المولديات في الأدب المغربي

Cover Image for المولديات في الأدب المغربي
نشر بتاريخ

عُرف المديح النبوي منذ قرون، كموضوع يتعلق بالشعر أساسا، غير أنه متعدد الأنماط والأشكال. فنجد قصيدة التوسل، والقصيدة النجدية والعشقية، والشكرية، والقصيدة الغرامية، والبديعية.. مما جعل الباحثين يتناولونها كظاهرة إبداعية نقدية.

برز من بين هذه الأنماط “المولديات”، وتميز به تراث المغاربة الأدبي، الذين تجاوزوا المديح النبوي على صعيد الواقع من مجرد احتفال، بل جعلوه موضوعا خصبا في التراث الأدبي.

فما هي المولديات؟ وماذا تمثل في الإبداع الشعري المغربي؟

دأبت الكثير من الفرق الصوفية والزوايا على تأليف نصوص نثرية تحتفي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم. واعتنت بالرسائل التي كانت تُبعث إلى الروضة الشريفة. وكلها إبداعات نثرية سميت بالموالد.

إلا أن أغلب هذه الإبداعات ظلت حبيسة الخزائن الخاصة، والزوايا، ومعظمها مازال مخطوطا يحتاج إلى تحقيق وعناية. كيف لا، وهو تراث نفيس يطبع الهوية المغربية.

وتعتبر المولديات فن شعري قيل في هذه المناسبة الشريفة، لتمييزها عن باقي القصائد الدينية. وقد عرف هذا النمط الشعري في المغرب منذ العصر المريني، حيث كانت الانطلاقة، ثم العصر السعدي،  فالعصر العلوي.

وبالرغم من كون المولديات ظاهرة دينية، غير أنها اتسمت بمجموعة من السمات وأثرت في العديد من المجالات.

 فالمولديات  لم تقتصر على الاحتفاء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتقديره، خاصة وأن الصلاة عليه من ركائز العقيدة، امتثالا للآية الكريمة: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (الأحزاب، 56). بل تجاوزت ذلك إلى جعل المناسبة فرصة للتكافل والمساعدة، بل والتضامن ومد العون داخل المجتمع منذ أزمنة عديدة.

وأيضا طورت المولديات “المديح النبوي” باعتباره فنا مستقلا بذاته، وأطلقت العنان للإبداع والمنافسة في هذا المجال، سواء لدى المبدع أو المتلقي. مما أدّى إلى غزارة هذا الفن بالمغرب، وجعله متداولا في كل طبقات المجتمع؛ سواء النخبة المثقفة أو الأمية على حد سواء.

ويرى مجموعة من الباحثين بأن قصيدة المديح النبوي بصفة عامة، لم تظهر إلا في القرن الخامس أو السادس الهجري. نظرا لتحرز الشعراء، ومهابتهم من شخصية الرسول، بحيث عجزوا أن يكتبوا مديحا نبويا. ومع بعد الزمان والمكان وغياب الممدوح المثال أو القدوة، وظهور الطرق الصوفية، كل هذه العوامل ساهمت في ظهور قصيدة المديح النبوي.

ويعتبر النقاد أن ما قاله الشعراء في صدر الإسلام،  كحسان بن ثابت  لا يعد كونه شعر قليل..

إن القصيدة المولدية في الأدب المغربي، تعبير وجداني يجسد إحساس المغاربة تجاه الجناب النبوي، ومحبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم.

أما من الجانب الفني فقد حملت كل سمات الإبداع في الشعرية المغربية، فأغلب القصائد حافظت على المقدمات النسيبية والطللية، ثم الرحلة، ثم الانتقال إلى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، مع ذكر مولده والإشادة بشمائله، ودلائل نبوته، ثم التوسل والتصلية.

كل هذه المقومات جعلت للقصيدة المولدية مقومات إبداعية تستدعي إنشادها. وكذلك تتطلب الدراسة والاعتناء ببنائها وشروحها باعتبارها لونا من ألوان النقد عند المغاربة.

ويظل موضوع المديح النبوي، ليس مجرد تاريخ يحيلنا إلى الحدث والسيرة فقط، ولا يشمل فقط الاحتفال بالذكرى، وإنما يشمل الفكر والإبداع، فهو موضوع خصب ليس في التراث المغربي فحسب وإنما حتى في تاريخ الأدب العربي.

وهو بحاجة إلى جهود الباحثين، للاعتناء به، والكتابة فيه، ومدارسته لأنه جزء من الهوية المغربية.


المراجع:

– الأدب المغربي من خلال قضاياه وظواهره. عباس الجيراري، الرباط 1979.

– في المدحة النبوية وتواصلاتها. عبد الله بنصر العلوي، فاس، يناير 2016.

– المدائح النبوية. زكي مبارك، القاهرة، 1967.

– النبوغ المغربي في الأدب العربي. عبد الله كنون، بيروت.