بر الوالدين.. “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”

Cover Image for بر الوالدين.. “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”
نشر بتاريخ

يقول الله عز وجل: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان 1. وَعَدَ المولى الكريم عباده ثوابَ إحسانهم جزاءً من جنس العمل، جزاءً مُحَققا تطيب به الدنيا وتطيب به الآخرة، وللآخرة أكبر درجات وأحسن تفضيلا. إحسان بكل معانيه؛ وجزاء تتطلع القلوب وتهفو النفوس إليه. وإن من أحب الأعمال إلى الله عز وجل وأعظمها أجرا وأرفعها قدرا؛ بر الوالدين والإحسان إليهما، وصيةُ الله لنا التي سبقت كل بر وإحسان، قال عز من قائل: وَقَضَى رَبكَ ألا تَعْبُدُوا إِلا إِياهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً 2. بهذا جاءت الوصيةُ الإلهية البالغةُ الوفاء بالإحسان إليهما إجمالا، وما اقتران عبادته بعبادة الإحسان إليهما إلا لعلو مقامهما ومنزلتهما عنده سبحانه.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله قال: “الصلاة على وقتها”، قلت: ثم من؟ قال: “بر الوالدين”، قلت: ثم من؟ قال: “الجهاد في سبيل الله” 3. أحب الأعمال إلى الله وأقصرها طرقا توصل إليه! صلاة نناجي بها الله، وجهاد نبلغ به كلمة الله، وبينهما بر الوالدين؛ اعتراف شكر وحفظ وُدٍّ لفضلِ مَنْ وَلَدَا ورَبَيَا وكانا السببين الواصلين في رحلة الرجوع إلى الله.

إن بر الوالدين لمن الأعمال التي ترفع العبد أعلى الدرجات، وتسوق له الخير والبركات، وتكشف عنه الهموم والكربات؛ الغاية التي يسعى من أجلها المؤمن والمؤمنة والمسلم والمسلمة، ويتمناها كل أب وتتمنها كل أم؛ قرة العين التي لا تنقطع، يدعو بها المسلم لأخيه المسلم عندما يبشر بازدياد مولود “ورزقت بره” 4.

بر في الحياة وبر بعد الممات. من أين يبدأ؟ وما هي الأسباب الموصلة إليه؟ وما بعض أعماله؟

بر الوالدين تربية ومسؤولية

 الهداية من الله والصلاح من الله، لكن هذا لا ينفي أن كل راع مسؤول عما استرعاه الله حَفِظ أم ضَيَّع…؟ مسؤولية الرجل والمرأة أن يقدما بين يدي ربهما عملا صالحا، وهل هناك عمل أعظم من “ولد صالح يدعو له” 5، عمل وأي عمل؛ لا ينقطع أجره ويمتد فضله، بالتربية الصالحة والرعاية الرحيمة والمسؤولية الحافظة يُستحق الفضل الإلهي والكرامة الإلهية، التي يُتوج بها الوالدان الصالحان جزاء ما أنجبا من ذرية صالحة، تستمطر عليهما الرحمات وتفيض عليهما الخير والبركات. وَقُل رب ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبيَانِي صَغِيراً 6، إنه “بلاغ للوالدين ليعلما أن واجبهما وسبب استحقاقهما ليس أن يكونا وعاء مفعولا للقدر، الذي يبرز من بين الصلب والترائب المخلوق المولود، بل السبب ما يقومان به من التربية، تربية الجسد بالعناية المادية الصحية الغذائية، وتربية الروح والعقل والكفاءات الإنسانية والخصال الإيمانية والمروءات الخلقية والمهارات الكسبية.” 7. أسرة صالحة وعمل صالح وأبوان صالحان لا يألوان جهدا في غرس البذور الطيبة في الفطرة الناشئة ورعايتها، وسقايتها حتى تصبح شجرة طيبة مباركة وارفة الظلال طيبة الغلال تساقط ثمرا جنيا على الجميع؛ أولى أسس تنشئة الأبناء على الصلاح والبر؛ كُلّ البر.

بر الوالدين إحسان وإحسان

إن بر الوالدين والإحسان إليهما عطاء إلهي ترعاه العناية الربانية والتفضل الرباني، وجب تعهده بما يصلحه من أسباب الأرض وأسباب السماء، والله يؤتي فضله من يشاء، وإن لمن أسبابه؛ إحسان الظن، وإحسان العمل، وإحسان الدعاء، وإحسان القدوة.

