النيابة الشرعية.. تحقيقا للمصلحة الفضلى للطفل

Cover Image for النيابة الشرعية.. تحقيقا للمصلحة الفضلى للطفل
نشر بتاريخ

تعتبر النيابة الشرعية من القضايا التي حازت نصيبا مهما في النقاش المجتمعي الخاص بتعديل مدونة الأسرة، وذلك راجع إلى الإشكالات التي تطرحها على مستوى تنزيل المقتضيات المتعلقة بها في هذه المدونة، خاصة أنها ترتبط بتدبير شؤون القاصر الشخصية والمالية؛ أثناء قيام العلاقة الزوجية بين الأب والأم حيث يتم هذا التدبير في إطار المساواة في رعاية الأسرة الذي تنص عليها المادتين 4 و54 من مدونة الأسرة، وبعد انفصام العلاقة الزوجية حيث يطرح الاهتمام بشؤون القاصر مجموعة من الإشكالات على مستوى تحديد المكلف بالنيابة الشرعية عليه، وما يمكن أن يترتب عن ذلك من آثار على تدبير شؤون القاصر الشخصية والمالية، ولتسليط الضوء على هذا الموضوع سنتناوله بالنقاش في محورين؛ نتطرق في الأول إلى الإشكالات المطروحة على مستوى تنزيل مقتضيات النيابة الشرعية في مدونة الأسرة، فيما نعرض في المحور الثاني بعض المقترحات لتجاوز هذه الإشكالات.

المحور الأول: الإشكالات المثارة بخصوص النيابة الشرعية

ورد في لسان العرب لابن منظور “ناب عني فلان ينوب نوبا ومنابا أَي قام مقامي؛ وناب عني في هذا الأمر نيابة إِذا قام مقامك”.

وقد عرف الأستاذ محمد الكشبور النيابة الشرعية بأنها “سلطة تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء التصرفات القانونية وتنفيذها عن المولى عليه، كأن يتصرف في أموال أبنائه القصر أو يقوم بحضانتهم أو بتزويجهم” 1.

وبالرجوع إلى مدونة الأسرة نجد أن المشرع نظم النيابة الشرعية في القسم الثاني من الكتاب الرابع المعنون بالأهلية والنيابة الشرعية حيث جعل، بمقتضى المادة 229، النيابة الشرعية عن القاصر إما ولاية أو وصاية أو تقديما، وعلى اعتبار أن الولاية هي التي تهمنا هنا سنقصر الحديث عنها دون غيرها.

بالرجوع إلى الدليل العملي لمدونة الأسرة نجده عرف الولاية بأنها “تدبير شؤون القاصر الشخصية والمالية، وهي نوعان: ولاية على النفس وتشمل الإشراف على شؤون القاصر الشخصية من تأديب وتعليم وتطبيب وتزويج وتشغيل ونحو ذلك، وولاية على المال وهي الإشراف على شؤون القاصر المالية من حفظ واستثمار وتصرفات في ماله، كالرهن والبيع وغيرهما” 2.

وقد حدد المشرع في المادة 230 المقصود بالنائب الشرعي، حيث اعتبره في الفقرة الأولى هو الولي وهو الأب والأم والقاضي، كما حدد في المادة 231 صاحب النيابة الشرعية في:

 – الأب الراشد؛

 – الأم الراشدة عند عدم وجود الأب أو فقد أهليته؛

 – ……………………….”.

وبذلك تكون الأم البالغة سن الرشد، والتي لم يثبت سبب من أسباب نقصان أهليتها أو انعدامها، تمارس النيابة الشرعية عند عدم وجود الأب، إما بسبب وفاته أو غيبته في مكان مجهول، أو كونه مجهولا أصلا، أو عدم ثبوت نسب الولد القاصر إليه، أو فقده أهليته.

