النساء شقائق الرجال في الأحكام.. من أجل علاقة تكاملية

Cover Image for النساء شقائق الرجال في الأحكام.. من أجل علاقة تكاملية
نشر بتاريخ

قضية المرأة من القضايا المحورية، التي طبعت اهتمام كثير من العلماء والمفكرين قديما وحديثا، لكون المرأة هي الدعامة الأساس في خلية الأسرة، والحلقة الأوثق في بناء ونماء المجتمعات.

اختلفت زوايا النظر في هذه القضية، باختلاف المرجعيات الدينية والمشارب الفكرية، ما بين داع إلى التحجير عليها بدعوى عدم أهليتها، وحرمانها من حقوقها، والوصاية عليها.. وداع إلى تحريرها من قيود الدين والتقاليد البالية، لتنعم بالسعادة والحرية، كما هي عليها مثيلتها المرأة الغربية.

أمام هذه الدعاوى المتعارضة، ما هي حقوق المرأة في ميزان الشريعة الإسلامية؟

هل هي شخص كامل الأهلية، شقيقة أخيها الرجل في تطبيق الأحكام الدينية؟ أم مواطنة من الدرجة الثانية، ناقصة عقل ودين؟

سنحاول تناول هذه الإشكالات من خلال المحورين التاليين:

المحور الأول: قضية المرأة بين قيود التقليد ودعاوى التغريب.

المحور الثاني: طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في مجال تطبيق الأحكام الشرعية.

المحور الأول: قضية المرأة بين قيود التقليد ودعاوى التغريب

روى الحافظ بن كثير في “البداية والنهاية” أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال: “قد علمت ورب الكعبة متى تهلك العرب: إذا ساسهم من لم يدرك الجاهلية ولم يكن له قدم في الإسلام”، مقالة نقتبسها لنؤكد على أهمية الاطلاع على أحوال الأمة، لنكون على بصيرة بتحولات الأمور، وكذلك الشأن بالنسبة لقضية المرأة، فلا يمكن تناولها بمعزل عن تاريخ الأمة الإسلامية، وتأثيره في تأويل النصوص الشرعية حسب المقتضيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية…

فما هي المكانة التي حظيت بها المرأة المسلمة في العهد النبوي الفاضل؟

كيف انحطت المرأة بانحطاط المسلمين، وظهور فقه تقليدي جامد؟

ما هي مخاطر الاستعمار الغربي في طمس هوية المرأة المسلمة؟

1- المرأة المسلمة مكرمة مشرفة

كانت المرأة في العهد النبوي الراشد مكرمة معززة، تتمتع بكامل حقوقها لا فرق بينها وبين أخيها الرجل، فهم إخوة في الرحم الإنسانية، والكرامة الآدمية، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [سورة الحجرات: 13].

فشريعة الإسلام ضمنت لها حقوقا عديدة:

الحق في الحياة، بعدما كانت ولادتها مجلبة للعار والخزي لوليّها، فتأخذه الحيرة في أمرها؛ أيمسكها على مضض، أم يقبرها حية في التراب، كما جاء في قوله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل: 59-58].

في حين لم يتم الإعلان عن هذا الحق في التشريع العالمي إلا في 10 نونبر سنة 1948 من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي ينص على: “يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق”. 

الحق في التربية والتعليم: ولعمري هو من أعظم الحقوق التي ترفع الجهل والظلم عن المرأة وتمكنها من اكتساب العلم والفضيلة، فأخذت أمهات المؤمنين والصحابيات العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتميزن في الفقه والفتوى والرواية.

الحقوق المالية: للمرأة في الإسلام ذمة مالية، تستطيع بموجبها التصرف في أموالها، وعقد كافة المعاملات المالية، من بيع وشراء وهبة. كما لها الحق فوق ذلك في النفقة والصداق والميراث. وغيرها من الحقوق، كالحق في رعاية الأسرة، والحق في العمل، والحق في المشاركة السياسية..

في حين كانت المرأة في الديانات الأخرى التي تعرضت للتحريف، شخصا محتقرا أو أقل درجة من الرجل. كما جاء في التوراة: “درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون؛ فوجدت أمرّ من الموت: المرأة التي هي شباك، وقلبها شراك، ويدها قيود” (التوراة: سفر الجامعة).