-إحسان الظن

حسن الظن بالله الركن الشديد في بناء البر وعماده، وما يأتي بعدها لبنات تُقِيمُه وتُكمِلُه، وهو علامة من علامات إيمان العبد، وعبادة قلبية حسنة تجمع المؤمن بربه، وتزرع في قلبه بذور اليقين والتفاؤل والاستبشار بكل جميل يلازمه في حياته وعند مماته، به تُقابل عظائم الأمور فَتَنْجلي وتنكشف غمومها، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي؛ إن ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله” 8. نحسن الظن بالله فيما نأمل ونرغب أنه لن يُضيع رجاءنا في برنا بآبائنا، وبر أبنائنا بنا وهو القائل: “وكان بالمؤمنين رحيما” رحمة واصلة لجميع الخيرات والمسرات، يُصيبهم بها في الدنيا ويشملهم بها في الآخرة.

-إحسان العمل

برهان حسن الظن بالله حسن العمل؛ به نُحارب غرور الأماني وتسويل النفس والشيطان. والعمل عملان؛ عمل من نصيب الدنيا به تستقيم “ولا تنس نصيبك من الدنيا”. الإحسان فيه وإتقانه وتَحَري الكسب الحلال فيه والرزق الطيب منه، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. ثمرته جسد طيب مطعمه حلال، ومشربه حلال، وملبسه حلال، وغُذِّي بالحلال، فَالْبِر أوْلى به، والجنة أولى به 9. ويتقبل الله من المتقين. وعمل للآخرة بالتقرب إلى الله عز وجل بالفرض والنفل، وكل أعمال البر التي تسمو بالعبد في معارج القرب من الله وتزيد من نفحات إيمانه. فالمسارعة في الخيرات دأب الصالحين وسبب إكرام رب العالمين. يقول الحق سبحانه عن نبيه زكرياء: فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين 10. وليس يُعين على عمل الآخرة إلا صحبة تَطلب الآخرة؛ صحبة تُحْيِي معاني الإيمان، وترفع الهمة إلى التشوف لمقامات الإحسان، إلى إرادة تتوق وجه الله عز وجل رب الدنيا والآخرة.

يقول جل شأنه: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون 11. حياة طيبة تشمل من الدنيا المال والأهل والولد، وتشمل من الآخرة سعادة الأبد. على هذا الأساس نعمل، نصيب من الدنيا التي منها العمل الصالح خير زاد، وسعي للآخرة التي هي دار المعاد. تتكامل هذه بتلك، لَهَمُّ الله أكثر. والله أكبر.

-إحسان الدعاء

يقول الباري جل وعلا: إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم 12. بالدعاء نقرع باب المولى المحسن ونلح في الطلب أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، فهو الحيي الكريم حاشا سبحانه أن يخيب عبدا سائلا وأمة سائلة؛ فعطاؤه جزيل وفضله غامر، الدعاء سلاح المؤمن الذي يستعين به على صلاح فلذات الأكباد، والزمام الذي به إلى البر تُقَاد، وأحسن الدعاء ما تُحُري فيه الآداب وفضائل الأوقات. ومن آدابه الطهارة والإلحاح والخشوع، وأفضله ما كان في ثلث الليل الآخر. عن أبي أمامة -رضي الله عنه- مرفوعا: قيل يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الدعاء أسمع؟ قال “جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات” 13. والأصل أن كل أوقات المؤمن والمؤمنة فاضلة، تفضل بفضيلتهما، شرط المواظبة على الدعاء والاستغراق فيه مع الصبر وعدم الاستعجال واليقين في الإجابة.

 -إحسان القدوة

 من أسرة حية ببر الوالدين، متواصية بالصبر وتوقير الكبير ورحمة الصغير، تبدأ أولى خطوات السير في طريق البر؛ فَطبْعُ فطرة البشر أن تتأثر بما ترى وتسمع، فمن قدوة فياضة بالبر من أب بار وأم بارة وعمل مبرور تتشبه الأبناء وتتخلق، قال عليه الصلاة والسلام: “بروا آباءكم تبركم أبناؤكم” 14. إنه البر وما يفعل بأهله! لحمة تَوَادٍّ ورحمة متصلة. فمن كان بارا بوالديه، لا جرم أن يكون لهذه القدوة أثر في القلوب؛ بسلوك يسري إلى الأبناء تتلقاه اقتداء واهتداء وعطاء وإحسانا وتفضلا، نماذج حية تمشي بالبر وتَفيض به، يراها الأبناء في الآباء قدوة؛ إحسان بإحسان، حبل موصول من جيل لجيل. وفضل الحنان المنان أوسع لأنه سبحانه يخرج الحي من الميت.

