الطفل والإعلام 3/1

Cover Image for الطفل والإعلام 3/1
نشر بتاريخ

إن الطفولة تمثل حوالي ربع حياة الإنسان، وهي مرحلة ضعف تؤسس لمرحلة قوة ونضج، ما يقتضي من الوالدين والمربين الاهتمام بالطفل مند صغره تربية وتقويما وانفتاحا لشخصيته. فـكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) 1 .

إن الحديث عن الطفولة والإعلام حديث عن قضية من أخطر القضايا التربوية في هذا العصر، بالنظر للانتشار الواسع لوسائل الإعلام بمختلف أصنافها ثم بالنظر لقوة التأثير الذي تحدثه في شخصية الطفل، وبالنظر كذلك لمجموعة من الخصائص المميزة للطفل ومنها: حاجته إلى الترفيه في مختلف مجالاته من لعب وغناء ونحوه – فضوله المعرفي وتشوفه لاكتشاف عالم يعيش فيه – ميله الفطري للتواصل وعقد علاقات الصداقة والتعارف – حبه لكل ما يفتح له آفاق الخيال ويوسع مداركه – حاجته و حبه للمناولة وكثرة الحركة.

ولعل وسائل الإعلام المتعددة الموجهة لهذه الشريحة العمرية بالذات وجدت بالأساس لتلبية هذه الحاجيات ومن تم أضحت جزءا لا يتجزأ من حياة الأطفال ومن ضرب المستحيل تجاهلها أو استبعادها بشكل مطلق، بل إن أدوارها تتعاظم لحظة بلحظة ويوما بعد يوم.

1- مفهوم الإعلام وأنواعه

الإعلام لغة جاء بمعنى التبليغ والإبلاغ أي الإيصال، بلغت القوم بلاغا أي أوصلتهم الشيء المطلوب، والبلاغ ما بلغك أي وصلك، وفي الحديث: “بلغوا عني ولو آية”، “فليبلغ الشاهد منكم الغائب” أي فليعلم الشاهد الغائب، قال تعالى: إن الله بالغ أمره أي نافذ يبلغ أين أريد به..

فهو وسيلة، نشاط، عملية، تعبير، إحدى وسائل الاتصال والتواصل، فن.. إلخ

وهو نشاط اتصالي قصدي يستهدف التأثير على الناس وحملهم على السلوك مرغوباً فيه) 2 .

أما الإعلام الإسلامي يقصد به فن إيصال الحق للناس قصد اعتناقه والتزامه وفن كشف الباطل ودحضه قصد اجتنابه. فهو بناء وتحصين) 3 .

وحديثنا حول الإعلام والطفل حديث عن جزء مهم من أدب الأطفال والذي هو الكلام الجيد الذي يحدث فى نفوس الأطفال متعة فنية سواء كان شعراً أم نثراً، سواء كان تعبيراً شفهياً أم تحريرياً، ويدخل فى هذا مفهـوم قـصص الأطفـال ومسرحياتهـم وأناشيدهم) 4 .

وأدب الأطفال كذلك: مجموعة الكتابات التي يعتبرها الأطفال خاصة بهم، ولذلك فهو يضم كتب الأطفال بأنواعها المختلفة، ومجلاتهم، وصحفهم، وما يكتب لهم في صحف ومجلات الكبار، وغير ذلك 5 .

وإعلام الطفل أنواع:

1-1- إعلام الطفل المكتوب: مجلات وصحف الأطفال، دوريات..

1-2- إعلام الطفل المسموع: إذاعات الأطفال والتسجيلات السمعية الموجهة للطفل (..-mp3-CD-DVD).

1-3- إعلام الطفل المرئي: التلفاز والتسجيلات المرئية (..DVR- DVD- CD)، الصور الفوتوغرافية..

1-4- إعلام الألعاب التفاعلية: من ألعاب فيديو وغيرها، وهي من أحب الوسائل للطفل وأكثرها جذبا له.

1-5- إعلام المسرح والسينما وما يدور في فلكهما.

1-6- إعلام الإنترنت: من مواقع ومنتديات اجتماعية وصفحات تواصلية..

