المنهاج النبوي ووصية الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى 1- الاقتحام

Cover Image for المنهاج النبوي ووصية الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى
1-	الاقتحام
نشر بتاريخ

أتم الله نعمه على عباده بأن أرسل إليهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا حاملا المحجة البيضاء والمنهاج السوي لسلامة الإنسانية في الدارين، فلم يلتحق بالرفيق الأعلى حتى بين الشرعة والسنة وعمل بها، وكان الخلفاء الراشدون من بعده على العهد والوصية بالحفاظ على المنهاج النبوي مع حصرهم الشديد على بقائه نقيا وعلى ميراث النبوة مجموعا، إلى أن تعرضت الأمة إلى الانكسار التاريخي وتفتت إرث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفقهاء وأهل الحديث والتفسير والعقيدة والتزكية، فكان بعث العلماء المجددين في كل الأزمان تجديدا لهذا الدين وإحياء لمعاني الإرث النبوي الكامل فنجد المجددين عبر العصور في ممارستهم وكتاباتهم ووصايهم يرشدون إلى الرجوع إلى النبع الصافي وقراءة الواقع من أعالي التاريخ، وإن كان هذا التجديد والإحياء جزئيا وفي جوانب معينة من الدين، إلا أن الأمة لا يمكنها استعادة مجدها والسير قدما نحو إعادة بناء صرحها إلا بتجديد كامل للإرث المحمدي الجامع لهم الفرد الأخروي وهم جماعة المسلمين والإنسانية جمعاء بعيش كريم وعدل قائم.

وبالرجوع إلى وصية الإمام المجدد رحمة الله عليه تقف على معالم المنهاج النبوي والسلوك المحمدي في التبليغ والدعوة والبناء، فالوصية إطار جامع لما تفرق في الأمة من إرث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض بنائي لمشروعات المنهاج النبوي القائمة على الاقتحام والتجديد والقومة.

فمشروع الاقتحام من أولى المشاريع والمفاهيم التي اهتم بها المنهاج النبوي دراسة وتأصيلا وأقام عليه بنيانه وأسسه. فاقتحام العقبة مفهوم قراني محوري في القضية الجهادية برمتها، اقتحام العقبة إلى الله هو سير العبد المفرد بإرادة مشتاقة وعزم يشق إلى الله، وسير الجماعة المجاهدة إلى موعود الله جوسا خلال ديار الباطل العاض والمنكر الجبري، سيرها اقتحاما وصبرا وجهادا وصدقا) 1 .

اقتحام العقبة يحدد لعمل المؤمن الفاعل ذي الارادة الحرة اتجاها صاعدا وينصب بين عينيه صورة مستقبل يتجاوز التاريخ الأرضي فيقترح على المؤمن مسيرة إلى الله من ماض يثقل حاضره بالموروث عبر حاضر متموج بالفتن) 2 .

فالوصية دعوة إلى الله تخاطب الانسان من حيث كونه إنسانا من كبد تستحثه للنهوض من الجهل بالله والقعود عن الجهاد في سبيل الله تشجعه على اقتحام العقبة التي يتجاوز باقتحامها عوائق الشح المجبولة عليه النفوس.. فمن اقتحم كل العقبات التي تحول بينه وبين نصر الله تعالى.. كان من اصحاب الميمنة واستحق جزاء المجاهدين) 3 .

والوصية في مجملها حث واستنهاض إلى هذا الامر الجلل الذي يقوم عليه المنهاج النبوي من اقتحام لعقبات النفس وأهوائها وتقلباتها ودعوات القعود وما يستلزم ذلك من صبر ومصابرة وكينونة مع المؤمنين. يقول الامام في وصيته أوصي بما أوصى الله عز وجل به الإنسان من اقتحام العقبة وإلا فالسهول الواطئة مرتعا لغيرنا)، والسهول الواطئة بما هي ذهنية رعوية وأنانية مستعلية وعادات جارفة، والعقبة طريق صاعد واعر وأوعر ما فيه العقبة النفسية التي تعالج بفضيلة الصبر، وخطوات الهوى والشيطان طريق سهل مفض إلى الهاوية مباشرة في السفل) 4 ، واقتحام العقبة بالنسبة للفرد المؤمن جهاد لنفسه كي يستقيم على طاعة الله وجهاد مع المؤمنين الصابرين المتراحمين على إقامة دين الله في الأرض) 5 ، بدء بتوحيد الله وعدم الشرك به حسا ومعنى والإحسان إلى الوالدين والبعد عن الفواحش، وعدم قتل النفس باللهو والعبث، والحفاظ على وحدة الكلمة والصف صعودا إلى مكارم الاخلاق وإقامة شرائع الله والتعلق بمراتب الإيمان والإحسان وغيرها من الوصايا النيرة المؤكدة على طاعة الله والتزام أوامره وحدوده، فذلك اقتحاما للعقبة. وفي فصول كتاب العدل تأكيد لهذه الغاية حيث يقول: ان ربك عز وجل أخبرك في كتابه المبين عن السابقين المقربين من ذوي الدرجات العلى المحبوبين عنده في مقعد الصدق، فهل نهضت لطلب الزلفى لديه؟ هذا أعظم تحد مستقبلي بين يديك، إن لم تستيقظ لهذا، إن لم تقم لتقتحم إلى الله عز وجل العقبة فأنت في واد ونحن في واد) 6 ، فاقتحام العقبة صيغة النداء الذي وجهه الله عز وجل للإنسان يهيب به أن يتحرك ويغلب العوارض ليعرف ربه ويطيعه وينال رضاه في الدار الاخرة) 7 .

فالاقتحام بحركة المؤمن في سلوكه إلى الله، وحركة الجماعة المجاهدة في حركتها التغييرية وحركة الأمة في ميسرتها التاريخية، ومعية الله عز وجل تزيل وحشة سلوك هذه العقبة وخوف الاقتحام، وهذه المعية التي تذلل أمامنا هذه العقبة لا سبيل إليها إلا بالتضرع إلى الله والتقرب إليه بما يحبه وبرضاه، وهذا مرمى وصية الإمام وغايتها.

فقد أودع الله سبحانه في هذا الإنسان الاستعداد لسلوك النجدين، والنجد الطريق الصاعد فأحدهما يؤدي بعد الكدح إلى الشقاء والتعاسة، والآخر الذي عظم الله شأنه يؤدي بعد الكدح والتعب والنصب والتحمل إلى السعادة، فهو نداء ووصية إلى العبد المؤمن، والعبد إما صاحب إرادة قاصرة مكبلة مقيدة بدواعي النفس والهوى فيختار السهول الواطئة ولا يكلف نفسه عناء التعلق بالمعالي، وإما ارادة سامقة عالية حرة طليقة تأبى إلا أن تسارع إلى مغفرة الله فتقتحم العقبة وهي متشوفة إلى جنان الخلد ونيل الرضا والرضوان من الواحد المنان، كلها معان ووصايا وإشراقات تحملها وصية الإمام داعيا راجيا محفزا منيرا الطريق إلى منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلام فهما وإرادة وسلوكا، معلنا للأمة من هنا البداية من هنا الطريق…


[1] المنهاج البوي ص 7.\
[2] الإسلام غدا ص 25.\
[3] المنهاج النبوي ص 21.\
[4] تنوير المؤمنات ج 1 ص 18.\
[5] المنهاج النبوي ص 24.\
[6] العدل-الاسلاميون والحكم ص66.\
[7] مقدمات في المنهاج ص 19.\