بر الوالدين تخلق ومعاملة

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “البر حسن الخلق” 15. للبر معان كثيرة؛ منها التوسع في الإحسان، ومنها الصلة 16. يقال بر الولد والديه أي توسع في الإحسان إليهما وصلتهما. وعند الفقهاء لفظ جامع لكل الخيرات، من امتثال للأوامر واجتناب للنواهي. وأما التخلق بالخلق الحسن فأمر مطلوب في تعامل المسلم مع الأقربين ومع الناس أجمعين. وإن كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة يَرْعَى وصيةَ الله في الوالدين، فإنه لا يَأْلُو جُهدا ليكمل بره بوالديه بالسعي الجاد في سلوك كمالات البر بهما، فهو علامة عافية الدنيا والآخرة، وعافية الأسرة اللّبِنة العماد في تماسك بناء المجتمع.

الوالدان روح طيبة معطاء، أودع الله في قلبيهما أسرارا من أسرار السماء؛ من عاطفة جياشة ورحمة فياضة وعطاءٍ بدون مقابل، برهم آكد، إحسان بإحسان. أستغفر الله، إحسان بجزء يسير من إحسان، وهل يستطيع المرء أن يرد زفرة واحدة من زفرات وَحَمِ أُمٍّ رَؤوم، أو تنهيدة واحد من تنهيدات شفقة أب رحيم.

إن بر الوالدين آفاق فسيحة وذرى عالية، من سلك أسبابها فقد أخذ بحظ وافر من البر بهما. منها ما هو من حسن التخلق، ومنها ما هو من حسن المعاملة.

-حسن التخلق

1- أن تكون هينا لينا معهما في الأقوال والأفعال، في الحركات والسكنات والنظرات، وتترفق بهما كما ترفقا بك وأنت صغير محتاج لجميع أوجه الإحسان، فاللّيّنُ يُحبه الله، واللين مُتشرب من نبع رحمة رسول الله، المُوطَأ كَنَفا يَألفُ ويُؤلف. أن تنحني لتقبل الرأس واليد؛ نَعَم، وأن تخفض لهما جناح الذل من الرحمة باللّمسة الحانية والاحتضان المشفق الرحيم؛ فهذا أتَم. ضُمَّهما إلى صدرك ودعهما يُحسان بشيء قليل مما كنت به تسعد وترتاح.

الذل مع الوالدين شعور طاهر متوضئ بالخير، مُنْسَاب بالخير.

ذلٌّ يتظلل بآداب تحت “واخفض لهما جناح الذل من الرحمة”؛ كأن تخفض الصوت في حضرتهما، وتناديهما بأحب الأسماء إليهما، ولا تجلس أو تأكل قبلهما، وأن تجلس في حضرتهما بأدب واحترام، وتقابل أمرهما بفرح واهتمام، ولا تكثر أمامهما الشكوى والأنين، ولا تجلس بينهما عابس الوجه مقطب الجبين…

2- الدعاء بظهر الغيب: المؤمن الصالح لا ينسى آباءه وأجداده، أهل الفضل والرحم والسبب في نعمة الوجود، ربوا وحضنوا ورعوا حتى اشتد العود واكتملت الرجولة.

الدعاء غنيمة عظيمة من غنائم بر الوالدين، لا يستغني عنها الذين يجدون ما ينفقون ولا الذين لا يجدون ما ينفقون، ومن يكثر يأت بما أكثر يوم القيامة، ومن يبخل فلا يبخل إلا على نفسه. الدعاء لهما بالخيرات في حياتهما، وبعد أن يصيرا ثاويين في قبريهما يتضاعف الدعاء أضعافا كثيرة. بالدعاء يستمر البر وتستمر الصلة ولا ينقطع العمل.

3- يحرص المؤمن والمؤمنة كل الحرص ألا ينقطع عمل والديه؛ كأن يشتري مصحفا أو مصاحف لمسجد ويُوقِفُ أجره عليهما، أو يساهم بالقليل أو الكثير في بناء نُزلٍ خاص بأعمال البر والخير وَقْفًا عليهما، وليجتهد كل ذي سعة حسب سعته.