لكن سرعان ما تبدلت الأحوال السياسية وساد فقه تقليدي أعاد المرأة القهقرى إلى الحضيض، فما هي أسباب وتجليات هذا التحول على قضية المرأة؟

2- الانكسار التاريخي وظهور الفقه التقليدي

روى الترمذي رحمه الله عن سفينة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك”، قال سعيد بن جهمان، ثم قال (أي سفينة): أمسك (أمسك بأصابعك) خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان ثم خلافة علي، فوجدناها ثلاثين سنة، قال سعيد: قلت له: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم. قال: بنوا الزرقاء، بل هم ملوك شر ملوك” (رواه الترمذي).

مصطلح الانكسار التاريخي مفهوم منهاجي استعمله الأستاذ عبد السلام ياسين في كتاباته، كتعبير عن التغيير المفصلي الذي حدث في تاريخ الأمة الإسلامية، بعد انقضاض بنو أمية على الخلافة الإسلامية في عهد الخليفة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

 هذا التحول أصاب الأمة في مقتل، وكان إيذانا بنهاية حكم راشد يقوم على العدل والشورى على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبداية ملك عاض يقوم على الاستبداد والعصبية القبلية.

انعكست هذه الأوضاع سلبا على المناخ العلمي، وسد باب الاجتهاد وظهر فقه تقليدي منحبس استند على تأويلات ضيقة مجحفة لحق المرأة، بدعوى سد الذرائع.

انتقد الشيخ القرضاوي رحمه الله الفهم التسطيحي للنصوص الشرعية قائلا: “لقد حبسوها في البيت، فلا تخرج لعلم ولا عمل، ولا تساهم في أي نشاط نافع يخدم مجتمعها، مهما يكن نوعه. حتى صور بعضهم المرأة الصالحة بأنها لا تخرج من بيتها إلا مرتين: مرة من بيت أبيها إلى بيت زوجها، ومرة من بيت زوجها إلى قبرها.

وهذا للأسف ما نص عليه مذهب الشافعية والمالكية، وجمهور من الحنابلة، بناء على أدلة لا تقوى على المناقشة، ولا تصمد أمام حجج الخصوم، حتى رفضها رجل مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الإمام ابن القيم” [1].

انعكست الأوضاع بمختلف تجلياتها على الأمة الإسلامية، فاستبيحت بيضتها من طرف الاستعمار الغربي المتربص، فعمل على فرض نموذجه الحضاري المتفوق علميا واقتصاديا، فظهر تيار فكري تغريبي تشبع بأفكاره، دعا إلى تحرير المرأة المسلمة.

فهل نجح التيار التغريبي فعلا في تحرير المرأة، وإنصاف مظلوميتها؟ أم كان مكيدة استعمارية لطمس هوية المرأة؟

3-  مخططات الاستعمار الغربي في طمس هوية المرأة المسلمة

بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية سنة 1924م، احتل الاستعمار الغربي العالم الإسلامي، وفككه إلى دويلات ضعيفة متناحرة، استطاع إحكام قبضته عليها وطمس معالم حضارتها ومسخ هويتها، فكانت له الغلبة في الميدان لبطش آلته العسكرية، وقوته الاقتصادية، وتفوقه الحضاري.

استطاع المسلمون بقوة إيمانهم تحرير أوطانهم من السيطرة الاستعمارية، لكنهم فشلوا في صد هجمته الحضارية، فانتحلوا “نحلة الغالب”، وهي عبارة صاغها ابن خلدون في مقدمته. قال رحمه الله: “فصل في أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده” [2].

انبرى للدفاع عن الفكر التغريبي أدباء ومفكرون تشبعوا بثقافته، وتلقوا تعليما مباشرا في مدارسه التي عمل على تأسيسها لتنفيذ مخططاته.

يقول: “بول مارتي” أحد منظري السياسة الاستعمارية بالمغرب: “إن الغزو الروحي يتطلب قرونا من الجهود وعديدا من الأجيال، فحي على العمل المتواصل إذن في بلاد البربر المغربية وحي على فتح المدارس” [3].