واعتبارا لمحدودية انتشار إذاعات الأطفال، ولملاحظة أن المكتوب أصبح أقل جذبا للأطفال بسبب تدني ثقافة القراءة والمطالعة لدى الكبار والصغار، فلن نختلف أن قوة التأثير الإعلامي في نفسيتهم في الوقت الحالي تكمن بالأساس في التلفاز والألعاب التفاعلية والانترنت. فأجهزة التلفاز يكاد لا يخلو منها بيت أو مكان في البادية كان أو في ثخوم الصحراء أو بين أقاصي الجبال، كما أن الانتشار السريع والمهول للإنترنت والألعاب الالكترونية أضحى من أهم سمات وقتنا الحالي.

ولم يكن الطفل في هذه البيئة الإعلامية المتضاربة اليوم ليتابع فقط مواد إعلامية خاصة به، بل يتابع أفلام وبرامج تلفزيونية وصفحات إلكترونية قد تؤذي الكبار فما بالك بالصغار.

وتعاظمت أدوار الإعلام في الوقت الحالي، فهو بالنسبة للطفل: ترفيه، تنشئة اجتماعية، تعلم، تثقيف، إكساب المبادئ، تشكيل الهوية والمواقف..

2- مخاطر الإعلام “غير النظيف”على الطفل

تحدث الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في هذا الصدد فقال: مازالت وسائل الإعلام العملاقة العالمية الوسائل القزمة المضمون أداة تخريب للأخلاق وإفساد النشء، وأداة ترويج على نطاق واسع عالمي لرذائل ولدت هنا وهناك) 6 .

ولأن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وبحسب نظريات الاتصال لا تحمل فقط “الرسالة” بل تتدخل فيها بأسلوب منظم بقصد إحداث التأثير المرغوب فيه في نفسية الطفل عبر توظيف قالب جمالي ترفيهي وجذاب، فإن استهلاك أبنائنا وبناتنا لما هب ودب من مواد إعلامية دون رقابة أو توجيه يسقطهم في دائرة الخطر، بالنظر لما يمارسه طاحون الإعلام “غير النظيف” من مغالطة وتحريض عبر إتقانه لما أسماه الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله “المهارات المكارة” ودقة توظيفها لخدمة أهدافه وإديولوجياته المتعددة.

فالطفل على سبيل المثال لا الحصر كلما تعرض لمشاهد العنف وعاشها عبر أفلام الرعب أو الرسوم المتحركة أو بعض الألعاب التفاعلية ذات الطابع القتالي الحربي زاد احتماله للتصرف بعنف في المستقبل وخصوصا لدى شريحة الذكور.

وذلك حسب نظرية “حبل الاستجابة” التي تربط كل مادة إعلامية باستجابة حتمية:ويزداد الأمر خطورة بالنسبة للصغار الأقل من 8 سنوات لأنهم لا يكادون يميزون بين الخيال والواقع، فبتعودهم على توالي المهيجات الإعلامية المتسارعة والمتراكمة يجد المربون والآباء عناء في الحد منها ومن سلبياتها يزيد من عنائهم هذا تعزيز الشارع المفتون والمدرسة لهذه الظواهر الخطيرة.

في الفقرات المقبلة:

1- العوامل الحاسمة في تأثير الإعلام على الطفل.

2- واقع إعلام الطفل بالمغرب.

3- حول إعلام الطفل في كتب الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله.


[1] رواه البخاري ومسلم.\
[2] سيد محمد ساداتي، ركائز الإعلام في دعوة إبراهيم عليه السلام، ص:114 / الرياض: دار عالم الكتب: ط2، 1998.\
[3] سيد محمد ساداتي الإعلام الإسلامي المفهوم والخصائص / الرياض: دار عالم الكتب: ط2، 1419.\
[4] أدب الأطفال مبادئه ومقوماته الأساسية، د. محمد أحمد رضوان، أحمد نجيب.\
[5] تعريف ل”باتينر نرجين”، موسوعة التربية ص7، 1971.\
[6] الشورى والديمقراطية، ص91.\