رحم الله من قال:

بُشراكَ لو قدّمتَ فِعلا صالحًا * وقضيتَ بعضَ الحقّ من حقّيهما

وقرأتَ من آيِ الكِتاب بقدرِ ما * تسـطيعُــــــهُ وبعثـــــــتَ ذاكَ إليهمــا

4- ذكرهما بالله، وعلمهما ما لا يعلمان- إن كانا أميين- من سور القرآن والأحاديث النبوية والأذكار المسنونة؛ مع مراعاة أساليب اللطف والشفقة والصبر. ولْتَصْحَبك نِيَّةُ “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده.” (الحديث)

5- القرآن، القرآن، القرآن!!! تاج الكرامة وتاج البر، ما أروعها من هدية! وما أروعها من عزيمة! يعقدها المؤمن والمؤمنة ليحفظ كتاب الله العظيم وحرزه المتين وحصنه المنيع إكراما لوالديه، وهل بعد القرآن الكريم وسام أفخر وتاج أكرم يهديه الولد لوالديه؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور، ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن” 17.

6- الهدية، وإن كانا في سعة فلا تدخل خالي اليدين، فللهدية بركة ربانية ونور رباني في توثيق عرا المحبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تهادوا تحابوا”. وأفضل الهدايا ما يحبان من الأشياء؛ تكريما لفضلهما؛ وتقديرا لبذلهما.

7- لا تذكر والديك إلا بخير، اذكر محاسنهما واثْنِ عليهما في حضورهما وغيابهما، وارفع من مقامهما، فما أنت فيه إلا بفضل رعاية وتربية وبركة دعاء والديك، ولا تتحرج في التعبير عن ذلك، كأن تقول لوالدك: وَدِدْت لو يرزقني الله من حكمتك يا والدي… وتقول لأمك: أمنيتي أن تكون ابنتي تشبهك يا أمي خَلقا وخُلقا… (بالتعبير الدارج العائد بينكم فإن له حلاوة وسحر على النفوس).

8- البحث عما يسعدهما ويدخل السرور عليهما:

* إن كنت طالبا أو تلميذا؛ فما يسعدهما أن تكون مهتما ومتفوقا في دراستك وشامة علم وأدب بين أقرانك، فَتَحْصِيلك الدراسي جهاد مرحلتك. لا تتضجر إن أحسست ببعض الصرامة، فصرامتهما من ورائها قلبان يتدفقان رحمة وخيرا من أجلك وأجل مستقبلك.

* إن كنت موظفا أو عاملا أو أستاذا أو … فما يسعدهما أن تكون سيرةً طيبة من الأخلاق تمشي بين الناس وفي خدمة الناس ويتحدث عنها الناس؛ مثالا للتفاني في أداء الواجب المهني، ترى فيك أثر تربية والديك، وتدعو لك “رحم الله من رباك”.

* وإن كانا في حاجة أو عسر، فَخَصص لهما جزءا من راتبك “أنت ومالك لأبيك” (الحديث)، فالإنفاق عليهم واجب، وإكرامهم أوثق عرا الإحسان. وإن كان لك إخوة معسرون أو محتاجون وكنت في سعة أو فائض حاجة، فلا تبخل؛ فإنه موطن سعادتهما ورضاهما.

9- أن تشاورهما في قراراتك الكبرى، فإما أن يرشدوك أو تنال منها دعاء مباركا، وأنعم بها من بركة، وأنوار مشاورتهما حصن لك في كل اختيار.

-حسن المعاملة

1- أن تحسن الاستماع والانصات إليهما، مع إبداء مظاهر البهجة والبسمة والتأثر حسب مقام الحديث، ولا تشتغل بشيء عند مجالستهما، إن استطعت أن تغلق هاتفك فافعل، وإلا فاستأذنهما عند الرد على أي مكالمة. أما فيما يخص الوسائط الاجتماعية؛ فليكن شعارك عندهما “اغلق وسائطك الاجتماعية فأنت في حضرة والديك”.

2- التفقد المستمر لهما والسؤال عن أحوالهما؛ من زيارة ومُهاتفة، فَصَوتك يفرحهما ويطمئنهما، وزيارتك تسعدهما، وتذكر عند نهاية كل زيارة أو اتصال “الله يرضى عليك” إن وزنت بالدنيا رجحت بها. وإن هاتفاك فأجب على اتصالهما فورا، وأبْد تفاعلا مع اتصالهما.