احتلت قضية المرأة النصيب الأوفر من اهتمام هؤلاء، فدعوا إلى تحريرها من التقاليد البالية، والتعاليم الدينية، لتنعم بالحرية والمساواة والرفاهية كمثيلتها المرأة الغربية.

كتب قاسم أمين “تحرير المرأة” منطلقا من رؤية إصلاحية، سرعان ما تحول عنها إلى تبني عقيدة غربية في “المرأة الجديدة”، واقتفى أثره سيد أحمد خان في الهند، وضياء كوكب خان في تركيا، والطاهر الحداد في تونس..

في حين نجح زعماء علمانيون كأتاتورك وبورقيبة في فرض النموذج الغربي، وضياع الهوية الإسلامية. وظهرت أحزاب وحركات نسائية ناضلت لتحرير المرأة وفصلها عن مقوماتها الحضارية، متهمة الإسلام بالمسؤولية في مظلوميتها.    

أدرجنا هذه المقدمات التاريخية، لنفهم التحولات السياسية والفكرية والاجتماعية، التي تباينت في مطارحاتها لقضية المرأة.

فما هي أبرز القضايا المحورية التي تناولتها بعض الأحكام الشرعية، وأثارت سجالا لتأويلاتها المتباينة لحقوق المرأة؟

المحور الثاني: طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في تطبيق مقتضيات الأحكام الشرعية: علاقة تكاملية أم علاقة غير متساوية؟

اقتضت حكمة الله تعالى أن تختلف المرأة عن الرجل في الخلقة والوظيفة لتحقيق التكامل بينهما.

نورد هاهنا تفسيرا لطيفا للإمام الشعراوي رحمه الله في قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) [سورة الليل].

“فالليل والنهار متقابلان متكاملان لا متضادان، كذلك الذكر والأنثى، لكل دوره ومهمته الخاصة، فإن حاولت أن تجعل الليل نهارا، أو الذكر أنثى، أو العكس، فقد خالفت هذه الطبيعة التي اختارها الخالق سبحانه” [4].

سنكتفي بعرض أمثلة توضيحية لفهم طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل فيما يخص تطبيقات النصوص الشرعية، من خلال القضايا التالية:

1- حق الرجل والمرأة سواسية في طلب الكمال الإيماني

عن عائشة رضي الله عنها قالت: “سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما، قال: “يغتسل”. وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل قال: “لا غسل عليه”. فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك أعليها غسل، قال: “نعم، إنما النساء شقائق الرجال” رواه أبو داود.

معنى الشقائق: قال ابن منظور والمناوي أنها نظائر الرجال وأمثالهم في الأخلاق والطباع والأحكام، معنى ذلك أنهن شقيقات الرجال في ما شرع الله من أحكام، إلا ما استثناه الشارع حسب اختلاف الخصوصية لتحقيق التكامل في وظيفة كل منهما.

والشواهد على ذلك كثيرة، منها الحديث الذي روته أم سلمة رضي الله عنها أنها  قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله، ما لي أسمع الرجال يذكرن في القرآن، والنساء لا يذكرن؟ فأنزل الله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ  رواه النسائي في سننه عن أم سلمة.

قال ابن عاشور رحمه الله: “فالمقصود من أصحاب هذه الأوصاف المذكورة النِّساءُ، وأمَّا ذكْرُ الرِّجال فللإشارة إلى أنَّ الصِّنفين في هذه الشَّرائع سواء؛ ليعلموا أنَّ الشَّريعة لا تختصُّ بالرِّجال، لا كما كان معظم شريعة التَّوراة خاصًّا بالرِّجال إلاَّ الأحكام التي لا تُتَصوَّر في غير النِّساء، فشريعة الإسلام بعكس ذلك الأصل في شرائعها أن تعمَّ الرِّجال والنِّساء إلاَّ ما نُصَّ على تخصيصه بأحد الصِّنفين، ولعلَّ بهذه الآية وأمثالها تَقَرَّر أصلُ التَّسوية، فأغنى عن التَّنبيه عليه في معظم أقوال القرآن والسُّنَّة” [5].