وقد أثار هذا الترتيب الذي نص عليه المشرع في ممارسة النيابة الشرعية من قبل الأب والأم العديد من الإشكالات خاصة عند انفصام العلاقة الزوجية حيث تواجه الأم الحاضنة للأبناء القاصرين مجموعة من المعيقات في تدبير شؤونهم، إذ تم تسجيل العديد من الحالات التي لا يقوم فيها الأب بواجب النيابة الشرعية تجاه الأبناء رغم عدم وجود أي عائق يحول دون ممارسته لهذا الواجب، بل قد يلجأ في غالب الأحيان إلى المساومة في تسليم الإذن بالسفر أو الوثائق الإدارية الخاصة بالأبناء للأم الحاضنة مقابل تنازلها عن واجبات النفقة والحضانة والسكن المتعلقة بالأبناء.

ومن بين الإشكالات التي تم رصدها وتناولها بالنقاش في إطار المطالبة بتعديل مدونة الأسرة بخصوص النيابة الشرعية ما يلي:

1- انفراد الأب بالنيابة الشرعية على الأبناء طبقا للمادة 236 من مدونة الأسرة، التي نصت على أن: “الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع، ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب”.

2- عدم إسناد النيابة الشرعية على الأبناء للأم الحاضنة في حالة انفصام العلاقة الزوجية مما يثير مجموعة من الإشكالات المطروحة على مستوى تدبيرها لشؤون المحضون:

* ضرورة موافقة النائب الشرعي (الأب) على السفر بالمحضون خارج أرض الوطن؛

* لا يمكن تسليم شهادة المغادرة بالنسبة للمحضون في المدارس إلا للنائب الشرعي (الأب)؛

* لا يمكن تسليم وتدبير أموال المحضون إلا من قبل النائب الشرعي (الأب) رغم أن الأم الحاضنة هي التي تتكلف بجميع أمور المحضون الشخصية والمادية في غياب الأب في غالب الأحيان (إرث، وصية، تعويض عن حادثة سير،…)؛

هذه الإشكاليات اعتبرت ناتجة عن المقتضى الوارد في المادة 238 من مدونة الأسرة، التي تنص على أنه:

“يشترط لولاية الأم على أولادها:

1- أن تكون راشدة؛

2- عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو بغير ذلك”.

3- المطالبة بالمساواة في النيابة الشرعية بين الأب والأم عن أبنائهما قد يتسبب في تحميل الحاضنة أعباء مالية إضافية قد تثقل كاهلها؛ من قبيل مطالبتها بالتعويض عن الأضرار التي يتسبب فيها محضونها القاصر للغير، والحال أن الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود جعل مسؤولية الأم تأتي في الترتيب بعد الأب عند وفاته، وذلك حينما نص على أنه:

“لا يكون الشخص مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب، لكن يكون مسؤولا أيضا عن الضرر الذي يحدثه الأشخاص الذين هم في عهدته.

الأب فالأم بعد موته، يسألان عن الضرر الذي يحدثه أبناؤهما القاصرون الساكنون معهما”.

وقد فرضت هذه الإشكالات فتح النقاش من أجل إيجاد حلول لما تعانيه الأم الحاضنة على مستوى تدبير شؤون أبنائها القاصرين بما يوفر لهم البيئة الملائمة للنمو بشكل طبيعي، ولا يسمح للخلاف الموجود بين الأب والأم بالتأثير عليهم. وهذا ما سنحاول المساهمة فيه ببعض المقترحات في المحور الموالي.

المحور الثاني: بعض المقترحات لتجاوز الإشكالات المثارة بخصوص النيابة الشرعية

من أجل تجاوز المشاكل التي تواجهها الأم الحاضنة في تدبير شؤون أبنائها القاصرين، كان لابد من فتح باب النقاش والحوار حول هذا الموضوع، الأمر الذي أسفر عن تسجيل بعض المقترحات التي نجملها فيما يلي:

1- النص على أن النيابة الشرعية على الأبناء تكون للأب حال قيام العلاقة الزوجية، وللأب والأم معا فيما يتعلق بالإجراءات الإدارية لتدبير شؤون الأبناء حال انفصام العلاقة الزوجية، وفي حالة وقوع خلاف بينهما حول هذا الأمر يرفع إلى القضاء الاستعجالي ليفصل فيه على ضوء المصلحة الفضلى للمحضون.