3- العناية بهما والرعاية لأمورهما وقضاء حوائجهما، وألا تؤثر أمر نفسك وعيالك وأهلك على أمورهما، وأن تتملق رضاهما بكل الأسباب المشروعة؛ من لطيف الكلمات وجميل العبارات.

4- ضيافتهما ودعوتهما إلى غذاء أو عشاء في أحد المطاعم، واحرص أن يكون في تاريخ مميز لهما، مثل تاريخ زواجهما (عقد قرانهما يحدد ذلك)، وذكرهما بالمناسبة إن كانا من الجيل الذي أنسته التضحيات من أجل راحة وسعادة الأبناء كل شيء، ابق معهما بعض الوقت، واختلق عذرا، ثم انصرف (لا تنس الأداء). أو في تاريخ ميلادهما، أو في بعض المناسبات كعيد الأم.

5- خذهما معك بين الفينة والفينة في سفر الراحة والاستجمام وخرجات الترويح والترفيه، عَوضهما بعض الشيء عن كبد وتعب السنين، فما أنت فيه؛ قصة كفاح أب وأم ذللت لك الصعاب بفأس الألم.

6- ابذل جهدا في فهم طبيعة نفسِيَتيْهما حتى تتجنب في معاملتك معهما كل ما يؤذيهما.

 في الختام

نقرأ في بعض الكتب من صور الصالحين وأقوالهم في برهم بوالديهم صورا من الآيات؛ تدل على مقدار عظيم من الإحسان، فيحس العبد بالنقص والتفريط وأنه ما شَمّ ولن يشم للبر رائحة، فمنهم من كان لا يأكل مع والدته في طبق واحد خشية أن تسبق عينها شيئا فتمتد يده إليه قبلها؛ ويكون قد عقها. ومنهم من استسقت أمه منه ماء في الليل فقام وجاء به وقد نامت وكره أن يذهب فتطلبه ولا تجده وكره أن يوقظها، فلم يزل قائما والإناء معه حتى أصبح”. وقد سمعت من أكثر من ثقة أن الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله كان عند خروجه من عند والدته يبقى مقبلا عليها بكليته حتى يتوارى عنها أو يحجبه حجاب”.

1-عدم الرضى عن النفس وعدم استحسان حالها وفعلها على دوام الأوقات، هذا هو المطلوب، اتهام دائم لها بالتفريط والتقصير لعلها تتيقظ وتتنبه وتسعى إلى كمال الإحسان في كل شيء.

2-إن بر الوالدين لأمر عظيم، والإحسان إليهما غاية من الغايات العظيمة في رتب الدين، وخلق عظيم من أخلاق الصالحين. نسأل الله أن يكتب لنا كمال البر بهما وتمام الإحسان إليهما، فإن من سمات العبد القصور لاسيما في عظائم الأمور.

3-بعض تلك الصور من بر الوالدين والآداب معهما ومعالي أخلاق في حضرتهما توفيق من الله وعطاء منه” والله يؤت فضله من يشاء”.

4- إن تلك الصور تشمل بر المسلمين والمؤمنين والمحسنين والعارفين كل حسب درجة قربه من الله، وحظه من الله، والعلم بالله، فكلما ارتقى العبد في سلم معرفة الله كلما كانت تكاليف بر الوالدين أدق وأرق.

نسأل الله أن يتداركنا بفضله ويشملنا بعطفه ويرزقنا من كل بر تمامه وكماله.

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] سورة الرحمن الآية 59.
[2] سورة الإسراء الآية 23.
[3] الحديث رواه البخاري ومسلم.
[4] دعاء التهنئة بمولود جديد المأثور هو “بارك الله لك في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشدهُ، ورزقت برهُ”.
[5] جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، رواه مسلم.
[6] سورة الإسراء الآية 23.
[7] عبد السلام ياسين. كتاب العدل الإسلاميون والحكم ص 300.
[8] رواه الإمام أحمد.
[9] جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده “لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به”، وبمفهوم المخالفة كل جسد نبت من حلال الجنة أولى.
[10] سورة الأنبياء الآية 90.
[11] سورة النحل الآية 97.
[12] سورة الطور الآية 28.
[13] رواه الإمام الترمذي (حديث حسن).
[14] رواه الحاكم في المستدرك.
[15] رواه الإمامان مسلم والترمذي.
[16] ابن منظور. لسان العرب. مادة برر.
[17] رواه الحاكم.