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضْحَى أو فِطْر إلى المُصَلَّى، فَمَرَّ على النساء، فقال: “يا مَعْشَرَ النساء تَصَدَّقْنَ فإني أُرِيتُكُنَّ أكثر أهْل النار”. فقُلن: وبِمَ يا رسول الله؟ قال: “تُكْثِرْن اللَّعن، وتَكْفُرْن العَشِير، ما رَأَيْت من ناقِصَات عَقْل ودِين أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُل الحَازم من إحدَاكُن”. قُلْن: وما نُقصَان دِينِنَا وعَقْلِنَا يا رسول الله؟ قال: “ألَيْس شهادة المرأة مثل نِصف شَهادة الرَّجُل”. قُلْن: بَلَى، قال: “فذَلِك من نُقصان عقْلِها، ألَيْس إذا حَاضَت لم تُصَلِّ ولم تَصُم”. قُلْن: بَلَى، قال: “فذَلِك من نُقصان دِينِها” رواه البخاري.

شبهة نقصان العقل والدين كثيرا ما تثار ضد المرأة من خلال هذا الحديث، الذي كان على سبيل البسط مع النساء في صبيحة عيد. وقد عزا رسول الله صلى الله عليه وسلم نقصان العقل والدين لخصوصية وظيفتها.

فالمرأة مؤهلة لبلوغ مقامات الكمال الإيماني والخلقي والعلمي، ضرب القرآن المثل في ذلك بسيدتنا مريم الطاهرة وآسية زوج فرعون، وأقر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون. وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام” الثريد: الخبز واللحم، الطعام المفضل عند العرب.

قال الصنعاني: (وليس في الاقتصار عليهما حصر الكمال فيهما) [6].

2- تكامل الأدوار الأسرية من خلال مفهوم القوامة والحافظية

الأسرة دعامة أساسية في المجتمع، وهي المحضن الأول لتربية الأبناء، يقوم على علاقة مقدسة يرتبط من خلالها الرجل والمرأة بميثاق غليظ عبر مؤسسة الزواج.

هذه العلاقة وضع أسسها الشارع من خلال مجموعة من المفاهيم القرآنية، كمفهوم القوامة والحافظية. يقول الله تعالى في محكم كتابه: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء: 34].

القوامة لغة: جاء في لسان العرب “رجل قائم من رجال قوم وقيم وقيام.. قد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح”.

فالقوامة في دائرة الشرع هي مسؤولية وقيادة حانية وحكيمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: “ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الأعظم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته ومسؤول عن رعيته” متفق عليه.

روى ابن جرير الطبري بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “خيرُ النِّساءِ امرأةٌ إذا نظرتَ إليها سرَّتكَ، وإذا أمرتَها أطاعتْكَ، وإذا غِبتَ عنها حفِظتْكَ في نفسِها ومالِكَ”.

من خلال هذا الحديث يستنبط الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله مفهوما شاملا للحافظية، تتحقق عبرها مقاصد الدين الخمسة كما حددها الإمام الشاطبي رحمه الله.

“في الحديث الشريف تتميز ملامح الحافظية، ويظهر لفظها، في نطاق الحياة الزوجية. استقرار البيت المسلم الذي ينظر فيه الزوج إلى زوجه فتسره. يعني ذلك أنه يحبها ويسكن إليها، لا أن شرطها أن تكون فاتنة الجمال الجسدي. ذلك يذبل ويبقى جمال الخلق وكمال الحافظية. البيت المسلم الذي يمارس فيه الزوج “درجة” قائد السفينة، هو هناك مع خرائطه، ومخططات الإبحار، ومواجهة أهوال الموج، وهي حافظة لما به تتغذى السفينة وتتحرك من دواليب خفية ووَقود وصيانة. تطيع الربان إذا أمرها، وتحفظ غيبه في نفسها وماله…

ضروريات خمس قرأنا منها ثلاثا. قرأنا حافظية المرأة على النسب وعلى نفسها، وهما متلازمتان. ثم حافظيتها على مال زوجها. بقيت ضروريتان مما عند إمام فقه المقاصد: حفظ الدين، وحفظ العقل. هل ينحفظ شيء من أمانات النساء إن لم يكن إيمانهن باعثا، وعقلهن مدبرا؟” [7].

