المرأة والتدبير الاقتصادي

Cover Image for المرأة والتدبير الاقتصادي
نشر بتاريخ

مضى زمن غابر كانت الندرة فيه عنوانا للحياة اليومية، وما نعده اليوم من الأساسيات، كان حينها رمزا للرفاهية والترف في بيوت الأعيان. وكان الرجل إذا أراد الزواج، يقصد من الصفات التي ينشدها في شريكته أن تكون مدبرة حكيمة، تعينه على نوائب الدهر، فلا تكون مبذرة ولا مقترة، وإنما معتدلة في الإنفاق، كي تسير عجلة الحياة.

لقد توارثنا عن الجدات حِكما ودررا وقصصا شعبية، تغنت بالدور الريادي لبعض النساء اللائي استطعن إنقاذ الأسر من براثن الفقر وطاحون الجوع، بتدبيرهن المحكم للميزانية، وأفكارهن الاقتصادية العبقرية، وخلقهن مصادر للدخل، بما تحيكه أصابعهن أو ينتجه فكرهن.

ومع الوضع الاقتصادي المضطرب والارتفاع المهول في الأسعار التي تلهب الجيوب، تتجه الأنظار صوب المسؤولين، مترقبة عن كثب كيفية تعاملها مع هذه الأزمة من جهة، ومدى صمود المستهلك، باعتباره محور اللعبة الاقتصادية من جهة أخرى. ومما لاشك فيه، أن المرأة تلعب دورا مهما وأساسيا في اتخاذ القرارات الاستهلاكية، فهي من تحدد نوع السلع وكميتها، وهي من تختص داخل الأسر بترشيد الاستهلاك.

وبهذا تصير المرأة ركيزة أساسية في تسيير قواعد اللعبة الاقتصادية داخل الأسرة، وبالتالي خلق توازن في الأسعار داخل السوق.

ونستحضر في هذا الجانب قصة ارتفاع ثمن اللحم في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه، حين طلب منه الناس تحديد تسعيرته فأجابهم قائلا: “أرخصوه أنتم!” فقالوا : “كيف يا أمير المؤمنين؟” قال: “اتركوه لهم”. فترك الناس شراء اللحم أياما، وبعد أن تعفن اضطر التجار إلى تخفيض ثمنه مكرهين.

كما نستحضر قولة غاندي الشهيرة: “احمل مغزلك واتبعني” التي رددها حينما أراد مقاومة الإنجليز، قبل استقلال بلده الهند، في إشارة منه إلى الاستغناء عن سلع المستعمر واستبدالها بمنتجات محلية.

فأنت أيتها الرائدة المتحكم الأول في توجيه عجلة الاقتصاد الأسري ثم الوطني؛ أنت هي المتصرفة في مال أسرتك، القائمة على التوفير أو التبذير فيه، والمحددة للضروريات والكماليات في بيتك.

أنت هي المدركة الملمة بما لكثرة الاستهلاك والإسراف من آثار، تنعكس سلبا ليس على دخل الأسر فحسب، وإنما على الوضع الاقتصادي العام للبلاد أيضا، إذ ترتفع أسعار السلع والخدمات، فتغرق معها الأسر الفقيرة في الديون وتتفاقم المشاكل الاجتماعية، كما تواجه العملة حالة التضخم النقدي.

فأنت حقا أيتها الرائدة مدبرة في بيتك، ومساهمة في الاستقرار الاقتصادي لوطنك، ومربية لأبنائك على ترشيد الإنفاق وعدم الانجراف مع العادات الاستهلاكية المدمرة.