات بصد الشيطان وإبطال وساوسه، بالمجاهدة الدائمة، والمخالفة المستمرة لكيده ومكره، عسانا نفوز بهداية الرحمن. قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت: 69). ثم ننحر هوانا وشهواتنا بمواجهة هذه النفس الأمارة بالسوء التي تضلنا عن السبيل القويم.

ويبقى الحج ركنا أساسيا من أركان الإسلام، نجدد النية في كل عام، ونعقد العزم، حتى يأذن لنا المولى الكريم بزيارة بيته الشريف. رزقني الله وإياكم حج بيت الله الحرام. آمين والحمد لله رب العالمين. 


[1] الإمام المجدد عبد السلام ياسين بتصرف.