الهدنة تستمر.. والمقاومة تبرق رسائل الانتصار عبر مشاهد الإفراج

Cover Image for الهدنة تستمر.. والمقاومة تبرق رسائل الانتصار عبر مشاهد الإفراج
نشر بتاريخ

دخلت الهدنة المقررة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و”إسرائيل”، اليوم الثلاثاء 28 نونبر، يومها الخامس، بعد تمديدها يومين إضافيين بنفس شروط الهدنة السابقة. أفرجت خلال الأربعة الأيام الماضية حركة حماس عن 69 محتجزا لديها في قطاع غزة، في حين أفرجت “إسرائيل” عن 150 أسيرا فلسطينيا من النساء والأطفال، ويتوقع الإفراج اليوم عن نحو 30 أسيرا فلسطينيا مقابل حوالي 10 محتجزين لدى حماس من النساء والأطفال ومزدوجي الجنسية.

 

وقد سطر رجال المقاومة الفلسطينية أروع المشاهد خلال تسليم المحتجزين الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر الدولي في قطاع غزة؛ فبشكل غير معهود في الحروب ظهرت وجوه الأسرى مطمئنة مبتسمة وهم يصحبون أفراد من رجال المقاومة ونسائها، يحتضنون الصغار ويمدون يد العون لكبار السن، يودعونهم بتلويح الأيادي وكلمات الشكر. وجلّت المشاهد المصورة أشخاصا نالوا حظهم من الرعاية والتطبيب وهم تحت الأسر.. وحكت تصريحات المفرج عنهم، وأحيانا ذويهم، عن المعاملة الإنسانية التي حظوا بها في الأسر، تقول إحداهن: “كتائب القسام تعاملوا معنا بشكل إنساني، ولم يعذبونا أو يحققوا معنا، ولم يصرخوا أو يعتدوا علينا، وقدموا لنا الشراب والطعام والدواء”.. مفندين بذلك كل الادعاءات الكاذبة التي كان يروجها الاحتلال عن “حركة إرهابية” تعذّب الأسرى..

وتبلغ الحكاية ذروتها عندما تكتب إحدى المحتجزات قبل خروجها من الأسر رسالة شكر لرجال المقاومة على إنسانيتهم “غير الطبيعية”، على حد تعبيرها، في التعامل مع ابنتها “إميليا” الصغيرة، كلمات شكر تكررت في الرسالة ذاتها ست مرات، مع عبارات تنقل من جهة هذا التعامل الراقي مع الطفلة ومن جهة أخرى ذلك الصدى الطيب الذي خلفه هذا التعامل عند الأم؛ التي يبدو أنها لم تكن تتوقع ذلك لكثرة ما يروج المحتل من أكاذيب حول أخلاق المقاومين بشكل خاص والعرب والمسلمين بشكل عام، من هذه الصيغ: “كنتم لها مثل الأبوين”، “هي تعترف بالشعور بأنكم كلكم أصدقاؤها ولستم مجرد أصدقاء، وإنما أحباب حقيقيون جيدون”، “شكرا على الساعات التي كنتم فيها كالمربية”، “شكرا لكونكم صبورين تجاهها وغمرتموها بالحلويات والفواكه وكل شيء موجود حتى لو لم يكن متاحا”، وأنى لرجال يخوضون الحرب أن يتوفروا على رفاه الحلويات التي لا يجدها في قطاع غزة حتى المدنيون.. “للأبد سأكون أسيرة شكر”.. وغيرها من الكلمات الطيبات، لتختم رسالتها بالتمني لرجال المقاومة “جميعا الصحة والعافية.. صحة وحب لكم ولأبناء عائلاتكم”..

رسالة تعتبر كافية للاطلاع على أخلاق المقاومين السامية المستمدة من الدين الإسلامي الذي سبق كل المواثيق الدولية في التأكيد على حقوق الأسرى قولا وفعلا، ينصرف على كل الناس بدون ازدواجية في التعامل أو تمييز مقيت، ودحض الأباطيل التي تقوم عليها سرديات الصهاينة التي يتكئون عليها في حربهم ضد فلسطين، رسالة كافية كي يميز المجتمع الدولي الفرق بين الفلسطينيين أصحاب الحق والكيان الغاصب الوحشي ويعملون على إيقاف هذه الإبادة البشعة.

 

في الجانب الآخر، تؤكد حالة بعض الأسرى الفلسطينيين الخارجين من سجون الاحتلال، وتصريحاتهم بالإجماع، الوضع المزري الذي يعيشه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال؛ من قمع وضرب وتنكيل وتجويع وتعطيش وفرض اكتظاظ كبير، ناهيك عن ظروف الاعتقال غير الإنسانية.. وحشية وسادية لا سند لها لا دينيا ولا إنسانيا ولا قانونا ولا عرفا..

 

على المستوى السياسي والإعلامي شكل تسليم مقاومي “كتائب عز الدين القسام” الجناح العسكري لحركة حماس الدفعة الثالثة من الأسرى الصهاينة يوم الأحد 26 نونبر في شوارع شمال قطاع غزة، الذي تعرض لدمار هائل بسبب قصف طيران الاحتلال الصهيوني المجنون لمدة شهر ونصف والذي يسوق المحتل أنه أحكم سيطرته عليه، في مشهد مهيب اعتبره البعض عرضا عسكريا، حيث حضره عشرات المقاومين بملابسهم العسكرية وسلاحهم وسياراتهم، وسط هتاف وترحيب ودعم سكان المدينة، كل هذا شكل رسائل مهمة للعدو المحتل وللعالم أجمع، أهمها إظهار تماسك المقاومة وتحكمها بالميدان وبإدارة المعركة، ثم تأكيد الحاضنة الشعبية للمقاومة المسلحة والالتفاف الشعبي حولها، وهو ما يشكل ضربة جديدة للصهاينة وانتكاسة أخرى ينضاف إلى سلسلة إخفاقاتهم المتتالية، ويثبت نجاح المقاومة في إدارة المعركة بذكاء على جميع المستويات منذ السابع من أكتوبر المنصرم.

الأمر نفسه ينسحب على هتافات المفرج عنهم من الضفة الغربية وذويهم وكل من حضر الإفراج، رغم التضييق الممنهج على الأهالي قصد منعهم من الاحتفالات بحرية أسراهم والذي بلغ حد مداهمة البيوت وطرد من فيها واستدعاء العوائل تخويفا وترهيبا.. كلمات وهتافات صبت كلها في دعم وشكر المقاومة، بل وتأكيد أنهم خلفها لآخر نفس، وفق تعبير أحد المفرج عنهم.. ولعل صرخة سيدة وسط رام الله خلال استقبال الأسرى المحررين: “والله ما جئنا احتفالا بل جئنا للهتاف والوفاء للمقاومة وغزة”، وترديد أغلبهم لشعار “حط السيف قبال السيف احنا رجال محمد الضيف”، خير دليل على أن فلسطين وطن واحد وجسم واحد، تقف جميعها صفا واحدا وراء المقاومة وكلها يقين أنها السبيل الوحيد للتحرير.