القرآن وتربية الأبناء

Cover Image for القرآن وتربية الأبناء
نشر بتاريخ

لا يخفى علينا جميعا ما للقرآن الكريم من فضل عظيم؛ فهو نور الله المبين، وصراطه المستقيم، ودستوره القويم، وكلامه الحكيم.

عظمت به ليله القدر فكانت أفضل الليالي، وعظم به شهر رمضان فكان أفضل الشهور، وتحققت به خيرية البشر فكان “خيركم من تعلم القرآن وعلمه” رواه أبو داود والترمذي.

لذلك ينبغي لنا كي تتحقق فينا هذه الخيرية وفي فلذات أكبادنا أن نعلمهم كتاب الله، ونحببهم فيه، لأن به يتعلمون توحيد ربهم، ويأنسون بكلامه، ويسري أثره في قلوبهم وجوارحهم.

فمتى نبدأ تحفيظ أبنائنا القرآن؟

يبدأ قبل أن يختار الأب أو الأم شريك الحياة، فإذا أرادا أن يكون ولدهما حاملا لكتاب الله وجب على كل منهما أن يختار شريكا صالحا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “فاظفر بذات الدين تربت يداك” رواه أبو داود والنسائي.

ثم يتعاهد الزوجان على أن يحكما شرع الله وكتابه، ويجعلاه نبراسا لهما، وأن يجعلا حياتهما كلها خالصة لوجهه الكريم، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام، 162).

ثم يتوجها بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى في كل وقت وحين، أن يجعل ذريتهما من حفظة كتاب الله، ولا يتركا فرصة إلا يذكران الله فيها، فيبدآن عند الإقدام على الجماع بالدعاء المأثور “بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا”.

ثم تأتي مرحلة الحمل، فتكثر الأم الحامل من قراءة القرآن، والصلاة على نبي الرحمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مفتاح كل خير.

ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الولادة، فيؤذن الأب في أذن صغيره، حتى تكون أول كلمة يسمعها الوليد كلمة {الله أكبر}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” رواه البخاري.

ثم ترضع الأم وليدها وهي تقرأ ما تيسر لها من كتاب الله، حتى إذا بدأ بنطق الحروف تعلمه كلمة التوحيد، ثم تبدأ بتلقينه قصار السور.

ثم تأتي مرحلة الطفولة، والتي هي أخطر وأهم مرحلة في حياة الإنسان، لأنها مرحلة بذر المبادئ والقيم والمفاهيم التي يجب أن يربى عليها الصغير، وخير ما يشغل به الطفل في هذه المرحلة هو كتاب الله حفظا ومراجعة وتكرارا وتجويدا، لما له من أثر بليغ على فصاحة لسانه واستقراره النفسي ونبوغه العقلي وتحصيله الدراسي. مستحضرين قدرات الطفل العقلية الهائلة في هذه المرحلة وسرعة التذكر والاستيعاب، ومراعين مراحله العمرية وميولاته، مستعينين بأدوات تحفيزية ومكافآت مادية، موطنين نفسيهما على الصبر، مستحضرين عظمة هذا الأمر. وإن حدث أن انشغل الوالدان بأمر من أمور الدنيا عن إتمام تحفيظ كتاب الله لولدهما، وكلا هذا الأمر إلى فقيه متقن أو مدرسة قرآنية، فيتتبعان حفظه في كل وقت وحين إلى أن يختم ولدهما القرآن.

ويمكن للوالدين أن يبدآ بتحفيظ أبنائهما القرآن في كل مرحلة من حياتهم، إلا أن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.

ويا لها من فرحة لا تعادلها فرحة؛ فرحة الوالدان بولدهما الخاتم لحفظ كتاب الله. ويا لها من بشريات عظيمه يزفها إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول عليه الصلاة والسلام: “مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيهِ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا؟!” رواه أبو داود. كما قال عليه الصلاة والسلام: “مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَهُوَ فَتِيُّ السِّنِّ أَخْلَطَهُ اللهُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ” رواه البيهقي.

وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: “من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا” رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.

وأخيراً يجب أن يكون القرآن الكريم مشروع حياة كل مسلم، فمن المستحسن أن ينخرط الآباء والأبناء في عزمات الحفظ مع أبنائهما، حتى تحصل بينهم الألفة والمحبة اللتان يستحيل معهما أن يكون الولد الحافظ عاقا لوالديه. كما أنه سبيل الرفعة والنجاة في الدار الآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها” رواه ابن ماجة وأحمد.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: “إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاس، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، مَن هُم؟ قالَ: هُم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ” رواه أنس بن مالك.

اللهم اجعلنا وأبناءنا من أهلك وخاصتك.