بقر بني صهيون

Cover Image for بقر بني صهيون
نشر بتاريخ

إن المتدبر في كتاب الله يجد أن قصة سيدنا موسى عليه السلام وبني إسرائيل هي الأكثر ذكرا، وهذا من كماله وإعجازه وعالميته وامتداده التاريخي، ليكون دستورا للبشرية جمعاء ورسالة خاتم النبيئين. لكن ما الذي جعل قصة سيدنا موسى أكثر ذكرا في كتابه الحكيم؟

لقد عاش سيدنا موسى تاريخين اثنين، عاش في عهد فرعون وهي فترة ظهرت فيها آيات عظيمة حتى أهلك الله فرعون وجعله لمن خلفه آية. ثم عاش بعد ذلك مع بني إسرائيل حتى أضلهم الله في الصحراء، وحكم عليهم بالتيه والشتات في الأرض.

والسؤال المطروح هو:

 لماذا أضل الله بني إسرائيل؟

 لماذا كفروا بالله وعبدوا العجل؟ 

لماذا شددوا في أمر ذبح البقرة؟

وما شأن البقرات الحمر؟

عبادة العجل

لقد تعرض بنو إسرائيل للظلم والاستعباد من فرعون حتى فسدت نفوسهم وعميت قلوبهم، فلما أنقذهم موسى عليه السلام  وحررهم من الاستعباد لم تتحمل نفوسهم هواء الحرية، فراحوا يبحثون عن فرعون آخر ليعبدوه من دون الله: قَالُواْ يَٰمُوسَى اَ۪جْعَل لَّنَآ إِلَٰهاٗ كَمَا لَهُمُۥٓ ءَالِهَةٞۖ (سورة الأعراف، الآية 138).  فما إن غاب عنهم موسى عليه السلام لفترة قصيرة حتى جعلوا لأنفسهم عجلا يعبدونه من دون الله كذلك: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوس۪يٰ مِنۢ بَعْدِهِۦ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاٗ جَسَداٗ لَّهُۥ خُوَارٌۖ اَلَمْ يَرَوَاْ اَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاًۖ اِ۪تَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَۖ (سورة الأعراف، الآية 148).

اعتادوا الذل والصغار فوجدوه في البعد عن الله، واعتادوا العبودية لفرعون فوجدوها في العجل، واعتادوا القتل والإجرام والنهب والسرقة والفساد وقتل المصلحين فوجدوه في العجل، واعتادوا الكهانة والدجل والخرافة فوجدوها في العجل.

لقد عانى سيدنا موسى عليه السلام بسبب قومه من بني إسرائيل، فما كان ينجو من محنة معهم حتى تبدأ محنة أخرى، فتعددت انحرافاتهم وجرائمهم.

ذبح البقرة

من انحرافاتهم أيضا عدم امتثالهم لأمر الله تعالى بذبح البقرة، فما كان جوابهم إلا أن قالوا: أَتَتَّخِذُنَا هُزُؤاٗۖ، وفي هذا الكلام سوء أدب مع الله ومع نبيه موسى عليه السلام، لأن الأمر من الله: إِنَّ اَ۬للَّهَ يَامُرُكُمُۥٓ، ومبلِّغ الأمر نبي من أولي العزم من الرسل عليهم السلام أجمعين. وقد أجابهم عليه السلام بما يدحض زعمهم: قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنَ اَكُونَ مِنَ اَ۬لْجَٰهِلِينَۖ (سورة البقرة، الآية 67). ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في سوء الأدب مع الله حين قالوا اُ۟دْعُ لَنَا رَبَّكَ، وكأنهم يقولون: ربك أنت وليس ربنا، فعقيدة العجل ما زالت في قلوبهم، شددوا على أنفسهم فشدد عليهم الله، ورضي الله عن ابن عباس حين قال: “إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم  لما شددوا  على أنفسهم شدد الله  عليهم”.

وقد يكون الهدف من الأمر بذبح البقرة أنها من جنس العجل الذي عبدوه، فأراد الله أن يختبر توبتهم، لكن العجل لا زال في قلوبهم.

وهذا هو حال اليهود، يراوغون ويماطلون ويخادعون، يفسدون ولا يصلحون، قوم بهت كما وصفهم الصحابي الجليل عبد الله بن سلام وكان من أحبار اليهود قبل إسلامه، فهم يقلبون الحقائق ويخفون النتائج ويلصقون الجرائم بغيرهم وينشرون الخرافات.

خرافة البقرات الحمر

يواجه المسجد الأقصى منذ احتلاله انتهاكات مدعومة بمزاعم دينية خرافية لإقامة هيكل مزعوم لم يذكر في أي تاريخ على أنقاض المسجد الأقصى، خاصة بعدما اشتدت شوكة الصهيونية الدينية وبات صوتها أعلى في قيادة الحكومة الصهيونية التي تتغذى على الخرافات الدينية والتي تتجلى  في ذبح بقرات حمر، وقد ذكر ذلك المتحدث الرسمي لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس أبو عبيدة في خطابه فقال: “وأحضرت البقرات الحمر تطبيقا لخرافة دينية مقيتة مصممة للعدوان على مشاعر أمة كاملة”.

فما قصة هذه البقرات؟

هي بقرات ورد ذكرها في خرافات اليهود القديمة، وقد فسِّرت بأنها هي الخلاص والتطهير في آخر الزمان حتى يتسنى لليهود المتطرفين بناء الهيكل المزعوم للمرة الثالثة مكان المسجد الأقصى.

ومن صفات هذه البقرات “المُطهِّرة” بزعمهم أن تكون حمراء اللون صافية، ولدت ولادة طبيعية، لم تختلط ببقر آخر، لم تحمل، لم تتزاوج، لم يعلق حبل على رقبتها، وتعامل معاملة خاصة، وشروط كثيرة مشددة. حتى في خرافاتهم يشددون، وقد صدق فيهم قول سيدنا موسى عليه السلام إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، وما ذبحوها وكادوا يفعلون، لولا استباق المقاومة الأمر فحالوا دون ذلك يوم السابع من أكتوبر، يوم طوفان الأقصى دفاعا عن المسجد الأقصى والمقدسات.

نصر من الله وفتح قريب برجال صادقين أولي بأس شديد، يسوءوا وجوه الصهاينة المجرمين ويسومونهم سوء العذاب ويسقطون مزاعمهم وخرافاتهم وأبقارهم. ويدخلون المسجد الأقصى كما دخلوه أول مرة وعدا من الله، إن وعده كان مفعولا.