هكذا يتضح أن القوامة أخت الحافظية، بقصد تحقيق الاستقرار الأسري، والتماسك المجتمعي.

3-  مشاركة الرجل والمرأة في الشأن العام من مبدأ الولاية العامة

قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة، 71].

قال السيد رشيد رضا في تعليقه على الآية: “.. في الآية فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على النساء والرجال، ويدخل فيه ما كان بالقول وما كان بالكتابة، ويدخل فيه الانتقاد على الحكام من الخلفاء والملوك والأمراء فمن دونهم. وكان النساء يعلمن هذا ويعملن به” [8].

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بناء لدعائم أمة قوية، يتطلب مشاركة كل شرائح المجتمع دون تمييز. وهو أمر لا يقل أهمية عن إقامة الصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله.

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه قال: “كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” متفق عليه.

يتخذ بعض الفقهاء هذا الحديث ليحصر دور المرأة في رعاية بيتها، فهل تنسخ مسؤولية المرأة داخل البيت مسؤوليتها خارجه؟

“ما هنا لكن معشر المؤمنات دليل يقيلكن ويعفيكن من المسؤولية السياسية. إن كانت السنة المطهرة خصصت لكن مجالكن الحيوي تزاولن أمانة الحافظية صالحات قانتات، فعموم القرآن أهاب بكن إلى تعبئة شاملة تدعمنها بما يفيض من وقتكن وجهدكن بعد أداء واجبكن التربوي الأساسي. وليست تربية الأجيال إلا ترسيخا للمعروف وإبادة للمنكر. فأنتن تزاولن السياسة في البيت والمدرسة والمعهد والجمعية الإحسانية وميدان الشغل والكسب – لمن كانت منكن كاسبة – أسمى ما تكون السياسة” [9].

فهل كانت الصحابيات – وهن القدوة الحية – غائبات قاعدات حبيسات بيوتهن؟ أم كان لهن حضور وازن وفاعلية في المجتمع؟

يقول الدكتور أبو شقة: “كانت المرأة المسلمة في العهد النبوي واعية لشخصيتها التي قرر الإسلام الحنيف معالمها، ثم مارست نشاطاتها مستقلة في مختلف مجالات الحياة، حيث إنها وانطلاقا من هذا الوعي، شاركت المرأة في النشاط الاجتماعي والسياسي والعمل المهني حسب ظروف الحياة وحاجياتها في عصر الرسالة…” [10].

من خلال هذه القراءات التنويرية، نفهم بحق عدالة التشريع الإسلامي في إنصاف المرأة، ومخاطبتها على أنها شقيقة الرجل في الأحكام كما جاء في الحديث الشريف، وهي مساوية له في الغنم كقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97]. وفي الغرم لقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38].

خلاصة القول إن واقع المرأة مرير، فهي تشكو من الظلم والحيف المزودج: ظلم أخيها الرجل الذي يسيء استعمال درجته ويطغى في قوامته، وظلم المجتمع الذي لا يؤمنها شر غوائل الزمن، ويحرمها مما يؤهلها لعيش حياة كريمة.

لذا فنحن في حاجة ماسة لفقه تجديدي ينصف المرأة من القراءات المتعسفة للنصوص الشرعية، مما يحرر إرادتها لطلب الكمال الإيماني، فتساهم مع أخيها الرجل لبناء أسر متماسكة قوية، تكون عمادا لأمة قوية. 


[1] يوسف القرضاوي رحمه الله: فتاوى معاصرة.
[2] مقدمة ابن خلدون.
[3] الفرانكفونية والسياسة اللغوية والتعليمية الفرنسية بالمغرب، ص 33، لعبد العلي الودغيري.
[4] المكتبة الشاملة.
[5] ابن عاشور كتاب التنوير والتحرير (21/153).  
[6] التنوير شرح الجامع الصغير (8/239).
[7] عبد السلام ياسين، كتاب تنوير المؤمنات، ط 2018/4، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، ج: 2، ص: 84-83.
[8] محمد رشيد رضا، “حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام”. ص: 11- 12. 
[9] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، م. س. ص 270.
[10] عبد الحليم أبو شقة، تحرير المرأة في عصر الرسالة، دار القلم – الكويت، الطبعة: الخامسة 1999، ص 202.