وتأكيدا لهذا المبدأ أصدرت محكمة الاستئناف بمراكش قرارا بتاريخ 19 أبريل 2016 في الملف عدد 4785/1202/2015، جاء في إحدى حيثياته ما يلي:

“حيث تبين للمحكمة من خلال اطلاعها أثناء المداولة على مستندات الملف ومستنتجات الطرفين وردا على ما أثير من قبل المستأنف في شأن الوسيلة المتعلقة بكون المستأنف عليها لم تحصل على إذن قاضي المحاجير فإن تقديم الدعوى للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي خلفتها حادثة السير في مواجهة المسؤول المدني عنها وشركة التأمين من طرف والدة القاصر لا يشترط فيها طبقا لمدونة الأسرة الحصول على إذن مسبق من قاضي شؤون القاصرين ولا تدخل ضمن الحالات الموجبة للإذن مما يكون ما أثاره المستأنفين في غير محله ويتعين رده”مجلة المحامي، العدد 69، الصفحة 523..

2- النص على أن المحكمة تبت عند الحكم بالطلاق أو التطليق في إسناد النيابة الشرعية أو بعض مقتضياتها للأب أو الأم الحاضنة، على غرار البت في إسناد الحضانة، بما يحقق المصلحة الفضلى للمحضون.

وقريبا من هذا المبدأ جاء في قاعدة قرار المجلس الأعلى عدد 602 الصادر بتاريخ 23 يناير 2008 في الملف عدد 124/06 ما يلي:

“لما ثبت للمحكمة أن سفر المطلوبة بالمحضون إلى بلجيكا كان هو ضرورة علاج المحضون من مرضه وتحسين حالته الصحية، كما ثبت لها أن المطلوبة لم تستوطن بصفة دائمة ببلجيكا، ولم تمانع في زيارة الطالب لابنه ومراقبة أحواله باعتباره يقيم بفرنسا، وهي أقرب من بلجيكا إلى المغرب الذي تستوطن فيه المطلوبة مع المحضون، وبذلك فإن المحكمة لما رفضت طلب إسقاط الحضانة استنادا على ما ذكر، تكون قد طبقت مقتضيات المادة 163 من مدونة الأسرة تطبيقا سليما”قرار منشور بأهم قرارات المجلس الأعلى في تطبيق مدونة الاسرة، الصفحة 104..

3- تعديل الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود بالنص على تحميل الحاضنة المسؤولية عن الأضرار التي يلحقها المحضون بالغير عند جمعها بين الحضانة والنيابة الشرعية بحكم قضائي بعد انفصام العلاقة الزوجية تطبيقا لقاعدة الغرم بالغنم، وذلك مع جعل أمر إسناد النيابة الشرعية على الأبناء المحضونين للأم بناء على طلبها لأن من شأن ذلك أن يثقل كاهلها بأعباء مالية إضافية.

وخلاصة القول، لا يمكن أن نختم الحديث في موضوع النيابة الشرعية دون الإشارة إلى أن علاج أمر إسناد النيابة الشرعية للأم الحاضنة لا يمكن أن يناقش إلا في إطار شامل مع باقي المقتضيات المتعلقة بتدبير شؤون الأبناء القاصرين بعد انفصام العلاقة الزوجية بين الأب والأم، لأن مدونة الأسرة عالجت إسناد النيابة الشرعية في علاقتها بالحضانة، وأداء النفقة، وممارسة حق صلة الرحم في إطار التوازن الذي يسمح بتحقيق التكامل بين هذه المؤسسات جميعها حرصا على تحقيق مصلحة الأبناء، من خلال إسناد كل مؤسسة من هذه المؤسسات إلى من هو مؤهل لممارستها بالشكل الذي يحقق الهدف من تنظيمها ألا وهو المصلحة الفضلى للأطفال، مع الحرص على بقاء روابط التواصل والاطلاع على أحوال المحضون من خلال صلة الرحم، ناهيك عما يجب الوقوف عنده من أعباء إضافية سيتم تحميلها للأم الحاضنة التي أسندت لها النيابة الشرعية، وإن كان ذلك بناء على طلبها، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها.


[1] محمد الكشبور، الواضح في شرح مدونة الأسرة، الزواج، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2006، الصفحة 56.
[2] وزارة العدل، دليل عملي لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانوني والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد 1، 2004، ص 136.